لقاء سري مع أبو جمال قائد وحدة الهاون الفلسطينية: هدفنا زعزعة أعصاب إسرائيل ونعمل على تحسين قدراتنا

TT

بدأ المقاتلون الفلسطينيون باستخدام مدافع الهاون الى جانب الاسلحة التي اعتادوا استخدامها ضد اسرائيل، وهو ما ادى الى ردود انتقامية اشد مع دخول الانتفاضة في شهرها السابع مرحلة جديدة. وفي مقابلة نادرة مع الفلسطينيين الذين يزعمون مسؤوليتهم عن قصف الاراضي الاسرائيلية والمستوطنات اليهودية في الضفة الغربية بمدافع الهاون، قالوا انهم نجحوا حتى الآن في تحقيق هدف واحد وهو زعزعة اعصاب العدو وافقاده رباطة جأشه. واضافوا انهم يهدفون تاليا الى تحسين قدراتهم في اصابة اهدافهم وايقاع مزيد من الضحايا.

وكان متحدث باسم الحكومة الاسرائيلية قد صرح يوم الاثنين الماضي بأن اطلاق مدافع الهاون على اراضي اسرائيل يصنف على انه من الاعمال العدوانية التي تشير الى مستوى جديد وخطر من اعمال الحرب.

وبعد مضي اشهر على استخدام الفلسطينيين الحجارة والبنادق وقنابل المولوتوف وتنفيذ بعض العمليات الانتحارية عبر قتالهم لاخراج اسرائيل من الضفة الغربية وغزة، ووقوع العدد الاكبر من الضحايا في جانبهم، بادروا الى استخدام مدافع الهاون. ويعكس اللجوء الى استخدم هذا السلاح ما بات متاحا بين ايدي الفلسطينيين الآن من سلاح في نزاعهم مع اسرائيل مقارنة مع ما توفر لهم من اسلحة خلال ايام الانتفاضة الاولى التي اندلعت عام .1987 وشرع الفلسطينيون لاول مرة اوائل شهر فبراير (شباط) بقصف مستوطنة نتساريم في قطاع غزة بمدافع الهاون. اما اول قصف للاراضي الاسرائيلية فجرى في 18 مارس (آذار) مستهدفا قاعدة عسكرية قرب كيبوتز نحال اوز. واصيب هذا الكيبوتز بالفعل في الثالث من ابريل (نيسان). كما بلغ عدد الهجمات بمدافع الهاون منذ اوائل فبراير الماضي 56 هجمة، حسب سجلات الجيش الاسرائيلي. وكانت تلك الهجمات تتسم بالعشوائية اول الامر، الا انها باتت الآن تجري على نحو منتظم واشد كثافة.

واصابت احدى القذائف مستوطنة اتسمونا في قطاع غزة الاثنين الماضي، بينما قال الفلسطينيون ان القوات الاسرائيلية قصفت القطاع بصواريخ ارض ـ ارض يوم الاحد الماضي. ولم يقتل اي اسرائيلي جراء القصف، غير ان ثلاثة اصيبوا بجراح احدهم يبلغ سنة من العمر. اما القصف الانتقامي الاسرائيلي، الذي جرى سريعا منذ تسلم حكومة رئيس الحكومة ارييل شارون زمام الامور الشهر الماضي، فتسبب في جرح عشرات من افراد الشرطة الفلسطينية والمدنيين.

وعلى هذا الصعيد، قال قائد احدى الوحدات التي نفذت قصفا بمدافع الهاون «اننا احرار في الرد ضد اهداف اسرائيلية سواء داخل القطاع او خارجه». ويستعمل هذا القائد لقب ابو جمال وقد وافق على عقد مقابلة معه بشرط عدم الكشف عن هويته او مكان اجراء المقابلة.

واوضح ابو جمال ان الفلسطينيين لجأوا الى استخدام مدافع الهاون بعد ان عمدت القوات الاسرائيلية الى تجريف العديد من البساتين ونسف البيوت وغيرها من ردود انتقامية جعلت من العسير على القناصة الفلسطينيين الاقتراب من اهداف اسرائيلية دون ترك آثار خلفهم تمكن القوات الاسرائيلية من تعقبهم بالاستعانة بها.

ولان مدافع الهاون ليست سلاحا دقيق التصويب، فان انزال اضرار جماعية امر لا يمكن تجنبه. غير انها تسمح للمهاجم بالبقاء على مسافة تمكنه من الفرار سريعا، غالبا قبل تمكن القوات الاسرائيلية من الرد. كما ان قذائف هذا المدفع التي يمكن اطلاقها على ارتفاع عال وتسقط بشكل عمودي تقريبا على اهدافها يصعب التصدي لها وتفجيرها في الجو خاصة في المناطق المأهولة بالسكان. وهذا مما يزيد من قدرة هذا السلاح في الترويع النفسي، اذ يقول ابو جمال «ان العدو لن يقدر ابدا على حماية كل المستوطنات من التعرض للقصف بمدافع الهاون، وهذا بالضبط سر هذا السلاح ومصدر قوته... وصحيح انه لا يعد بسلاح دقيق التصويب، ولكننا في الواقع لا نأبه لذلك. وسواء اصاب الهدف ام لم يصب، فنحن نرمي من ورائه الى خلق حالة من الرعب والفوضى. ونريد ان يدرك الاسرائيليون ان جيشهم عاجز عن حمايتهم». وقد اجريت هذه المقابلة مع ابو جمال الذي كان يرتدي الملابس العسكرية ويغطي وجهه بقناع اسود ويحمل بندقية ام ـ 16 الاميركية الصنع نهاية يوم الاحد الماضي في قطاع غزة، كما كان يرافقه اثنان من زملائه، واصر على ان يكون اللقاء سريا لخوفه من ترصد اسرائيل له.

اما ضباط الجيش الاسرائيلي فيعتقدون ان لجوء الفلسطينيين الى استخدام مدافع الهاون حصل على يد مسعود عياد الذي يحمل رتبة مقدم في القوة 17 التي تتولى حماية عرفات، والذي يقول الاسرائيليون انه يتزعم خلية عسكرية تابعة لحزب الله مقرها في غزة. وقد نفذت اسرائيل عملية اغتيال لاياد بينما كان يقود سيارته في احد شوارع غزة في 13 فبراير الماضي.

اما ابو جمال البالغ 36 عاما فيقول انه ينتمي الى احد الاجنحة العسكرية التابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وهي فصيل راديكالي صغير يعارض اتفاقات السلام مع اسرائيل. ورفض ان يكشف عن المصدر الذي حصل منه على مدافع الهاون التي يستخدمها فريقه، وكل ما قاله بهذا الصدد «ان هذه المدافع موجودة هنا منذ زمن طويل، وآن اليوم اوان استخدامها». كما نوه الى ان الفلسطينيين يحاولون اطالة مدى هذه المدافع وتحسين قدراتها على اصابة اهدافها. بينما تفيد مصادر الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية بأن قذائف تلك المدافع ربما هربت الى غزة عبر خنادق حفرت بين القطاع ومصر، او انها خبئت في براميل القيت في البحر والتقطتها قوارب قرب شاطئ غزة، وهو الاسلوب المتبع تقليديا في تهريب المخدرات. وكانت الصحف الاسرائيلية قد تناقلت اخباراً عن مصنع قائم في مدينة غزة لصناعة اجهزة اطلاق وربما قذائف ايضا.

ويحرص الفلسطينيون على اخفاء كل ما بحوزتهم من ترسانة اسلحة. وترى مصادر الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية ان الفلسطينيين يمتلكون مدافع مضادة للطائرات وصواريخ مضادة للدبابات وسواها من اسلحة شديدة الفتك. وبموجب ما نص عليه اتفاق اوسلو عام 1993، يسمح لقوات شرطة عرفات بحمل 15 الف بندقية وعدد محدد من الرشاشات والسيارات المصفحة، اما امتلاك غير ذلك من اسلحة فيعد غير قانوني. واشار احد قادة القوة 17 عرف على نفسه باسم اشرف بينما كان يتجول مع احد الصحافيين وسط انقاض مقر القوة الذي قصفته اسرائيل مرتين الى «ان اسرائيل تمتلك سفناً حربية ودبابات وسواها، فكيف يمكن اعتبارنا نحن بالمعتدين»؟

*خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»