موسكو: «القناة المستقلة» بين التبعية وتصفية الحسابات مع الكرملين

TT

رفض مجلس الدوما امس للمرة الثالثة ادراج قصة «ان تي في»، القناة التلفزيونية التي تسمي نفسها بالمستقلة، ضمن جدول اعماله. ولم يصوت الى جانب ادراجها سوى 63 نائبا من 226 هي النصاب القانوني اللازم لتحرير الاقتراح، وذلك في اطار توجه عام يقول إن ساحة القضاء هي المكان المناسب لبحث ملابسات هذه القضية.

وكانت هذه القضية مثار جدل تواصل على مدى الأيام العشرة الأخيرة، في اطار الصراع الذي يحتدم بين قوى اليمين والكرملين، وسط اتهامات بالرشوة والفساد والسرقة ضد اصحاب «ان تي في» الذين يتهمون الكرملين بدورهم بخنق حرية الكلمة ومحاولات النيل من استقلالية الصحافة والاعلام من جانب الأجهزة الرسمية والكرملين.

وفيما كانت قيادات «ان تي في» تستند في دفاعها عن مشروعية تغييرها، واستبدالها بآخرين يمثلون مؤسسة «غازبروم» التي تملك الحصة الاكبر من اسهم «ميديا موست» المالكة المباشرة لهذا القناة، الى حكم قضائي صدر في مدينة ساراتوف على ضفاف نهر الفولجا يقول بعدم مشروعية اجتماع مجلس مديري «غازبروم» الذي أصدر هذا القرار، اعلن محافظ مقاطعة ساراتوف ديمتري اياسكوف ان القاضي فيكتور نيكولايف تقاضى رشوة قدرها مليون دولار مقابل اصدار هذا الحكم.

وفي محاولة لدحض هذا الاتهام سارعت لاريسا بلاجنوفا محامية «ميديا موست» في ساراتوف الى نفي ذلك، وان اشارت الى تردد الشائعات حول ان المبلغ لم يتعد خمسمائة ألف دولار فقط.

وكان الرئيس السوري فلاديمير بوتين قد كشف لضيفه الألماني المستشار جيرهارد شرودر بعض ملابسات هذه القضية على مرأى ومسمع من مشاهدي التلفزيون في روسيا والمانيا، عن ان النيابة العامة الروسية تلاحق رجل الأعمال (فلاديمير جوسينسكي صاحب امبراطورية «ميديا موست» التي تملك «ان تي في» (رئيس المؤتمر اليهودي الروسي) لاستدانته قروضا تقدر بمليار ونصف مليار دولار، ويرفض سدادها في الوقت الذي تسللت فيه ستة ملايين وستمائة ألف دولار من هذه المبالغ الى جيوب بعض العاملين في «ان تي في» دون سند قانوني في اشارة غير مباشرة الى الفساد المالي في هذه القناة.

وجاءت هذه الأنباء في الوقت الذي بدأ فيه الجدل يحتدم بين نجوم هذه القناة التلفزيونية، الذين تبادلوا الاتهامات في ما بينهم، واعلن بعضهم عن استقالته ورفضه الاستمرار في تأييد يفجيني كيسيليوف المدير العام ورئيس التحرير.

وكان أوليج دوزودييف المدير العام السابق لهذه القناة وأحد مؤسسيها قد توجه برسالة مفتوحة الى كيسيليوف على صفحات صحيفة «كوميرسانت دلي» يذكره فيها بالظروف التي سبقت استقالته من القناة منذ عام ونصف عام، وكشف فيها عن مدى تغلغل اصحابها وعلاقاتهم الوثيقة مع أركان النظام السابق وادارة الكرملين ابان عهد الرئيس السابق بوريس يلتسين، مستشهدا بقول فلاديمير كوليستوف الذي عُين أخيرا كرئيس لتحرير «ان تي في»، وكان يعمل في السابق مراسلا لاذاعة «الحرية» الاميركية، حول ان «العاملين في «ان تي في» قادرون على فتح بوابات الكرملين بأرجلهم»!! في اشارة منه الى مدى سطوتهم ونفوذهم.

اما عن حرية الكلمة واستقلالية الموقف فقد كشف الكثيرون من العاملين السابقين في القناة عن ان سياسات اصحابها كانت تحدد الى درجة كبيرة توجهات البرامج بل والنشرات الأخبارية. وسبق ان أشرنا على صفحات «الشرق الأوسط» الى التوجهات المعادية للعرب ولقضاياهم، ليس فقط من جانب «ان تي في» بل وايضا من جانب كل الصحف والمجلات والاذاعات التابعة لامبراطورية «ميديا موست» بسبب مواقع مالكها جوسينسكي، بوضعه رئيسا للمؤتمر اليهودي الروسي ونائبا لرئيس المؤتمر اليهودي العالمي ويحمل الجنسية الاسرائيلية، ومن ذوي النزعة الصهيونية المتطرفة.

ولعله ليس غريبا ان تنكشف الحقائق بمثل هذا القدر من الوضوح، حين يختلف رفاق الأمس دون مراعاة لحرمة أو مبادئ. وهو ما يؤكد ان الذين تكالبوا للاجهاز على وطنهم لصالح آخرين مقابل المال والثورة والسلطة، مستعدون لاتخاذ مواقف هي النقيض من مواقف الأمس، حفاظا على الموقع والسلطة والمال. لكن هل يقبل النظام الحالي امثال هؤلاء كمعبرين عن مواقفه وممثلين لسياساته؟! الواقع والشواهد تقول باستحالة ذلك. فليس من الطبيعي ان يمثل الكرملين الفريد كوخ، النائب الأسبق لرئيس الحكومة الذي فقد موقعه لأسباب تتعلق بالفساد في قضية عرفتها موسكو تحت اسم «اتحاد الكتاب». وليس من الممكن ان ينطق باسمه بوريس يوردان حامل الجنسة الاميركية والغربي الهوى، وهما اللذان يتزعمان اليوم الحملة ضد اصدقاء الأمس في «ميديا موست» و«ان تي في». وهم «شخصيتان مرحليتان» ينفذان مهمة بعينها، ويعرف القاصي والداني مصيريهما مما يدفع الى التساؤل عن المقابل الذي قد يكون ثمنا لذلك؟ وذلك كله يدفعنا الى طرح التساؤلات حول اسباب وقوع الكثير من اجهزة الاعلام العربية، وخاصة الفضائيات في شرك تأييد «ان تي في»، حين نقلت المظاهرات المدفوعة الثمن التي خرجت لدعم قضية خاسرة، وتأييد من سبق ولا يزال يتغنى «بديمقراطية اسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها ضد هجمات «الارهابيين» العرب» ويؤكد مشروعية ما تقوم به الطغمة الاسرائيلية ضد الفلسطينيين في الأراضي العربية المحتلة. وفي هذا الاطار يحذر الكثيرون من ممثلي الأوساط العربية في العاصمة الروسية من مغبة السقوط في حبائل ممثلي الأوساط الصهيونية الموالية لاسرائيل، والذين تستضيفهم بل وتلجأ الى خدماتهم وتعليقاتهم ورسائلهم بعض القنوات الفضائية العربية.