رجل أعمال أردني اختفى من قطر بـ30 مليون دولار يروي أصل المشكلة: هربت بعد تهديدات بالقتل

جورج رزق يوقع اتفاقا لإعادة أموال زبائن «المدينة للاستثمار» ويلقي باللوم على البنك المركزي القطري

TT

منذ شهرين «اختفى» رجل الأعمال الأردني، جورج رزق، من قطر ومعه اختفت 30 مليون دولار، تعود لأكثر من 3 آلاف زبون في صندوق «ستي فوركس» الاستثماري، المعروف سابقا بشركة «المدينة للاستثمار» أو حاليا باسم «المدينة لتجارة العملات» في الدوحة.

قالوا ان الرجل، البالغ عمره 44 سنة، تصرف فيها ليقيم في بحبوحة العيش بلندن، حيث تقيم زوجته البريطانية وأولاده منها، وكذلك أولاده من زوجته البريطانية الأولى.

الا أن جورج رزق، الذي لم يكن أحد يعرف أين استقر في العاصمة البريطانية طوال الشهرين الماضيين، الى درجة أنه لم يكن يتحدث الى أحدهم الا من كابينة للهاتف بالشارع، يقول غير ذلك تماما، ويروي ما يثير الفضول.

انه ينفي مثلا أن تكون مغادرته المفاجئة للدوحة بهدف الاحتيال «بل غادرتها لأن بعضهم كان يريد قتلي عندما بدأت شركة الاستثمار التي كنت أملكها وأديرها، وما زلت، تعاني من نقص بالسيولة نتيجة أوضاع السوق المالية وتدخلات البنك المركزي في قطر..لست لصا، وما كان للمستثمرين سيستعيدونه مع الفوائد خلال 8 أشهر على الأكثر، وبدءا من الآن» وفق قوله عندما التقت به «الشرق الأوسط» أمس في أحد فنادق لندن، ومعه وكيل المستثمرين، وزير العدل القطري السابق، المحامي الدكتور نجيب النعيمي.

وكان النعيمي قد أمضى 3 أيام في لندن، قبل أن يعود أمس الى الدوحة، بعد أن بقي يتحدث الى جورج رزق عبر الهاتف طوال شهرين ماضيين، حتى توصل الطرفان الى صيغة لاعادة الأموال الى أصحابها، فطار النعيمي الى العاصمة البريطانية، واستطاع توقيع اتفاق قانوني أول من أمس، أهم ما فيه أنه يحول القضية الى المحاكم البريطانية، بعد أن كانت محصورة في القطرية وحدها، ويضمن للمستثمرين حقوقهم، البالغة 30 مليونا من الدولارات.

والأزمة قديمة، وتعود الى شركة مالية في قطر، كان اسمها «المدينة للاستثمار» وهي عبارة عن «صندوق استثماري» يضع فيه المستثمر مبلغا، قد يكون ألف دولار على الأقل، أو بالملايين اذا أراد، بهدف أن تستثمره الشركة، لقاء أن تدفع له أرباحا تزيد في العادة بعشرات المرات عما تدفعه المصارف التجارية من فوائد سنوية. وكان جورج رزق يعمل قبل 7 سنوات في الشركة كمدير فيها، الا أنها تعرضت لخسائر، وباتت مهددة بالافلاس عندما حامت حولها شبهات، حملت المستثمرين لأن يطالبوا بأموالهم المستثمرة فيها. ويقال انهم هرعوا في أسبوع واحد، واستعادوا أكثر من 56 مليون دولار كانت لهم. الا أن آخرين استمروا يتعاملون معها، ولم يسحبوا ما كان لديهم، وسط استمرارها في الخسائر، حتى تفاقمت الأمور، وبدأت الشركة تلوح برفع الراية البيضاء استسلاما لمصيرها. في هذه الأجواء، أي في بداية العام الماضي، اشتراها جورج رزق، مشتريا معها مشاكلها أيضا، وحولها الى شركة جديدة أسسها باسم «سيتي فوركس» وهي شركة أوفشور، مركزها في جزر الباهامس، بالبحر الكاريبي، في أميركا الوسطى.

أصبحت «سيتي فوركس» بذلك بديلا عن «المدينة للاستثمار» التي كان أصحابها يحوّلون من يطالبهم بمبلغ أودعه لديها بحكم الاستثمار الى «سيتي فوركس» التي عرفت باسم «المدينة لتجارة العملات» في قطر.

كل شيء كان رائعا، الا أن ما عانته «المدينة للاستثمار» من مشاكل مع السوق المالية، عانته أيضا شركة «سيتي فوركس» أو «المدينة لتجارة العملات» فضاقت معها الحال، وبات المستثمرون يطالبونها باستثماراتهم، ووصلت أوضاعها في فبراير (شباط) الماضي الى ما لا يمكن لأي شركة أن تتحمله، فقد كان في صندوقها 30 مليون دولار، وعليها للمستثمرين أكثر من 60 مليونا، أي كان ينقصها 30 مليون دولار تقريبا.

وانتشرت الأخبار سريعا عن «سيتي فوركس» في السوق المحلية بقطر، من أنها غير قادرة على الدفع وعلى عدم الايفاء بالتزاماتها، فركض أصحاب الاستثمارات، وأصغرها ألف دولار لمواطن قطري، وأكبرها 3 ملايين دولار لمواطن سعودي، يريدون أموالهم وحقوقهم، فلجأ جورج رزق لاعطاء شيكات بتواريخ مؤجلة، الا أنها كانت معظمها من النوع المطاطي: تذهب الى البنك وتعود منه سريعا بلا رصيد.

وازدادت الضغوط على جورج رزق، الذي أصبح يرى في مكتبه بالدوحة غاضبين، ممن كان بعضهم يزوره مسلحا، أو يتلقى اتصالات هاتفية من مستثمرين يهددونه بالقتل، ورأسه ساخنة، لا يعرف كيف يجد طريقا لحل الأزمة غير باب المطار، ومنه غادر فجأة الى الأردن، ومن بعده اختفى عن الأنظار، الى أن اتضح أنه أصبح في لندن، ولكن مجهول العنوان فيها، ومنها أراد التوصل الى حل للمشكلة عبر الهاتف، فكان يتصل بالمحامي النعيمي طوال الشهرين الماضيين، حتى كان ما كان من تسوية بين الطرفين موقعة.

وحين التقت «الشرق الأوسط» جورج رزق، سألته من أين سيدفع للمستثمرين 30 مليون دولار، لا يملكها الآن، ومع فوائدها في 8 أشهر بدءا من هذا الشهر بالذات، فقال رزق ان ما ينقص ليس معدوما، بل هو في سوق المال بقطر وباسم الشركة، التي ما زالت تمارس عملها قانونيا هناك، وأن كل شيء موجود في حساباتها وخاضع للمراقبة، وأنه يتابع الأمور من لندن يوما بيوم. وذكر أن له مصادر وواردات عن أعمال خاصة يقوم بها منذ زمن بعيد، لكنه رفض شرح التفاصيل عن هذه الأعمال.

وقال رزق انه لن يعيش في لندن، بل سيعود الى الأردن «وربما الى قطر مجددا، فأنا لم أسرق، وفيها قد أعود لشركتي لأتابع الأعمال نفسها هناك، لأن «سيتي فوركس» لم تمت» على حد قوله.

وأنحى رزق، وكذلك وزير العدل القطري السابق الدكتور المحامي نجيب النعيمي، باللائمة على النظام المالي في قطر وقوانين الاستثمار فيها وطبيعة مراقبة البنك المركزي لنشاطات المؤسسات المالية الخاصة، وكذلك على وزارة المال والاقتصاد والتجارة هناك «فهي التي تصدر تراخيص تأسيس هذه الشركات، وهي مسؤولة مع البنك المركزي عن نشاطاتها» على حد تعبيره.

لذلك كان النعيمي ينوي مقاضاة البنك المركزي القطري، أو وزارة المال القطرية، في حال لم يتوصل الى التسوية الموقعة مع جورج رزق أول من أمس في لندن «لأن البنك المركزي لم يمنع هذه المشكلة منذ بدايتها» كما قال. وذكر أنه سيظهر اليوم أو غدا على التلفزيون في قطر ليعزز ما تنشره الآن «الشرق الأوسط» وهو زف نبأ التسوية لآلاف القلقين من المستثمرين في قطر والسعودية وبقية دول الخليج.