بوش رفض استخدام «الدبلوماسية الشخصية» والتلويح بالقوة لمعالجة الأزمة مع الصين

TT

لاحظ المراقبون ان تعامل الرئيس الاميركي جورج بوش مع اول تحديات عهده الخارجية قد اختلف اختلافا كبيرا مع معاملة الرؤساء الذين سبقوه، ولكنها خدمته خدمة جيدة وربما تحدد شخصية عهده. فعلى العكس من سلفه السابق بيل كلينتون، لم يتدخل بوش شخصيا، ولم ينزع الى ما يسمى «الدبلوماسية الشخصية». وعلى العكس من والده جورج بوش لم يجر بوش سلسلة من الاتصالات الهاتفية الشخصية لمعارفه في القيادة الصينية.

وبدلا من ذلك هيأ المناخ لبكين لانهاء النزاع بطريقة محترمة، بينما ترك المفاوضات الصعبة للمساعدين. فقد اشار بوش في بيانه للترحيب بعودة طاقم طائرة التجسس الاميركية المعطوبة الى انه من شبه المؤكد وقوع نزاعات في المستقبل مع بكين، الا انه اضاف: «انني سأتعامل مع خلافاتنا بروح من الاحترام».

ومع تزايد الغضب الصيني تجاه الولايات المتحدة، وعدم الثقة المتزايد لبكين في اميركا، ولا سيما بين زعماء الحزب الجمهوري الحاكم، كانت المواجهة اختبارا قاسيا لروح الاحترام. وكان من الممكن ان ينفلت النزاع بعيدا عن امكانيات السيطرة عليه، ويضر العلاقات التي افادت الطرفين اقتصاديا. وكان عدم تصاعد النزاع نقطة في صالح الرئيس وخبراء السياسة الخارجية في ادارته.

ولم يقل بوش شيئا علنا لمدة 24 ساعة تقريبا، بعدما هبطت طائرة التجسس التابعة للاسطول الاميركي من طراز «ف ي 3» هبوطا اضطراريا في قاعدة صينية عسكرية في جزيرة هاينان بعد التصادم مع مقاتلة نفاثة صينية. وعندما تحدث طالب بعودة الطائرة والطاقم. ولكنه ادرك بسرعة ان الموقف المتشدد سيزيد الوضع سوءا. وخلال الازمة استخدم لغة هادئة عمدا، بل انه مارس ضغطا على الجمهوريين في الكونجرس لامتناع تصعيد الموقف.

وبعد الحادث بوقت قصير وصف جون وارنر العضو الجمهوري في مجلس الشيوخ عن ولاية فريجنيا ورئيس لجنة الخدمات المسلحة طاقم الطائرة بأنهم «أسرى»، وقد اعتبر هذا التعبير استفزازيا لدرجة ان وزير الدفاع دونالد رامسفيلد اتصل بوارنر وطلب منه سحب هذا التصريح. وفي لقاء صحافي سئل وارنر عما اذا كان يعتبر الطاقم «رهائن» فأجاب بأنه يفضل وصفهم بأنهم «محتجزون». وقال وليام تايلور البروفيسور في مدرسة الشؤون الخارجية في جامعة جورج تاون انه سيمنح بوش درجة «جيد جدا» في معالجته للأزمة، بسبب رد فعله المبدئي، اما درجة الامتياز فلم يحصل عليها لانه لم تكن من الضروري المطالبة بعودة «طائرتنا وطاقمنا».. كان من الممكن ان تكون «صياغة اهدأ». وأعرب تايلورعن اعتقاده «بأن وزير الخارجية كولن باول ومستشارة شؤون الأمن القومي كوندوليزا رايس توليا التعامل مع هذا الامر، وحصلا على نصائح من الناس الذين يعرفون الصين جيدا، ونصائح سليمة.. وظهر كل من الجانبين كمنتصر امام شعبه».

وتجدر الاشارة الى ان بوش لعب دورا محدودا للغاية بالمقارنة بالرؤساء السابقين في مواقف مشابهة، فقد اصدر بيانات منتظمة، ولكنه تجنب مناخ الأزمة الذي كان يظهر في مثل هذه الازمات في الماضي، وقد استمر في برنامجه العادي طوال النزاع، الا ان مسؤولا كبيرا بوزارة الخارجية اكد ان بوش كان «مشاركا للغاية» في جهود الادارة لاعداد بيان يمكن ان يكون مقبولا للصينيين، «لقد حدد الرئيس الاتجاه واتخذ قرارات رئيسية».

وقدم النزاع الصيني ـ الاميركي اول اختبار في مجال الدبلوماسية الدولية لأسلوب بوش في الامتناع عن التدخل الشخصي، كما شرح ما قصده عندما تحدث خلال الحملة الانتخابية في العام الماضي عن سياسة خارجية «متواضعة». وقال بوش في حوار مع منافسه آل غور: «اذا كنا دولة مغرورة، فستقاومنا الدول الأجنبية.. واذا كنا أمة متواضعة، ولكن قوية، فسيرحبون بنا».

وكان مفهوم القوة العظمى المتواضعة يبدو غريبا بالنسبة للبعض آنذاك، ولكن دوجلاس بال رئيس مركز الدول الاسيوية المطلة على المحيط الهادئ وخبير الشؤون الآسيوية السابق في البيت الابيض قال: «اعتقد اننا شاهدنا سياسة خارجية متواضعة» عندما منح بوش الصين الفرصة لانهاء الموقف بدون الخضوع للقوة العسكرية الاميركية.

وكانت الصين قد وافقت على الافراج عن طاقم الطائرة بعدما تلقت رسالة مصاغة صياغة حذرة من ادارة بوش تقول ان الولايات المتحدة «آسفة للغاية» لوفاة الطيار الصيني، وعلى الهبوط الاضطراري للطائرة الاميركية المعطوبة في الصين بدون تصريح مسبق.

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»