بكين وواشنطن.. من اللعب بالكلمات إلى المواجهة حول تايوان

TT

فتحت قضية طائرة التجسس الاميركية القابعة في جزيرة هاينان ملفا آخر اكثر سخونة وتعقيدا من قضية الطائرة التي قد تحسمها مباحثات بعد غد (الاربعاء) بين بكين وواشنطن.

الملف الاكثر سخونة هو ملف تايوان الذي طالما اجبر واشنطن على التحرك في منطقة رمادية ظلت توازن فيها بين تعهداتها الكثيرة لبكين وبين تعطيلها على الاقل من ضم تايوان الى الوطن الأم.

في المقابل تعرف بكين انه ما من طريق لاعادة تايوان الا برضاء تام من واشنطن، وربما، ومن مثل هذه الحقيقة، فضل هنري كيسنجر وزير الخارجية الاميركي الاسبق ان يطلق نكتته الشهيرة عام 1971 حين قال ان ماوتسي تونغ الزعيم الصيني قال لثلة من الحرس القديم انه اذا سئل بعد موته لماذا اضاع تايوان فسيقول (أي ماوتسي تونغ) انه لم يضيعها وانما تركها وديعة لدى اميركا.

والشاهد هنا ان بكين ستقحم مواقف واشنطن من مسألة تسليحها لتايوان في صلب المحادثات حول طائرة التجسس بعد غد، وقد تضطر بكين الى تذكير ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش الابن بواقعتين اساسيتين، الاولى، البيان المشترك الصادر عام 1979 بين رئيس وزراء الصين الراحل شو ان لاي ووزير الخارجية الاميركي الاسبق كيسنجر. وقد حمل ذلك البيان اعتراف اميركا بما سمي بسياسة الصين الواحدة، رغم ان واشنطن قد تلاعبت بالالفاظ فيما بعد خلال المواجهة العسكرية في 1996 التي قادتها حاملة الطائرات الاميركية بعد قصف الصين لتايوان بالصواريخ. وقد قالت واشنطن يومها ان الاعتراف بسياسة لا يعني قبولها. وهي تفرق هنا بين المصطلحين في اللغة الانجليزية.

الواقعة الثانية تذكير بكين لواشنطن بالبيان المشترك الصادر بين العاصمتين عام 1982 والذي وعدت فيه واشنطن بالتخفيض التدريجي لمسألة تسليحها لتايوان.

في المقابل يبدو ان واشنطن ستواجه حرجا آخر يعقد من محادثات الطائرة بسبب وجود وفد من الكونغرس في تايوان الى يوم امس، ومناقشة الوفد للرئيس التايواني تتشين بيان حول تزويد تايوان بصفقة سلاح تصل قيمتها لـ4 مليارات دولار لحفظ التوازن العسكري بين الجزيرة والوطن الام وتقول تايوان انه يسير لصالح الصين الى الان وربما الى العام 2005.

والواضح ان حرج واشنطن على مستوى القضيتين، اي الطائرة وتسليح تايوان، سيبقى ماثلا لسنوات قادمة، وقد لا تسعفه لعبة الكلمات وتفسير المصطلحات واللعب على الفوارق بين اللغتين الانجليزية والصينية، والاشارة هنا الى ان واشنطن لم تفسر عبارة «SORRY» بأنها اعتذار أي «APOLOGY» وتقول واشنطن ان الاسف يعني رفض الفعل ولكنه لا يعني تحمل المسؤولية فيه، في حين فهمت بكين الاسف اعتذارا. وشاهد القول هنا ان تايوان تقترب كثيرا من مسألة كشمير بين الهند وباكستان بمعنى ان لا طرف ثالثاً غير بكين وواشنطن يمكن ان يحسم مسألة عودة الجزيرة بسكانها الـ23 مليوناً الى الوطن الام. علما ان شهية بكين قد اتضحت اصلا منذ استعادتها لهونغ كونغ في 1997 ومكاي في 1999، وهي تريد باستعادة تايوان تأكيد وجودها كقوة اقليمية تتقدم سائر حلفاء واشنطن في تلك المنطقة الحيوية في حين تتأرجح مواقف واشنطن في منطقة رمادية تمكن الدبلوماسية الاميركية من التوفيق بين المصالح والمبادئ في مشوار طويل بكل المقاييس.