بوتين أمام خيارين: حماية عرابه السياسي السابق المتهم بالفساد أو تنفيذ وعده بتنظيف الكرملين

موسكو دفعت كفالة 3 ملايين دولار لسويسرا لإعادة بورودين كبير مساعدي يلتسين

TT

قضية بافيل بورودين، كبير مساعدي الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين، الذي تتهمه الشرطة السويسرية بغسل 30 مليون دولار من أموال الرشاوى، وضعت الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين أمام خيارين صعبين. فإما ان يختار حماية عرابه السياسي السابق أو يتمسك بوعده الخاص بتنظيف الكرملين من استغلال السلطة خلال السنوات العشر السابقة.

وكان بورودين، الذي ترأس في السابق إدارة الممتلكات التابعة للكرملين لمدة سبع سنوات، قد عاد إلى موسكو الأسبوع الماضي بعد ان أرسلت الحكومة الروسية ضمانة قدرها ثلاثة ملايين دولار وسط أنباء بانهيار القضية المرفوعة ضده في سويسرا. ويقول الخبراء انه رغم ارتباط بورودين بعدد من قضايا الفساد منذ سنوات يلتسين، فان الجانب الأكثر خطورة من تركته في الكرملين هو استمرار نظام الرعاية الذي يجعل قضاة المحكمة العليا الروسية ونواب البرلمان وكبار مسؤولي الحكومة في حالة من التبعية والاعتماد التام.

وإدارة الممتلكات التي كان يترأسها بورودين، عبارة عن إمبراطورية من ممتلكات الحزب الشيوعي السابق والحكومة السوفياتية تضم ما يزيد على 200 من مؤسسات الأعمال المملوكة للدولة، ويعمل بها حوالي 100 ألف موظف، وتقدر أصولها بما يعادل 650 مليار دولار أميركي، أي ضعف إجمالي الناتج المحلي الروسي تقريبا.

وقال بورودين في لقاء اجري معه عام 1998، ان دخل الإدارة التي يترأسها يبلغ في العام حوالي 2.5 مليار دولار، غير انه لم يتسن التحقق من هذا الرقم، إذ ان حسابات هذه الإدارة لم تنشر كما انها غير متضمنة في ميزانيات الدولة التي تسلم بانتظام للبرلمان. ويقول الكساندر كونوفالوف، المحلل بمعهد التقديرات الاستراتيجية المستقل بموسكو، ان حجم عمليات إدارة الممتلكات كان ضخما، وان كميات النقد المنسابة غير معروفة مما يشجع على الفساد. ويضيف كونوفالوف انه لا أحد يعرف على وجه التحديد ما كان يجري في الإدارة التي كان يترأسها بورودين.

وفي واقع الأمر فان بورودين كان مسؤولا عن تموين وإمداد الجيش الروسي بكامله، كما ان أي نائب في الدوما وأي قاض أو مسؤول حكومي يريد امتلاك شقة من الدولة أو استخدام سيارة خاصة به أو امتلاك بيت ريفي أو عطلة مدعومة من الدولة أو علاج أو حتى بدلة جديدة، كان عليه كتابة طلب لإدارة الممتلكات. وفي عام 1996 دعا بورودين مسؤولاً روسياً مغموراً يدعى فلاديمير بوتين، الذي فقد في ذلك الوقت وظيفته كنائب لعمدة سنت بيترسبيرج، للعمل في الكرملين كنائب له. ويقول جريجوري بوفت، نائب رئيس تحرير صحيفة «ازفستيا» اليومية المؤيدة للحكومة الروسية، ان بورودين لا يمثل فقط أول رئيس له في الكرملين بل مرشدا له. ويرى بوفت ان هذا واحد من أسباب المشاكل القانونية جرت على بوتين أزمة سياسية خطيرة خلال الأشهر القليلة السابقة. ومن ضمن مشروعات بورودين السابقة تجديد زخرفة قاعة سنت جورج بالكرملين وإعادة تجهيز طائرة الرئيس يلتسين الخاصة. ووفقا لهذه المشروعات وغيرها منح بورودين خلال التسعينات ستة عقود لشركتين سويسريتين هما «مابيتيكس» و«ماركاتا ترادينج»، أدى ذلك في نهاية الأمر إلى قضائه بعض الوقت في السجون الأميركية والسويسرية. وغداة الأزمة المالية الروسية عام 1998، عين الرئيس الأسبق يلتسين يفجيني بريماكوف رئيسا للحكومة. واصدر بريماكوف في ما بعد تعليماته لسكوراتوف بإجراء تحقيق في فساد الكرملين، إذ اجرى التحقيق بالفعل في سبع قضايا ثبت تورط بورودين فيها كلها، غير انه لم يعلن رسميا إلا عن قضية واحدة فقط. ويقول سكوراتوف ان الكرملين لم يحدث ان طهر تماما من الفساد، مشيرا إلى ان هذه هي المهمة التي تواجه بوتين في الوقت الراهن. ويرى سكوراتوف ان بوتين إذا فشل في هذه المهمة فلن يتغير شيء في روسيا. وكان سكوراتوف قد نظر خلال الفترة البسيطة التي سمح له خلالها بالعمل بحرية، في حالات فواتير صيانة الكرملين المبالغ في أرقامها. كما أطلع الصحافيين عام 1999 خلال عمله مع المدعية العامة السويسرية كارلا ديلبونتي، انه وجد أدلة على ان شركة «مابيتيكس» دفعت ملايين الدولارات للعديد من مسؤولي الكرملين، وان واحدا من الحسابات المصرفية التي وضع فيها جزء من هذه الأموال باسم بافيل بورودين. وكان بوتين قد أعفى بورودين من منصبه كرئيس لإدارة الممتلكات في يناير (كانون الثاني) العام الماضي وعينه رئيسا للاتحاد بين روسيا وروسيا البيضاء، وهو منصب تشريفي في الأساس. ويبدو ان بورودين متأكد من الحماية العالية المستوى إلى حد انه سافر إلى نيويورك لكنه اعتقل بموجب مذكرة الإيقاف السويسرية، غير ان القضية السويسرية تبدو ضعيفة ربما بسبب عدم تعاون المدعين الروس.

ويقول المحلل الروسي آليكسي زودين ان بورودين يعتبر في نظر النخبة الروسية بمثابة بطل لأنه وقف في وجه الأميركيين والسويسريين، مؤكدا ان تنظيف روسيا من الفساد يتطلب حسم مثل هذه الحالات. ويرى البعض ان القضاة طالما اعتمدوا على الكرملين تماما فان الإصلاح سيظل وهما فقط. ويعتقد سكوراتوف ان تحقيق سويسرا وحدها في الفساد الروسي يدل على ان نظام بورودين لا يزال موجودا، مؤكدا على ان مؤسسات تطبيق القانون والسلطات ذات الصلة لن تفعل شيئا إلى ان تصبح مستقلة.

* خدمة «كريستيان ساينس مونيتور» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»