الغرب يسعى إلى تجريد متطرفي كروات البوسنة من قدراتهم المالية

TT

عندما حاولت الميليشيات الكرواتية إبادة المسلمين والصرب في البوسنة في مطلع التسعينات، قتل زوج ماريجا، وهو يقاتل من أجل «القضية الكرواتية»، وظلت ماريجا تعيش منذ ذلك الوقت على معاش شهري كبير من حزب الاتحاد الكرواتي الديمقراطي المتشدد. يقول أقرباء ماريجا انها تؤمن بقوة بخط الحزب الذي يؤكد ان الكروات لا يزالوا يعانون من المعاملة غير العادلة، وانهم في حاجة إلى دولة خاصة بهم في البوسنة.

وتقول شعارات حزب الاتحاد الكرواتي الديمقراطي: «تقرير المصير أو الإبادة»، إذ ان ماريجا لم يحدث ان تخلفت عن أي مظاهرة احتجاج يدعوها لها الحزب. هكذا ظلت ملتزمة بخط وطروحات الحزب الكرواتي المتشدد، غير انها قررت في الآونة الأخيرة تجنب المشاركة في مظاهرة دعا لها الحزب احتجاجا على استيلاء مسؤولين غربيين على مصرف تابع لحزب الاتحاد الكرواتي الديمقراطي، عندما جاء ناشطو الحزب إلى منزلها ثلاث مرات لدعوتها رسميا للمشاركة، إلا انها كانت تختبئ إلى حين انصرافهم. يقول أقرباؤها ان «ماريجا» ليس اسمها الحقيقي ويؤكدون انها لا تريد ان تعلن قرارها لأنها ستتعرض لانتقام قاس إذا علم الحزب بذلك. فالحرب بالنسبة لحزب الاتحاد الكرواتي الديمقراطي لم تنته بعد، بل يعتبر مظاهراته واحتجاجاته مجرد مواصلة للحرب، ويقول أحد أصدقاء أسرة ماريجا ان السبيل الوحيد للقضاء على هذا الحزب الكرواتي المتشدد هو تجريده من أمواله، وبالطبع تلك استراتيجية غربية جديدة. وشهد اليوم الذي اختبأت فيه ماريجا عن أعين رجال الحزب أحداث شغب وعنف في موستار الغربية، التي تعتبر من أقوى المعاقل الكرواتية. وهاجمت مجموعات من الشباب حليقي الرؤوس مسؤولين غربيين وأفراد شرطة ورشقتهم بالحجارة في العديد من فروع المصرف، كما استولوا على وثائق وسرقوا أموالا.

واحداث العنف هذه تشير بوضوح إلى خطط حزب الاتحاد الكرواتي الديمقراطي الخاصة بالانفصال وإعلان دولة للكروات فقط، مما يعتبر أكبر تهديد لاتفاق دايتون للسلام الذي وقع عام 1995. ورغم أوضاع الفوضى، فان الضغوط الغربية وبحث مؤيدين مثل ماريجا عن بدائل أخرى سيعزز كذلك اتفاق دايتون.

وطبقا لبنود اتفاق دايتون فإن اتحاد المسلمين والكروات يشكل 51% من البوسنة، كما تشكل دويلة الصرب، «ريبابليكا سربسكا»، 49%. ويقول جيمس ليونز، احد كبار الخبراء في شؤون البلقان: «ان الغرب ينبغي ان يحدد بوضوح ما إذا كان يعتزم الاستمرار في المساعدة في تنفيذ بنود اتفاق دايتون أو الانسحاب». واضاف: «ان انسحاب الغرب لا يعني سوى انسحاب الكروات من الاتحاد، وبذلك يكون اتفاق دايتون قد انهار عمليا».

يذكر ان قوى التطرف العرقي التي مزقت البلقان في التسعينات، بدأت تسجل تراجعا في المعاقل العرقية السابقة مثل كرواتيا وصربيا، وفي أماكن أخرى مثل البوسنة. ونسي البعض ان الهرسك مكان مولد القوميين الكروات المتشددين، والمجموعة الكرواتية الفاشية التي تحالفت مع ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية. وجاءت نتائج الانتخابات الأخيرة مخيبة لآمال حزب الاتحاد الديمقراطي الكرواتي، كما ان المحصلة النهائية لهذه الانتخابات أدت إلى وصول تحالف معتدل إلى حكومة سراييفو، خلا من المتشددين الكروات والصرب والمسلمين. علاوة على ذلك أوقفت الحكومة الكرواتية الجديدة في زغرب تدفق الأموال لكروات البوسنة.

ويضيق المسؤولون الغربيون الخناق على قيادة حزب الاتحاد الكرواتي الديمقراطي، وعلى «الأنشطة الإجرامية» التي يقول عنها السفير الأميركي في سراييفو توماس ميللر انها «واسعة». ويأتي الاستيلاء على المصرف الكرواتي كجزء من هذا التضييق الذي يشمل كذلك إجراءات حراسة جديدة على الحدود لمنع التهريب.

الممثل الخاص للأمم المتحدة في سراييفو، جاك كلين، يقول ان الجانب المهم في الوقت الراهن هو إقناع المواطنين الكروات العاديين، من المعلمين إلى صغار المسؤولين الذين ظلوا على مدى سنوات يعتمدون في قوتهم اليومي على حزب الاتحاد الديمقراطي الكرواتي، برفض توجهات الحزب. وكان وزير الخارجية الأميركي كولن باول قد حذر في زيارته الأخيرة للبلقان من «عودة ظهور العناصر المتطرفة»، مؤكدا ان الولايات المتحدة «ستعمل مع شركائها الدوليين في مواجهة قوى النزاع والانفصال والكراهية».

ويعتقد بعض المراقبين ان المال هو السبب الرئيسي وراء ما يحدث، وان الأمر لا يتعلق بالقومية وإنما بالجريمة والفساد. ويقول مصدر دبلوماسي ان هناك عصابات تماما مثل المافيا تريد إراقة الدماء والتأكيد على ان الغرب ضد الكروات.

* خدمة «كريستيان سيانس مونيتورز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»