السلطات العسكرية الايرانية تحقق طفرة في قدراتها الصاروخية بعد نجاحها في إطلاق 66 صاروخا خلال 3 ساعات

TT

خلال شهادة له امام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الاميركي اواخر مارس (اذار) الماضي حذر الجنرال تومي فرانكس رئيس القيادة المركزية الاميركية من ان ايران ستتحول الى قوة اقليمية عظمى في منطقة الخليج خلال سنوات.

ونقل عن الجنرال فرانكس قوله ان ايران ستقوم بتطوير دفاعها الجوي وشراء مزيد من الطائرات المقاتلة من طراز سوخوي 24 وسوخوي 27 وربما طائرات ميج 29 من روسيا. وانها تعتبر من حيث التسلح التقليدي قوة عظمى اقليمية في المنطقة ويعتقد انها تمثل تهديدا لمنطقة الخليج على حد قوله.

كما اشار الى ان ايران تمتلك اكبر مخزون من الاسلحة الكيماوية في المنطقة التي تغطيها قيادته وتمتد بين القرن الافريقي وحتى وسط آسيا.

وكان غريبا ان يبارك الرئيس العراقي صدام حسين التعاون العسكري بين ايران وروسيا، ثم يتبعه السفير العراقي في موسكو معربا عن تأييد العراق لذلك التعاون، طالما كان هذا التعاون شوكة في جنب الاستراتيجيات الاميركية على حد الوصف العراقي. ويبدو ان القيادة في العراق لم تكن تتابع بجدية كافية تطور القدرات القتالية الايرانية، بعد ان فقدت الاستخبارات العسكرية خلال السنوات العشر الاخيرة بناءها الاستراتيجي وخبراتها وقدراتها الفائقة في متابعة المتغيرات، فيما كانت في السابق تعرف النيات الايرانية قبل ان يمد المخطط الايراني يده الى قلمه.

وجاءت الضربة الصاروخية الايرانية على معسكرات «مجاهدين خلق» الايرانية المعارضة داخل العراق لتنذر بحصول متغيرات جذرية في معادلات الصراع الاستراتيجي.

فمن غير المتوقع ان تمر الضربة الايرانية مرورا سريعا، ولا بد ان اجهزة الاستخبارات ستولي الموضوع اهتماما خاصا. فكيف ولماذا؟

* ان قدرة العراق الصاروخية الضاربة كانت مبنية على اساس وجود 17 قاذفة صواريخ متحركة يمكنها اطلاق 17 صاروخا في وقت واحد، ويستغرق الامر ساعات عدة لاعادة الملء وتغذية المعلومات لضربة جديدة، فيما حققت القوات الصاروخية التابعة للحرس الثوري الايراني طفرة نوعية وأفقية عندما تمكنت من اطلاق 66 صاروخا خلال ثلاث ساعات، وكان ممكنا استكمال الضربة خلال دقائق فقط، إلا ان برمجة الاطلاق اريد منها الحاق اكبر ما يمكن من الخسائر حيث يصبح التجمهر غير المنضبط محتملا بعد كل ضربة. وهذا يعني ان قدرة الاطلاق بعيد المدى للقوات الصاروخية الايرانية زادت اربعة اضعاف القدرة العراقية السابقة.

* ان قدرة العراق الصاروخية خلال حرب السنوات الثماني كانت بمعدل صاروخ واحد كل 3 ـ 4 ايام فيما اطلقت ايران خلال العملية الاخيرة 22 صاروخا كل ساعة، وهذا يعني ان مستوى مخزونها الاستراتيجي بات عاليا جدا، والخطوط الانتاجية قادرة على التعويض السريع.

* خلال لقاء في بغداد عام 1981 مع الجنرال غلام رضا ازهاري رئيس القيادة المشتركة للقوات المسلحة الايرانية في زمن الشاه، وفي معرض رده على سؤال معين، قال: «ان من اكبر اخطائنا الاستراتيجية القاتلة اننا لم نحصل على صواريخ ارض ـ ارض». وها هي ايران تتغلب على واحد من اكبر اخطاء الشاه، ولا شك ان النظام في العراق كان سببا جوهريا في خطوة كهذه.

* ان ايران لم تعد تعير اهتماما لاحد في موضوع تطوير قدراتها الصاروخية، فقد باتت لديها صواريخ شهاب 3 بمدى 1300 كيلومتر قادرة على الوصول الى اسرائيل وكذلك الى انقرة واسلام آباد والقاهرة، وسيكون بوسع صاروخ شهاب 4 اصابة اهداف على مسافة 2000 كيلومتر. وهذا يعني ان ايران قادرة الآن على رشق اسرائيل بعشرات الصواريخ، مع بقاء الخيارات الاسرائيلية قاصرة ومرتبكة، إلا إذا ردت بصواريخ اريحا محملة برؤوس نووية، وهو خيار خطير جدا يمكن ان يقابل بضربات صاروخية ايرانية برؤوس بيولوجية. وهذا يعني ان ايران اليوم باتت تمتلك قدرة ردع استراتيجي مؤثرة ولم يعد هناك من هو قادر على تجاوزها.

* ان واحدة من الاستراتيجيات التي استخدمتها القيادة في العراق خلال الحرب مع ايران بنيت على اساس ضرب قدرة الصمود الجماهيري الايراني من خلال القصف الصاروخي، وقد حولت القدرات الصاروخية الايرانية هذه الاستراتيجية الى اوراق بالية غير قابلة للتنفيذ، لان ردود الفعل الايرانية ستكون قاسية واشد عنفا واكثر تأثيرا من الافعال العراقية.

* ان السكوت الاميركي عن الضربة الايرانية يشكل علامة توافق في المصالح لجانب محدد، فاميركا ضد ان تمتلك ايران صواريخ بعيدة المدى، لكنها لا تصنف كافة اشكال الاستخدام بانه يقع ضمن ما يتعارض والمصالح الاستراتيجية الاميركية، طالما بقيت الاستخدامات ضمن دوائر يشترك الطرفان بمعاداتها، وهذا يعني ان اي ضربات جوية ايرانية تتفادى خرق منطقتي حظر الطيران شمال العراق وجنوبه لن تكون موضع اعتراض اميركي شديد، الامر الذي يعرض معسكرات «مجاهدين خلق» الى خسائر مؤثرة ويدفعها لتغيير استراتيجية الانتشار من وضعها الحالي الى مجموعات وقواعد اقل كثافة.

وإذا كانت الضربة الصاروخية الايرانية قد ولدت احباطا عراقيا يتطلب معاقبة الاجهزة الخاصة لعدم كشفها المسبق عن العمليات الايرانية ومستويات التطور، فانها ربما ستدفع القيادة الحاكمة في العراق الى المزيد من التمسك بمنظمة «مجاهدين خلق» للقيام بسلسلة عمليات داخل ايران على امل زعزعة الامن الايراني داخليا، إلا ان خطوة كهذه ستجابه بردود فعل ايرانية عنيفة بعد ان باتت المخابرات الايرانية تتحرك داخل العراق بحرية عالية.

ان القيادة في العراق ستنهمك طويلا في كيفية تمكن الصواريخ الايرانية من اصابة اهداف لا تتوافر لايران معلومات مساحية «هندسية» عنها، ناسية ان الاقمار الصناعية الروسية والاميركية كانت في مراحل عدة بخدمة الاستخبارات العراقية، فما الذي يمنع انقلاب المعادلة لاهداف محددة، لا سيما ان موقعا تابعا لوزارة الخارجية الاميركية قد نشر صورة لاكبر معسكرات «مجاهدين خلق» في العراق؟

ان الصراع بين ايران والعراق سيكون مرشحا للمزيد من التصعيد، فالحاكمون في العراق لا يزالون يتمسكون بقواعدهم السياسية التي ثبت انها فاشلة بما فيه الكفاية، ويعتقدون انهم يثيرون دولا خليجية ضد ايران، ويعيدون رسم سياسة الخطر في نظر الادارة الاميركية واسرائيل من التهديد الايراني، لذلك فان من المتوقع ان يواصل بعض مساعدي صدام حسين محاولات زعزعة ايران بطرق بالية لم تعد تجدي نفعا، بدل العمل من اجل تلافي نقاط الخلاف وتسوية المسائل العالقة بين البلدين، فليس من مصلحة العراق الابقاء على سياسة تجر ايران الى اثارة مطالب يصعب حلها.

وفي المقابل فان ايران تبدو اكثر تصميما على تصفية مواقع منظمة «مجاهدين خلق» داخل العراق، التي تشكل مركز التهديد الاول للامن الايراني، وهذا يقضي بتوقع المزيد من العمليات التي تستهدف معسكرات المنظمة، وكذلك مقرات رئاسية عراقية داخل العراق، فضلا عن تكثيف النشاطات في مناطق مختلفة من العراق.

* رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية العراقية سابقا