الشارع السوري فوجئ بنشر تفاصيل محادثة الأسد ـ بوش

TT

لم يسبق لدمشق ان نشرت تفاصيل محادثات هاتفية بين رئيسها ورئيس دولة اخرى عربية كانت او اجنبية. كذلك لم يعتد السوريون، ولا وسائل الاعلام كافة، على معرفة ما يدور في الاجتماعات المغلقة بين قياديين سوريين وآخرين من دول العالم. لكن هذا حصل فعلاً في عهد الرئيس الدكتور بشار الاسد.

فلقد فوجئ السوريون وهم يطالعون في صحفهم الثلاث ( «البعث» و«الثورة» و«تشرين») صباح الجمعة الماضي ما دار من حوار «ساخن» بين رئيسهم ورئيس الولايات المتحدة جورج بوش الذي لم يكمل بعد شهره الثالث في البيت الابيض. وراحوا يقرأون ويعيدون قراءة ما وصفه بعضهم بـ «الكلام القاسي» الذي وجهه الرئيس الاسد لمحدثه حين طالبه بأن «يتحلى وادارته بالجرأة وتسمية الامور بمسمياتها من خلال وصف ما قامت به اسرائيل (تدمير الرادار السوري في البقاع) بأنه عدوان». علماً بأن الامين العام للأمم المتحدة كوفي انان سمع كلاماً مماثلاً من الاسد قبل يومين من حديثه الهاتفي مع بوش، اذ اعلن الناطق الرئاسي السوري جبران كورية ان الرئيس الاسد، وتعليقاً على موقف انان الشبيه بالموقف الاميركي، قال: «ان انان لم يسم العدوان باسمه الحقيقي. وان من شأن ذلك ان يزيد من حدة ردة الفعل في الشارع العربي» مؤكداً على «ضرورة تسمية الاشياء بأسمائها. اذ لن يكون من الممكن التوصل الى السلام من خلال استخدام مصطلحات غامضة. ومن الغريب ان توصف اعمال المقاومة بالعدوان، بينما يوصف عدوان اسرائيلي سافر بأنه مجرد تصعيد».

وقد اعتبر الشارع السوري ملاحظات الاسد «الجارحة» هذه وقفة عز. وثمة من تذكر اياماً مجيدة عاشتها سورية مع حرب اكتوبر (تشرين الاول) 1973.

اوساط سياسية سورية استوقفتها عبارتان للأسد في حواره مع بوش. الاولى قوله «ان عملية السلام التي دخلت العناية المشددة الآن بعد العدوان اصبحت الآن في حالة سبات بعد التصريحات الحافلة بالمغالطات التي صدرت عن الامين العام للأمم المتحدة وعن الناطق باسم الخارجية الاميركية. وان كلا التصريحين استفزا مشاعر المواطن العربي في كل مكان».

فقد رأت الاوساط السياسية في هذا الكلام نشرة واضحة صادرة عن رئيس عربي يكشف فيها حقيقة الحالة المرضية التي اصابت عملية السلام. وفي معلومات خاصة بـ «الشرق الأوسط» فإن الرئيس الاميركي ولدى سماعه الانتقاد الموجه من الاسد الى الناطق باسم الخارجية الاميركية، لم يبادر الى الدفاع او الى تبرير موقف مسؤول في ادارته، اذ لزم الصمت. كما لم يعلق كذلك على ما قاله الاسد في امين عام الامم المتحدة.

اما العبارة الثانية التي لفتت الاوساط السياسية السورية فكانت في اشارة الاسد الى «ان العودة للحل لن تكون الا من خلال مخاطبة الشارع العربي واخذ مشاعره في الاعتبار». وتذكر هذه الاوساط بكلام مماثل سمعته وزيرة الخارجية الاميركية السابقة مادلين اولبرايت من الاسد خلال اجتماعها معه في الرياض وتناولها موضوع الانتفاضة الفلسطينية. كما تشير هذه الاوساط الى ان الرئيس السوري يولي اهتماماً خاصاً بالحديث عن هذا الشارع. وقد ظهر ذلك واضحاً في كلمتيه اللتين القاهما في قمتي القاهرة وعمان. الا ان الاوساط السياسية السورية لاحظت ايجابيات في ما ظهر خلال الحديث الهاتفي بين الرئيسين الاسد وبوش لجهة تأكيد الاخير وتصميم الولايات المتحدة على «الاهتمام بلعب دورها من اجل تحقيق السلام، وان تستخدم تأثيرها الى ان يتحقق السلام العادل والشامل في المنطقة». وكذلك اعلان بوش عن رغبته في «الاستمرار في الحوار مع الرئيس الاسد الذي سمع منه ما سوف يساعده على فهم المنطقة والوضع في الشرق الأوسط وسوف يساعد الولايات المتحدة على القيام بدورها لتخفيف حدة التوتر ووقف العنف». وتسجل الاوساط هنا ما تردد في واشنطن، بعد هذا الاتصال، عن عزم الرئيس بوش على تعيين السفير الاميركي السابق لدى سورية ادوارد جرجيان مبعوثاً خاصاً لعملية السلام في الشرق الاوسط خلفاً لدنيس روس الذي توقف عن اداء هذه المهمة مع رحيل الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون عن البيت الابيض.

واذا كان هناك من يرى مبالغة في عبارات المديح التي قالها بوش للأسد معبراً عن اعجابه «ببلاغة ووضوح رؤية الرئيس الاسد والعاطفة المتقدة التي لمسها من خلال حديثه تجاه بلده وشعبه» معتبراً هذا من «سمات القادة المميزين» فإن معلومات «الشرق الأوسط» تؤكد ان المحادثة الهاتفية التي استغرقت حوالي العشر دقائق ودونت في محضر من خمس صفحات فولسكاب، احتوت على مزيد من المديح الذي قاله بوش للأسد غير الذي جرى توزيعه على وسائل الاعلام العربية، مع الاشارة الى ان كلمات المديح المذكورة حجبت عن الصحف السورية. ونشر تفاصيل المحادثة الهاتفية بين الاسد وبوش يدل على وجود منحى جديد في تعاطي الاعلام السوري الرسمي مع الوقائع والاحداث السياسية.