قيادي بارز في الحزب الشيوعي السوداني: سنتخلى عن «الماركسية» بعد انعقاد المؤتمر العام

الشفيع الخضر لـ«الشرق الأوسط»: نستعد لتقديم طلب لفتح مكتب علني بالخرطوم وإعادة إصدار صحيفتنا

TT

قال الشفيع الخضر ممثل الحزب الشيوعي السوداني لدى التجمع الوطني الديمقراطي (تحالف المعارضة) ان حزبه على ابواب تغييرات واسعة «بالانفتاح على كل المدارس والمناهج الفكرية، والارث السوداني والعربي والاسلامي والافريقي». وأشار الى توجه عام داخل الحزب للتخلي عن اجزاء كثيرة من الماركسية «خاصة تلك التي اثبتت التجربة بطلانها».

وقال الخضر القيادي البارز في الحزب الشيوعي في حديث لـ«الشرق الأوسط» ان الغالبية في حزبه ترى ضرورة التخلي عن اسم «الشيوعي». واشار الى ان حزبه الذي لم يعقد مؤتمرا عاما منذ 33 عاما يبحث في وسيلة لعقد اجتماع لإقرار هذه التغييرات.

وكشف الخضر ان الحزب الشيوعي بصدد تقديم طلب لفتح مكتب علني بالخرطوم واعادة اصدار صحيفة «الميدان» الناطقة باسم الحزب، وقال ان ظروف اختفاء الامين العام للحزب محمد ابراهيم نقد لاكثر من 10 سنوات داخل السودان لم تنته بعد. كما نفى هيمنة الحزب الشيوعي على «التجمع الوطني» او ان يكونوا ضد الحل السياسي السلمي. وفي ما يلي نص الحوار:

* تغيرت خريطة العالم السياسية بانهيار الاتحاد السوفياتي، وتغيرت معظم الاحزاب الشيوعية في العالم، ولم يتغير «الشيوعي» السوداني رغم اعلانه خطة للتغيير منذ عشر سنوات لم تر النور؟

ـ عملية التغيير ليست سهلة، وانما هي عملية طويلة، وتحتاج لجهد ووقت لكي تمس كل القضايا والزوايا المطلوبة، وكان من السهل علينا ان نعلن عقب انهيار المعسكر الاشتراكي تغييرات محدودة تشمل اسم الحزب، بالاضافة الى مادة او مادتين في برنامجه او دستوره، ونقول ان الحزب تغير وتجدد ولكن هذا اجراء غير اخلاقي.

* ولكن أليست 10 سنوات كثيرة لاجراء هذه التغييرات المطلوبة في وقت تغيرت فيه معظم «الأحزاب الشبيهة» خلال الفترة نفسها؟

ـ لكل حزب ظروفه واسلوبه، ونحن لم نكن خلال هذه السنوات في «بحبوحة» من امرنا، ولكن كنا تحت الارض، وفي «بيوت الاشباح» حيث عُذبت كوادرنا حتى الموت وظل العشرات منهم في الاعتقال، وكنا ايضا مع التنظيمات الاخرى نعمل من اجل ازاحة «الكابوس» الجاثم على صدر شعبنا.

* وماذا عن عملية التغيير نفسها؟

ـ بالنسبة لنا بدأنا عملية طويلة وشاقة، فتحنا فيها الابواب لنقاش يعد الاوسع منذ انشاء الحزب، شملت محاور عدة منها برنامج الحزب، ودستوره، وطريقة عمله، وكيانه التنظيمي، وطبيعته، واهدافه، واسمه، وهكذا.. ولدينا الآن مشاريع قرارات وبدائل جاهزة تنتظر الحسم النهائي عبر مؤتمر الحزب الجامع.

* ما هي آفاق هذا التغيير المرتقب؟

ـ هناك تعديل واسع لبنود الدستور في اتجاه ترسيخ اكثر لمبادئ الديمقراطية الحزبية، ولمناهج العمل الديمقراطي الواسع داخل نطاق الحزب، ولاعطاء دور واسع واساسي للخلية الاساسية او الوحدة السياسية (فرع الحزب) في المساهمة في اتخاذ القرار، والتقليل من المركزية الصارمة التي كانت موجودة في عملنا.

* وماذا عن المنهج الماركسي اللينيني.. هل يمكن التخلي عنه؟

ـ التوجه العام في الحزب هو التخلي عن اجزاء كثيرة من الماركسية التي اثبتت التجربة بطلانها وعدم صحتها، والابقاء فقط على ما صار جزءا من العلم فيها واثبتت التجربة صحته مثل المنهج الجدلي الماركسي (في التحليل).

وسيكون الحزب مفتوحا على كل المدارس والمناهج الفكرية والارث السوداني والافريقي والعربي والاسلامي، نأخذ منه ما يخدم قضية الثورة السودانية، ومن ضمن الارث العالمي هناك الماركسية التي ستكون جزءا من تكويننا النظري ولكن بالطريقة التي شرحتها سابقا.

* معنى ذلك هل يمكن ان تختفي كلمة «الشيوعي» من واجهة الحزب؟

ـ هناك اقتراحات قوية جدا بـ«اخفاء» او «التخلي» عن اسم «الشيوعي»، وهناك اقتراحات اخرى تطالب بالتمسك به.

* وماذا تنتظر هذه التغييرات؟

ـ تنتظر «المؤتمر العام» لحسمها، ونأمل ان ينعقد قريبا.

* ولكن كغيركم من الاحزاب السودانية لم تعقدوا مؤتمرا عاما منذ عشرات السنين، وبالنسبة لكم آخر مؤتمر كان عام 1968، ألا تعتقدون ان 33 عاما كثيرة مهما كانت الاسباب؟

ـ أوافقك تماما، وهذا شيء سلبي، ولكن في المقابل يجب ألا نتعامل مع هذا الموضوع بـ«الشكلية». فالمؤتمر ليس عبارة عن جمع في اي زمان ومكان، ويتم فيه الصراخ والهتاف. كما يجب الوضع في الاعتبار ان الاحزاب السودانية لم تعش فترات كافية من الديمقراطية منذ الاستقلال عام 1956 حتى نستطيع انجاز هذه المؤتمرات التي تحتاج الى وقت وإعداد وترتيب.

وتظل هذه النقطة سلبية في مسارنا ونعترف انه كانت لدينا فرصة اخيرة لم نستغلها بعد الانتفاضة الشعبية على حكم الرئيس الاسبق جعفر نميري، ولكننا انشغلنا باعادة بناء حزبنا الذي وجه له نميري ضربة قوية.

* لا يزال «الحزب الشيوعي» اسير العمل «السري»، الامين العام مختف في مكان ما في السودان منذ اكثر من عشر سنوات، صحيفتكم تصدر «سريا» في الداخل، وعلى «استحياء» في الخارج.. ما هو تعليقكم؟

ـ نحن مجبرون على العمل «السري».. ونتمنى ان تتوفر لنا الظروف حتى يبقى الامين العام في مكتبه بالخرطوم وان نصدر صحيفتنا من مكاتبها في الداخل، حتى يحدث ذلك لن نقدم كوادرنا وانفسنا لقمة سائغة لقراصنة «الجبهة» حتى يقال اننا لا نعمل في السر.

* لكن هناك شبه «انفراج» اتاح لعدد من نشطائكم الدخول الى السودان والخروج منه بلا مضايقات؟

ـ هؤلاء دخلوا وخرجوا بتوجيهات من الحزب ونحن سنستغل أي «انفراج» حتى ولو كان بمقدار «بوصة»، ولدينا الآن في الخرطوم ناطق رسمي باسمنا ولجنة للاتصال السياسي، ونبحث تقديم طلب لاصدار صحيفتنا «الميدان» وفتح مكتب علني للحزب بالداخل.

*ألا يكفي ذلك لظهور «الامين العام»؟

ـ نعتقد ان مبررات «الاختفاء» لا زالت قائمة.

* ألا يؤثر ذلك على نشاط الحزب وفاعليته ان يدار من وراء «الجدران»؟

ـ بالطبع فان اي عمل في «الخفاء» سيكون عائده اقل من ذلك الذي يحدث في العلن.. هذه حقيقة، ونتمنى ان تتغير دواعي ذلك.

* ما مدى تماسك حزبكم بعد موجة الانقسامات التي طالت معظم الاحزاب السنوات الاخيرة؟

ـ لم يحصل انقسام في الحزب الشيوعي منذ عام 1970 ابان حكم نميري.

* وماذا عن خروج كتلة «حق»؟

ـ كتلة «حق» مجموعة صغيرة ولم يؤثر خروجها على تماسك الحزب، كما انها لم تكن حسما من عضوية الحزب، فالمجموعة التي خرجت كونت في ما بعد حزبا جديدا وبعضوية جديدة لم تكن منضوية في «الشيوعي». صحيح ان هذه المجموعة شكلت القوة المحركة للحزب الجديد، ولكن عددها كان محدودا.

* بعد انقلاب عام 1989 تغيرت الخارطة السياسية في السودان وظهرت قوى حديثة وتكوينات سياسية وعسكرية مثل قوات التحالف ومؤتمر البجا والتحالف الفيدرالي، الا تخشون ان يكون هذا التغيير على حساب عضويتكم؟

ـ بالعكس تماما.. فالتكوينات الجديدة هي اضافة للحركة السياسية ولسنا خائفين من وجودها، خاصة ان ظهورها كان لأسباب موضوعية.

* ولكن هذه القوى تخاطب «جماهيركم» و«القوى الحديثة» مما يؤثر على عملية تمثيلكم في «السلطة» مستقبلا؟

ـ نحن منذ سنوات قلنا اننا جزء صغير من القوى الحديثة ولسنا كلها، وبالتالي فان المساحة موجودة للآخرين لإنشاء ما يشاؤون من احزاب جديدة، ولكن عندما يجيء وقت المساهمة في العمل السياسي سنبني معهم اكبر واوسع جبهة، خاصة ان اهدافنا وبرامجنا واحدة، وليس هناك ما يدعو للتناقض.

* اين تضعون انفسكم بين احزاب التجمع؟

ـ اعتقد ان من يحدد ذلك هو الشارع السياسي السوداني، ونحن مع الشعب، نتلمس قضاياه ونبضه، ونحاول تقديمها في شكل طروحات.

* ولكن كثيرا ما يتردد في «التجمع» اسم «الاحزاب الكبيرة» ألا تثير غيرتكم هذه التسمية؟

ـ هذا ما تردده اجهزة الاعلام والدوائر السياسية التي لا زالت اسيرة كلمتي «كبيرة» و«صغيرة»، وعلى كل حال فان هذه التسمية لا تزعجنا، وقل على لساني اننا ما زلنا «حزبا صغيرا».

* ولكن هناك «دوائر سياسية» اقليمية لا تتشاور الا مع هذه «الاحزاب الكبيرة» فما هو موقفكم؟ خاصة ان هذه المشاورات تناقش موضوعات رئيسية مثل الحل السياسي او العسكري للازمة السودانية؟

ـ لا دخل لنا في رغبة هذه الدوائر والدول في ان تختار من تشاء للتشاور، بل نحن نحترم هذه الخيارات طالما ان هذه الجهات «المختارة» تأتي وتجتمع معنا داخل التجمع وتطرح الموضوع للنقاش على اساس من التساوي بين الجميع، فالقرار النهائي هو قرار التجمع.

* تقول انكم حزب «صغير» ولكنكم متهمون بالهيمنة على التجمع؟

ـ من السهل جدا اطلاق الاتهامات، فنحن جزء من فصائل التجمع ولا ادري كيف لدينا القدرة على «الهيمنة» ولو كان ذلك صحيحا لفعلنا الكثير لمصلحة الوطن.

* ومتهمون ايضا بأنكم تعارضون الحل السياسي السلمي؟

ـ نحن فعلا نرفض الحل السياسي الذي يبحث فقط قضية السلطة، او ذلك الحل الذي «يميع» القضية، ولكننا مع الحل السياسي الذي ينظر في جوهر القضية، ونحن اول من أيد المبادرة المصرية ـ الليبية المشتركة، ومبادرة «الايقاد» والدمج بينهما، وهما في الاصل تدعوان الى الحل التفاوضي وليس سفك الدماء.

* هل صحيح انكم عارضتم قضية اعادة هيكلة «التجمع» ليكون التمثيل القيادي فيه على حسب الوزن الجماهيري للاحزاب المنضوية (حسب آخر انتخابات)؟

ـ هذا غير صحيح، لان القضية في الاساس لم تطرح بهذا المعنى، بل ان موقفنا كان مطابقا لموقف حزب الامة الذي اطلق هذه الادعاءات وهو تطابق مثل ما يقول المثل العربي «وقع الحافر على الحافر». وقد تم تنسيق المواقف مع حزب الامة قبل مؤتمر اسمرة بل وقعنا معه وثيقة مشتركة بهذا الخصوص.

* ما رأيكم في الاتفاقات الثنائية «نداء الوطن»، «نداء السودان»، «مذكرة التفاهم»؟

ـ كلها خطوات في الطريق الصحيح وتسهل الطريق امام الحل الشامل.

* تأييدكم لمذكرة التفاهم وادانتكم في «بيان» اعتقال الدكتور حسن الترابي، أثارا حفيظة قاعدتكم .. ماذا تقولون؟

- نحن لم نؤيد او نعارض «مذكرة التفاهم» ونترك هذا الموضوع لتقييم «التجمع» بعد عرضها (المذكرة) عليه رسميا. اما البيان الذي تشير اليه فاننا قلنا «ان الحريات لا تتجزأ» حتى بالنسبة لاعدائنا، وان كان عراب النظام هو الشيخ الدكتور حسن الترابي.