بوش تجاوز كلينتون في حصوله على تأييد الأميركيين خلال الأيام المائة الأولى

الرئيس الأميركي تمكن من تغيير «اللهجة» السياسية في واشنطن وأثار غضب البيئيين * جنب بلاده أكبر أزمة مع الصين لكن الخبراء يقولون إنه لم يتعرض بعد إلى «اختبار حقيقي»

TT

يحتفل الرئيس الاميركي جورج بوش اليوم بمرور مائة يوم على تسلمه الرئاسة في العشرين من يناير (كانون الثاني) الماضي، في اجواء تؤكد نجاح ادائه على الصعيدين المحلي والخارجي، وهي نتيجة اظهرتها عدة استطلاعات للرأي قال فيها 64 في المائة من الاميركيين ان الرئيس بوش نجح في ادائه وعمله رئيسا للبلاد خلال المائة يوم الاولى من رئاسته. وهي نسبة زادت 12 نقطة عن نسبة 52 في المائة التي حصل عليها الرئيس السابق بيل كلينتون بعد المائة يوم الاولى من فترة رئاسته الاولى.

وبهذه المناسبة يقيم الرئيس بوش مأدبة غداء في البيت الابيض غدا الاثنين، وهو تقليد جديد يبدأه الرئيس الـ43 للولايات المتحدة. وقد دعي الى المأدبة اعضاء الكونغرس بمجلسيه الشيوخ والنواب (535 عضوا).

وقد اعرب المتحدث باسم البيت الابيض عن امل الرئيس في ان يلبي اعضاء الحزب الديمقراطي دعوته، وهذا ما يبدو انه لن يتحقق، اذ شن الزعماء الديمقراطيون، في عملية تقويم اداء الرئيس بعمله وانجازاته خلال المائة يوم الاولى، حملة قال فيها رئيس الاقلية الديمقراطية بمجلس النواب «ان الكلمة التي تلخص المائة يوم الاولى للرئيس هي خيبة الامل». وقال غيره من الديمقراطيين ان الرئيس بوش فشل في امتحان المائة يوم الاولى «في موضوعات الرعاية الصحية والضرائب والدفاع والطاقة. ولا يخفى ان الديمقراطيين يخوضون هذه الحملة ويوجهون الانتقادات وعيونهم على انتخابات الكونغرس العام المقبل، حيث يأملون في العودة للسيطرة على الاغلبية فيه.

ورغم حملة الديمقراطيين هذه، وما فيها من اتهامات واحكام بالفشل، فان الرأي العام واغلبية الاميركيين ترى عكس ذلك، مما يجعل نجاح الرئيس بوش مضاعفا، خصوصا ان الرأي العام نفسه عبر عن اعتقاده وتخوفه بعد فوز بوش بالرئاسة من احتمال عجزه عن انجاز مهام منصب الرئاسة، لقلة خبرته، ولذلك كثر الحديث عن الدور المهم الذي سيقوم به نائبه ريتشارد تشيني.

فاول الانجازات التي تحتسب لصالح الرئيس بوش انه تمكن خلال المائة يوم الاولى من تنفيذ وعده اثناء حملته الانتخابية، بتغيير «اللهجة» في واشنطن السياسية واعاد الاعتبار الى مقام الرئاسة والبيت الابيض، بعد الفضائح التي وقعت في عهد الرئيس السابق كلينتون. وهذا ما ينطبق على موظفي البيت الابيض في ادارة الرئيس بوش، اذ يختلفون خصوصا عن فريق الشباب والشابات الذين «غزوا» البيت الابيض في عهد الادارة السابقة باسلوب عملهم المتحرر من معظم القيود وكذلك في طريقة اداء عمل كبار المسؤولين في فريق الادارة.

كما تمكن الرئيس بوش ايضا من قطع مشوار طويل على طريق اقرار برنامجه لخفض الضرائب، واصلاح نظام التعليم ومعالجة عدد من المشاكل المحلية، لكنه لم يتمكن من وضع برنامج لاصلاح مشكلة الطاقة وازدياد اسعار الوقود، وهذا ما دافع عنه نائبه تشيني بقوله: «ليست لدى الادارة حلول سحرية بين عشية وضحاها لتحل الازمة بعصا سحرية». وفي محاولة الرئيس وادارته البحث عن حلول للمشكلة، ومنها البحث عن مصادر محلية جديدة للطاقة، وعزم الادارة على السير في مشروع التنقيب عن النفط والغاز في الآسكا، اثار غضب المدافعين عن البيئة، الذين يقومون بحملة ضد الرئيس ويتهمونه انه عدو للبيئة، ولا يأبه بحمايتها، لكن المسؤولين في ادارته يؤكدون انه سيتم التغلب على هذه المشكلة.

ومن انجازاته ايضا انه تمكن من استعادة ثقة الاميركيين بالرئيس والرئاسة، اذ عبر معظم الاميركيين عن ثقتهم بصدق ما يقوله الرئيس بوش خصوصا ما يتعلق بالقيم العائلية والاسرة والمبادئ الاخلاقية، مقارنة بالفضائح التي عصفت بالرئيس السابق. ويرى معظم الاميركيين ان الرئيس قد حقق تقدما فعليا في هذا التوجه.

ومع ذلك فان المنظمات والجهات المؤيدة لحق المرأة في الاجهاض، ومنظمات الدفاع عن البيئة وحمايتها، والمدافعين عن المرأة والاطفال، اتهمت الرئيس بانه عدو للقضايا التي يدافعون عنها، وسيستمرون في الدفاع عنها الى النهاية.

اما على صعيد السياسة الخارجية، فقد اجمع الذين تحدثوا في تقييمهم للمائة يوم الاولى، ان الرئيس لم يواجه ازمة حقيقية يمكن بناء على معالجته لها الحكم على ادائه بشكل دقيق، او الحكم بشكل دقيق على قدراته وكفاءاته القيادية، وإن قال بعضهم ان معالجته حتى الآن لازمة طائرة التجسس الاميركية مع الصين، وان لم تنته بعد، اظهرت قدراته القيادية على الرغم من ان البعض قال ان نائبه تشيني، وربما والده الرئيس السابق بوش يلعبان دورا اساسيا فيها.

وعلى صعيد العلاقة مع الصين، وقول الرئيس بوش الاسبوع الماضي ان الولايات المتحدة مستعدة للدفاع عن تايوان اذا تعرضت للهجوم من الصين، عبر بعض زعماء الكونغرس عن القلق من مثل هذا التصريح، وقالوا ان على الرئيس ان يفكر مليا قبل الادلاء بمثل هذا الكلام، لأن كلام الرئيس الاميركي في هذا الوقت ينطلق بسرعة الضوء حول العالم، ويتم تفسيره وتأويله على أوجه عديدة تثير القلق.

ومن قضايا السياسة الخارجية التي سيواجه بوش مصاعب في معالجتها قضية اقامة شبكة الدفاع الصاروخي لحماية الولايات المتحدة، وهو امر يتحفظ عليه الحلفاء الاوروبيون ويرفضه الروس والصينيون، ويرون فيه عودة جديدة الى سباق التسلح. فحتى الآن لم يتمكن الرئيس بوش من اقناع حلفاء اميركا بجدوى النظام واسباب اقامته إلا ما ابدته بريطانيا الحليفة الدائمة لواشنطن، من تفهم وتأييد غير حاسم.

ثم هناك منطقة الشرق الأوسط وقضاياها، فمنذ تسلمه الرئاسة وفريق ادارته، اعلن توجها عاما وهو ان الادارة تراجع الوضع في المنطقة، وانها لن تسير على نهج الادارة السابقة خصوصا في ما يتعلق بحل الصراع العربي ـ الاسرائيلي واحلال السلام بل سيكون دورها دور الساعد للاطراف وتمسك الرئيس وادارته بعبارة انه لم يتم شيء من جانب الادارة لاستئناف المفاوضات مثل ان يتوقف العنف. لكن العنف لم يتوقف بل تفاقم حيث اوفد الرئيس وزير خارجيته كولن باول في اول جولة الى المنطقة، وبدأ يتضح للرئيس واركان ادارته استحالة الاستمرر في ترداد المقولة السابقة وان الولايات المتحدة لا بد ان تنشط وتعمل بشكل مباشر وفعال.

وكان للرئيس الكثير من الاتصالات مع قادة دول المنطقة، ومنها لقاؤه بالرئيس المصري حسني مبارك، والعاهل الاردني الملك عبد الله الثاني، ورئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، الاسبوع الماضي وبالتالي وجد الرئيس نفسه خلال هذه المائة يوم انه معني بالمنطقة وقضاياها.

وإثر عملية قصف العراق بعد اسابيع قليلة من رئاسته ادرك بوش ان ذلك لا يمثل الطريق او السياسة الناجحة في معالجة قضايا بهذا الحجم، فعكفت ادارته على مراجعة للوضع ووضع سياسة لمنطقة بشكل اقليمي شامل قد يعلن عنها خلال الاسابيع المقبلة.

وفي ضوء نتائج التقويم لاداء الرئيس بوش خلال المائة يوم الاولى، والتي اعطته نسبة نجاح عالية، وتأييد حوالي ثلثي الاميركيين، يحق للرئيس الاحتفال بذلك اليوم وغدا، لكن ذلك لا يعني ضمان النجاح مستقبلا، فكما يرى مراقبون ومعنيون بالتأريخ لفترة المائة يوم الاولى للرؤساء الاميركيين منذ بدأت مطلع رئاسة الرئيس الاسبق فرانكلين روزفلت في الثلاثينات، فان الرئيس بوش لم يمر باختبار حقيقي بعد للحكم عليه بشكل دقيق.