روما: برلسكوني يتحرر من «لعنة الباب الدوار» بتأكيد فوزه بالأغلبية المطلقة في الانتخابات البرلمانية

TT

اظهرت النتائج التي اعلنتها وزارة الداخلية الايطالية امس فوز تحالف يمين الوسط بزعامة سيلفيو برلسكوني بالاغلبية في مجلسي البرلمان الايطالي، وستحرر هذه الاغلبية القوية التي احرزها برلسكوني رئيس وزراء ايطاليا القادم من الاعتماد على تأييد حزب رابطة الشمال المناهضة للهجرة، والمشككة في التوجه الاوروبي، والتي لم تحصل الا على اقل من 4% فقط من الاصوات مما سيقلص نفوذها التفاوضي.

وطبقا للنتائج الرسمية للانتخابات العامة التي جرت في ايطاليا يوم الاحد الماضي حصلت كتلة برلسكوني المكونة من حزبه «ايطاليا.. الى الامام»، وحزب التحالف الوطني وحزب رابطة الشمال على 368 مقعدا في مجلس النواب المكون من 630 مقعدا. كما فازت بالاغلبية المطلقة في مجلس الشيوخ وشغلت 177 مقعدا من بين 315 مقعدا.

بينما حصل تحالف يسار الوسط الحاكم على 242 مقعدا في مجلس النواب و125 مقعدا في مجلس الشيوخ. وكشفت النتائج ان رابطة الشمال حصلت على 9.3 % من الاصوات مقارنة بالانتخابات العامة السابقة التي حصلت خلالها على 10.1 %. ومن ثم لن يحق لها الحصول على اي من مقاعد التمثيل النسبي في مجلس النواب (155 مقعدا). وسيسمح هذا النصر لبرلسكوني بالتحرر بشكل كامل من الرابطة وان كان ذلك سيعتمد في النهاية على عدد المقاعد التي ستشغلها في مجلس الشيوخ. واذا شغلت الرابطة في مجلس الشيوخ عددا متدنيا من المقاعد همش دورها في تحقيق الاغلبية في المجلس الاعلى في البرلمان فسيعطي ذلك برلسكوني قدرا اكبر من الارتياح وحرية الحركة.

وتوقعت الرابطة يوم الاثنين الماضي ان تشغل 16 أو 17 مقعدا في مجلس الشيوخ وهو عدد من المقاعد يمكنها نظريا اذا صحت امالها في ان تحدد الموازين في المجلس الاعلى في البرلمان الذي تعني فيه الاغلبية المطلقة شغل 163 مقعدا. لكن اذا نجح برلسكوني في التخلص من قبضة الرابطة وزعيمها المثير للجدل اومبرتو بوسي المشكك في التوجه الاوروبي فقد يتنفس شركاء ايطاليا في الاتحاد الاوروبي الصعداء.

وكان بوسي قد نجح في اسقاط حكومة برلسكوني السابقة عام 1994 حين سحب تأييده للحكومة بعد تشكيلها بسبعة اشهر فقط. وسيصبح برلسكوني رئيس وزراء ايطاليا رقم 59 بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، واعرب عن أمله في وضع حد لما يعرف باسم «حكومات الباب الدوار»، في اشارة الى لعنة تعاقب الحكومات الايطالية السريع التي تهدد المسرح السياسي الايطالي.

وفوز برلسكوني بأغبية معقولة داخل البرلمان، يفسح المجال للحكومة المحافظة الجديدة بالتمتع بقدر غير معهود من الاستقرار السياسي. وشارك الناخبون باعداد كبيرة في الادلاء باصواتهم تأييدا للتحالفين السياسيين الكبيرين.. اليمين واليسار، متجاهلين الاحزاب الصغيرة الى ساهمت في اضطراب النظام السياسي الايطالي على مر العديد من السنوات. ويعلق جوليانو فرارا مستشار برلسكوني قائلا: «لقد خرجنا من رحم عقد دراماتيكي، ويحاول الايطاليون اليوم تشكيل نظام سياسي جديد».

على صعيد دولي، سيضطر رئيس الوزراء الايطالي الجديد الى التحرك بحذر بينما يحاول ازالة الشكوك المتعلقة بتضارب مصالحه ومشاكله القانونية، والمسحة اليمينية لشركائه في تحالفه السياسي. وبترشحه على انه محافظ من خارج، بل ومناوئ، للمؤسسة الحاكمة، فانه لن ينسجم بصورة طبيعية مع السياسيين الديمقراطيين الاشتراكيين الذين يحكمون اوروبا الغربية (عدا اسبانيا والنمسا).

ويشير سيرجو رومانو المعلق الايطالي البارز في الشؤون الخارجية الى انه «سيكون هناك قدر من التردد والتحفظ بين بعض الزعماء السياسيين لانه لا ينتمي الى ناديهم... ومن الاحسن لبرلسكوني الانتباه الى هذا الامر والتعامل معه بحذر». بيد ان قلة من السياسيين تتوقع مبادرة الاتحاد الاوروبي الى فرض مقاطعة دبلوماسية على روما من النوع الذي فرضته على فيينا العام الماضي، ردا على ضم حزب يميني متطرف يتزعمه يورج هايدر الى الحكومة النمساوية. ويرى رومانو ان «على اوروبا تقبل قرار ايطاليا كما هو».

وتعد الانتخابات انتصارا شخصيا واضحا لبرلسكوني نفسه، اذ تحولت حملته الانتخابية الى استفتاء على شخصيته، في ضوء الامبراطورية الاعلامية الضخمة التي يمتلكها (وتضم اضخم ثلاث محطات تلفزيونية تجارية في ايطاليا)، فضلا عن مشاكله القانونية المتعلقة باتهامات بالتهرب من الضرائب وتقديم الرشى وتزوير الحسابات. غير ان الايطاليين لم يلقوا بالا لذلك، بقدر ما اكترثوا بوعوده المتعلقة بتخفيض الضرائب واجتثاث الجريمة والتصدي بحزم اكبر للهجرة غير القانونية.

وكانت اول حكومة يشارك فيها برلسكوني عام 1994 قد انهارت بعد اقل من سبعة اشهر عندما تخلي بوسي عنه، غير ان اداء رابطة الشمال الضعيف في الانتخابات سيحمل بوسي على التفكير مرتين ان خطر بباله ترك التحالف مرة ثانية.

وخلال الاسابيع الثلاثة المقبلة، يتوقع من الرئيس كارلو ازيجلو كيامبي ان يتوجه بطلب رسمي الى برلسكوني لتشكيل الحكومة. ويقول فرانكو بافونشيلو استاذ العلوم السياسية بجامعة روما: «ان هذه الحكومة ستكون قوية وتتمتع بقدرة على المناورة». ويتوقع من برلسكوني التحرك سريعا لتدشين عدد من المشاريع العامة مثل شق طرق جديدة لتقوية البنية التحتية الايطالية، كما وعد باجراء خفض ضريبي كبير على نمط اليمين الاميركي لدفع النمو الاقتصادي. ومن المحتمل ان تقف النقابات المهنية عائقا في وجه عدد من سياساته، بحسب المراقبين. فان نفذت الحكومة الجديدة وعودها الانتخابية وعملت على تحرير قوانين العمل، بما يسهل على ارباب العمل تسريح العاملين عندهم، فانها «ستواجه معارضة شديدة من النقابات، قد تدفع الى انبعاث الاضطراب الاجتماعي من جديد»، بحسب بافونشيلو.

وفيما يتعلق بالقضايا الاخرى، فمن المتوقع ان تلجأ الحكومة المقبلة الى السعي وراء الحصول على تأييد الاحزاب الاخرى، على سبيل المثال فيما يتعلق بالاصلاحات المزمعة للدستور والنظام الانتخابي التي ينظر اليها على انها مفتاح تحديث النظام السياسي ودعم ايطاليا بشكل يليق بها بين اللاعبين الاوروبيين الكبار. وعلى هذا الصعيد، فان رومانو يقول «حتى تكون مسموعا وتتمتع بالنفوذ في الدوائر الاوروبية والدولية، ينبغي ان تبدو في عيون شركائك بمثابة الزعيم الذي يقر له الجميع داخل بلده»، وحتى تعديل عدد من القوانين الاساسية «لا يمكن ضمان اي شيء في ايطاليا».

واعترف مرشح اليسار فرانشيسكو روتيللي بهزيمة تحالفه لصالح برلسكوني ووعد بمعارضة قوية ولكنه لم يفصح ان كان سيستمر في قيادة المعارضة.

وأضاف في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط» ان «السياسة الخارجية الايطالية لا تتبدل مع تغيير الحكومات».

اما بالنسبة لهزيمة «رابطة الشمال» المعادية للمهاجرين الاجانب التي لم يعد برلسكوني بحاجة اليها لتأليف حكومته فقد قالت لـ«الشرق الأوسط» ايرين بافيتي رئيسة البرلمان السابق والتي استقالت من الرابطة لـ«الشرق الأوسط»: «ليست هذه النتيجة مستغربة لأن زمن تلك الرابطة قد ولى منذ سنوات».

* خدمة «كريستيان ساينس مونيتور» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»