تحليل إخباري: بكين وواشنطن.. دبلوماسية الضرب والقبلات

TT

بوسع الدبلوماسية الصينية ان تقول الان انها الاقدر عالميا، حتى اشعار اخر، على ترويض الدبلوماسية الاميركية جمهورية كانت او ديمقراطية.

فها هي واشنطن ترسل، وبعد اسبوع واحد من هزيمتها واخراجها لاول مرة من لجنة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة، جيمس كيلي كأكبر مسؤول يزور بكين منذ وصول جورج بوش (الابن) للسلطة، برغم تحميل صحافة واشنطن هزيمة جنيف، وفقدان مقعد لجنة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية لبكين، وبرغم بقاء طائرة الاستطلاع الاميركية بجزيرة هينان.

وتبقى هناك، وبرغم تعدد آليات بكين في ملاعبة واشنطن بفنون المناورة، محطات كثيرة تجبر، ان لم تكن قد اجبرت النسر الاميركي على اختيار هذا الخط المهادن مع التنين الصيني. وان احتفظت واشنطن بدورها بجرعات سياسية تبقى هي الاخرى موجعة او حامضة الطعم في حلق التنين. انها دبلوماسية الضرب والقبلات.

فالكونجرس الاميركي يتدارس الى اليوم تخصيص مساعدات مالية قد تصل الى 20 مليون دولار لسكان هضبة التبت الصينية، دعك عن صفقة المليارات الاربعة لتسليح تايوان بسفن حربية ونظام صواريخ تقول واشنطن انه يبقي ميزان القوى بين الجزيرة والوطن الام في حالة توازن حتى عام 2005.

ولكن بكين ايضا قرأت مغازلة واشنطن للهند النووية، والجارة اللدودة، فاختارت نيودلهي امام دهشة دول وسط وجنوب شرقي اسيا التعاطف المعلن رسميا مع عزم ادارة بوش اقامة شبكة صواريخ. ويرجع البعض مواقف الهند الى حاجتها لرفع العقوبات التي تلت تفجيراتها النووية في مايو (ايار) عام 1998. فجاء رد الصين على واشنطن بزيارة رئيس وزرائها الماكرة لباكستان، حليف اميركا القديم، وقاعدتها لاخراج السوفيات من افغانستان بعد غزو 1979.

والواضح هنا ان بكين التي تعتبر الاب الروحي للقنبلة النووية الباكستانية، قد وقتت الزيارة مع اشارات التقارب الهندي الاميركي، التي بدأت على خلفية الديمقراطية الليبرالية التي تجمع بين نظامي البلدين سياسيا، فسارعت بكين الى تقارب يجمع بين نظامين شموليين، ومن الواضح ايضا ان بكين تمهد بتقاربها مع باكستان الى مقاومة الاحادية القطبية، وقد دشنت معركتها بالتحالفات التي اسقطت اميركا في انتخاب لجنة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالامم المتحدة، فيما تستعد الى بلورة اطار لتلك المقاومة يوم ان يزور رئيسها جيانج زيمن موسكو الشهر القادم.

في المقابل تذكر زيارة جيمس كيلي لبكين بزيارة بيل كلينتون للصين في يوليو (تموز) 1998، وقد اشترطت بكين يومها ان لا يزور الرئيس الاميركي اي بلد اسيوي بخلافها تأكيدا للاهمية.. ففعلها كلينتون.

ولكن كل ذلك، وبالضرورة، لا يعني نهاية المناورات بين العاصمتين، او رفع احداها للراية البيضاء استسلاما للاخرى، او ان معركتها مثل جولة ملاكمة يمكن ان تنتهي بالضربة القاضية او النقاط، لان عين بكين على 100 مليار دولار هي مبيعاتها في الاسواق الاميركية، كما ان عين واشنطن على مليار و260 مليون نسمة (سدس سكان العالم) بكل استحقاقات هذا الواقع الديموغرافي في حسابات الشركات الاميركية، وقبلها انعكاسات اي انفراط للامن في بلد بحجم الصين على منطقة جنوب شرقي آسيا الحيوية. وقد تكون هذه في مقدمة الحقائق والاسباب التي جعلت كيلي يشد الرحال الى بكين وان طال به السفر.