المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية: باول أبلغ الإسرائيليين سرا أن المفاوضات مع الفلسطينيين لن تعود إلى نقطة «الصفر»

احتواء العراق لا يزال الخيار الناجع * ارتفاع حرارة الأرض وازدياد الهجرة أكثر الأخطار التي تهدد العالم * الصين تشعر بالخطر من الدرع الصاروخي الأميركي أكثر من روسيا

TT

توقع المركز الدولي للدراسات الاستراتيجة أن تعود الولايات المتحدة لتعلب دورا حيويا في المفاوضات بين الفلسطينيين والاسرائيليين، على الرغم من دخول انتفاضة الأقصى شهرها السابع وفشل قمة كامب ديفيد الأخيرة التي جرت تحت إدارة الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون.

وقال المعهد الذي يتخذ من لندن مقرا له، في تقريره السنوي «ستراتيجك سيرفاي» الذي نشره امس، «في أي وقت يقرر الزعيمان (رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات) المحادثات فانه من المرجح ان تعود الولايات المتحدة لتلعب دورا حيويا». ويضيف التقرير «ان وزير الخارجية الاميركي كولن باول قد ابلغ الاسرائيليين سرا، على الرغم من اعلان واشنطن الغاء مقترحات كلينتون من طاولة المفاوضات، ان الاسرائيليين والفلسطينيين لا يستطيعون الانطلاق من الصفر». ثم يتابع التقرير «ان السياسة المحلية والدينامية الاقليمية ستقود الى تدخل اميركي نشط خاصة اذا انزلق العنف اكثر».

وحول قضايا منطقة الشرق الأوسط الأخرى، توقع المعهد الذي يعنى بالدراسات العسكرية والاستراتيجية في العالم ان «احتواء العراق سيظل الخيار الناجح الوحيد خاصة اذا فشلت جهود الإطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين»، الا ان التقرير يستدرك ويستبعد الإطاحة بصدام حسين «الذي يبدو اليوم قويا في داخل العراق أكثر من أي وقت سابق». ويدعو المعهد الى «إعادة تشكيل نظام تحالف العقوبات المتهاوي لغياب أي خيار عملي آخر».

وأشار التقرير الى ان العام المنصرم شهد تغييرات عميقة بسبب بروز قادة جدد وسياسات جديدة وتهديدات طارئة. فقال ان دولا تلعب دورا حاسما في الاستقرار العالمي عرفت تغييرا على مستوى القيادة، بدءا من جورج بوش في الولايات المتحدة وانتهاء بآرييل شارون في اسرائيل، وسياسات جديدة لا علاقة لها بتلك التي اتبعها اسلافهم.

وتوقع ان تشهد السياسة الخارجية التي سينتهجها الرئيس بوش تركيزا اقل من الإدارة الجديدة على السياسة الخارجية مقارنة بما كان عليه الحال السابق أثناء إدارة كلينتون، واشار في هذا الصدد الى ان «بوش أظهر تغييرا في سياسته الخارجية خلال أشهره الثلاثة الاولى وأصدر إشارات واضحة الى حلفاء الولايات المتحدة وخصومها وهو ما لم يفعله سابقه كلينتون غالبا».

وعن الخطة الاميركية لانشاء درعها الصاروخي المثير للجدل، قال المعهد ان هذا الدرع سيتيح حماية محدودة للولايات المتحدة وليس لحلفائها في اوروبا وآسيا. واضاف انه على الرغم من التغيير في لهجة الخطاب الاميركي واسقاط كلمة «وطني» من اسم هذه الخطة فان حماية اميركا لحلفائها لا تزال بعيدة المنال.

وقال المعهد الذي يحظى باحترام واسع في تقريره السنوي ان درع الصواريخ المضادة للصواريخ سيتيح مبدئيا حماية محدودة للولايات المتحدة نفسها وليس لحلفائها في اوروبا او اسيا. واوضح المعهد ان البرنامج الاميركي الصاروخي يشعر الصين بالخطر اكثر من روسيا بسبب امتلاك الصين لنحو 20 صاروخا باليستيا فقط. وتابع ان البطء من جانب ادارة الرئيس بوش في بحث خيارات الخطة الصاروخية سمح لحلفاء الولايات المتحدة ان يكون لهم صوت مسموع مؤقتا.

ويشير التقرير ايضا الى التغييرت التاريخية التي شهدها العام الماضي، مثل وصول فينسنتي فوكس الى الرئاسة في المكسيك وشين شوي بيان الى الرئاسة في تايوان «خارقين احتكارا للحياة العامة في بلديهما استمر عشرات السنين». وعصفت رياح التغيير بجميع القارات، اذ أتت بالاصلاحي جونيشيرو كويزومي الى السلطة في اليابان واطلقت آمالاً ضئيلة بتحقيق السلام في الكونغو الديمقراطية مع خلافة جوزيف لوالده لوران كابيلا.

ويواجه هؤلاء القادة الذين سيخضعون لتجارب التاريخ تهديدات جديدة ايضا. فمع انتهاء الحرب الباردة، يلاحظ التقرير انه ليس بوسع اي بلد بمفرده تهديد الكرة الارضية. وحتى الصين فانها «لن تكون قادرة على التسبب في خطر مثلما كان الحال قبل سنوات عديدة، حتى لو أرادت ذلك».

وينأى المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بنفسه عن التحليلات التقليدية العسكرية والسياسية ليصف ارتفاع حرارة الارض بأنها الخطر الرئيسي الذي يهدد العالم. وندد باللامسؤولية لدى غالبية السياسيين الذين يتجاهلون هذا «الخطر المحدق على حسابهم وحسابنا». ويوجه المعهد انتقادات الى بوش بسبب رفضه الالتزام بالتعهدات الاميركية لتخفيف مستويات انبعاث الغازات الدفيئة التي اقرت في اتفاقية «كيوتو». ورأى التقرير انه على الرئيس الاميركي ان يكون «مثالا يحتذى كما فعلت بلاده غالبا في الماضي عبر احتوائها التهديدات الموجهة الى الأمن العالمي».

واعتبر المعهد ان المصدر الاخر للخطر يكمن في الارتفاع المذهل في اعداد المهاجرين غير الشرعيين الذين يحاولون الفرار من القمع او العثور على حياة افضل في العالم الغني، مما سيؤدي الى بروز الحركات المعادية للأجانب. واضاف ان «تاريخ منتصف القرن العشرين يذكرنا الى اي مدى قد يشكل ذلك خطرا بالنسبة لعالم يزداد سكانه حاليا».

ويذكر المعهد مع ذلك ان الاخطار التقليدية لم تفقد مكانتها بعد، مشيرا الى الطريق المسدود الذي بلغته تسوية الازمات بين الكوريتين وعملية السلام في ايرلندا الشمالية. وفي هذا الشأن، يبدي المعهد قلقا حيال نوايا بوش التقليل من دور بلاده كحكم دولي مما «سيجعل من الصعب جدا، ليس احتواء النزاعات فقط وانما تجنب معاودة اندلاعها ايضا» في الأجزاء الاكثر تعرضا للانفجار في العالم.

وليس بوسع المنظمات الاقليمية على كثرتها ان تزعم ضمان الاستقرار. فمن تدهور سعر صرف العملة الاوروبية الموحدة «اليورو» الى مرض جنون البقر، هناك حالة ذهنية تجتاح اوروبا التي باتت اقل حماسا في تأييدها للتكامل. وفي افريقيا، يسود الشلل نشاط مجلس تنمية افريقيا الجنوبية (سادك) بسبب المشاكل في زيمبابوي. اما منظمة ميرموسور في اميركا اللاتينية، فهي ابعد ما تكون عن اكتساب دور سياسي يتخطى الحدود القومية لدولها. وفي منطقة المحيط الهادئ، لم تعد منظمة «اسيان» سوى ظل للمنظمة الراسخة والواثقة التي كانتها في بدايتها وذلك اثر الاضطرابات السائدة في اندونيسيا وماليزيا وتايلاند والفلبين. وتوقع التقرير ان تخلف ميغاواتي سوكارنو نائبة الرئيس الاندونيسي العام الحالي الرئيس عبد الرحمن واحد بالطرق المشروعة، الا ان فرصها في النجاح ستكون ضئيلة في ظل اعادة الاضطرابات التي يشهدها هذا البلد المترامي الاطراف.