فوز خاتمي مضمون.. لكن النسبة غير مؤكدة

المحافظون عاجزون عن منع إعادة انتخاب الرئيس الإيراني ويعملون على إضعاف شعبيته

TT

هل يكون الرئيس الايراني محمد خاتمي قد أرغم على خوض سباق انتخابي مصمم قصد تدمير مكانته السياسية؟ هذا هو السؤال الذي يطرحه الكثيرون في دوائر طهران السياسية. ورغم الشعور العام خارج ايران بامكانية فوز خاتمي بمدة رئاسية جديدة، يرى كثيرون في طهران انه ربما كان متجها صوب «هزيمة جيدة التخطيط».

وحسب بعض المصادر، فان خاتمي لم تكن له رغبة في ترشيح نفسه لمدة رئاسية ثانية، غير انه ارغم على ذلك بعد اجتماع طويل مع المرشد الاعلى علي خامنئي اوائل الشهر الحالي. وحضر هذا الاجتماع هاشمي رفسنجاني، الرئيس الايراني السابق الذي لا يزال يعد لاعبا اساسيا في النظام الايراني. وعندما تصاعدت حدة النقاش في الاجتماع، افادت اخبار بان رفسنجاني قال لخاتمي ان رفضه الترشح مرة ثانية قد يعرض حياته للخطر. وليس من الواضح إن كان ما قاله رفسنجاني صدر في هيئة تحذير ام تهديد، بل المؤكد ان خاتمي انتابه التردد من ترشيح نفسه.

ولكن هل يمكن إلحاق الهزيمة بخاتمي؟ هذا ما يعتقده رجل واحد هو الادميرال علي شمخاني الذي تولى منصب وزير الدفاع في حكومة خاتمي منذ عام .1997 وكان مما قاله لجماعة من مؤيديه بطهران الجمعة الماضية «ان الشعب الايراني بحاجة الى تعديل المسار.. فليس في وسعنا المضي في ذات المسار الذي سرنا فيه خلال الاعوام الاربعة الماضية. اننا بحاجة الى مسار جديد ورجل جديد لقيادة الحكومة».

وينشط موفدون باسم شمخاني في مفاوضات تحت قبة البرلمان لاقناع خمسة مرشحين على الاقل بالانسحاب لصالحه. والفكرة هنا ان ايجاد جبهة موحدة خلف شمخاني ربما تنجح في كسب المحافظين بينما يلتزم الناخبون الذين يشعرون بخيبة آمالهم في خاتمي بيوتهم يوم الاقتراع. وكان مما قاله شمخاني لافراد حملته الانتخابية «يمكننا إلحاق الهزيمة بخاتمي، بل يتوجب علينا هزيمته».

وللوهلة الاولى، قد تثير المنافسات الشديدة التي اطلقتها الحملة الانتخابية الدهشة. كما ان ثمة الكثير مما يجمع بين المرشحين العشرة الذين جرى قبول ترشيحاتهم رسميا. فجميع المرشحين من الرجال وهذا في بلد تشكل النساء فيه اكثر من نصف سكانه بقليل. وكان مجلس الاوصياء على الدستور الذي من مهمته التصديق على اسماء المرشحين أوّل على نحو غير متوازن فقرة واردة في الدستور لمنع كل النساء من الترشح. كما ان المرشحين العشرة هم من الشيعة الاثنى عشرية. اما المسلمون السنة الذين يشكلون 11 في المائة من السكان فجرى استثناؤهم بالكامل. وكذلك حال كل الاقليات الدينية التي تشكل 2 في المائة من السكان.

فضلا عن ذلك، فان سائر المرشحين العشرة هم من بين المقلدين لآية الله الخميني ومن انصار مبدأ «ولاية الفقيه». وهذا يعني ان الاغلبية الساحقة من شيعة ايران الذين يتبعون الآيات العظمى الذين يعارضون «ولاية الفقيه» ليس من مرشح يمثلهم. وهناك سبعة من بين المرشحين العشرة يزعمون انهم من «الشرفاء» الذين لهم نسب الى النبي محمد ـ صلى الله عليهم وسلم ـ، وهؤلاء «الشرفاء» الذين يعرفون «بالسادة» باللغة الفارسية يشكلون اقل من نصف الواحد في المائة من الشعب الايراني. الى جانب ذلك، هناك اثنان من رجال الدين وخمسة هم اولاد رجال دين او آيات عظمى، كما تربط بين خمسة من المرشحين العشرة روابط قربى بالدم او بالنسب.

علاوة على ذلك، هناك عوامل اخرى تكشف عن الروابط الوثيقة التي تربط بين المرشحين العشرة، فجميعهم عمل في الحكومة بصورة او باخرى وخلال فترة من حياتهم العملية. اما «المجتمع المدني» الذي كثيرا ما اشار اليه خاتمي في احاديثه فليس من مرشح واحد يمثله. فستة من المرشحين كانوا او لا يزالوا وزراء في الحكومة، واربعة منهم اعضاء في البرلمان الايراني، وخمسة منهم اعضاء في المجلس الاعلى للثورة الثقافية الاسلامية، المتهم باغلاق كل الجامعات ومراكز التعليم العليا الايرانية لمدة عامين اوائل الثمانينات. وعمد المجلس الى التخلص من 6 آلاف مدرس جامعي وطرد اكثر من 30 الف طالب بتهم التعاطف مع نظام الشاه. وكان لثلاثة على الاقل من المرشحين صلة بمحاكمات ثورية وتنفيذ الإعدام في عدد من خصوم النظام الراهن، حتى ان احدهم، وهو وزير الاستخبارات الاسبق علي فلاحيان، صدرت بحقه مذكرة توقيف دولية صادرة عن محكمة في برلين بتهمة ارتكاب العديد من الجرائم. وولد سبعة من المرشحين العشرة في مدينتين ايرانيتين فقط، فخمسة منهم ولدوا في طهران واثنان في اصفهان. اما اكثر ثاني وثالث الاقاليم الايرانية تعدادا سكانيا وهما خراسان واذربيجان الشرقية فليس من مرشح عنهما. كما ينتمي المرشحون العشرة الى الجيل الوسط للثوريين الخمينيين، فاعمارهم في المتوسط تبلغ 50 عاما وهذا في بلد لا تتجاوز اعمار ثلثي سكانه 30 عاما.

كما ان دراسة خلفيات المرشحين العشرة تكشف عن تمثيلهم لقطاعات مختلفة داخل التحالف الحاكم. ففي حين ان خمسة مرشحين يمثلون رجال الدين مباشرة، هناك اثنان فقط يمثلون البازار الايراني. ويمثل الحرس الثوري بمرشح واحد مقابل مرشحين عن سائر المنظمات الامنية المتعددة في ايران.

ويعلق المحلل منصور بادي من طهران على الحملة الانتخابية قائلا «من الواضح ان المؤسسة الحاكمة قسمت المجتمع الايراني الى فئة تنتمي وفئة لا تنتمي.. وكل المرشحين العشرة من جملة المنتمين، حتى ان السلطات المعنية لم تفسح المجال امام المعارضة المخلصة، بمنع انصار مهدي بازرجان من تقديم مرشح عنهم».

وتبدو السلطات مصممة على منع حصول اي مفاجآت بتكليفها شخصيات قريبة من رفسنجاني لها خبرة في «تنظيم» مثل هذه النشاطات بمراقبة اجراء الانتخابات المقبلة. وهنا يُطرح التساؤل الذي بدأنا به إن كانت الفكرة من «تنظيم» الامور هي تنظيم هزيمة مهينة بخاتمي. وهناك سيناريوهان في هذا السياق: اولهما ان خاتمي سيهزم بالفعل، ربما من جانب شمخاني، ويقضى عليه كقوة سياسية فاعلة. وبقبوله قواعد اللعبة كما هي، فان خاتمي لن يقدر على تحدي النتائج وبالتالي سيرغم على ترك المسرح السياسي.

اما السيناريو الثاني فهو «تنظيم» نصر واه لخاتمي. وهنا ربما سيسمح للرئيس الايراني بالفوز باغلبية ضئيلة ربما لا تتجاوز 51 في المائة. وقد يرغم خاتمي بدل ذلك على خوض جولة ثانية من الاقتراع ليسمح له بالفوز بعدها. والفكرة هنا ان وجود خاتمي ضعيفا يسهل من السيطرة عليه بينما تستغل صورته الباسمة في تحسين صورة ايران في الخارج. فالمؤسسة الحاكمة تشعر بالسرور من نجاحاته في تأسيس علاقات طبيعية مع كثير من الدول سواء في المنطقة او في اوروبا.

ويبدو ان اصحاب هذين السيناريوهين يفترضان ان جمهور الناخبين لن يصوتوا بالأعداد الغفيرة التي صوتوا بها في انتخابات عام .1997 غير ان هذا يظل امرا غير مؤكد، فكثير من الايرانيين في حالة من التردد ولن يحسموا إلا في اللحظة الاخيرة ان كانوا سيمنحون فريق خامنئي ورفسنجاني الفرصة على «تنظيم» نتائج الانتخابات بالصورة التي ترضيهم، او السيطرة على مراكز الاقتراع كما جرى في انتخابات عام 1997 ليرسموا بانفسهم السيناريو الخاص بهم، رغم كل المعوقات المفروضة. وربما كانت مقدرة الانتخابات الايرانية على خلق المفاجآت لا تزال نافذة.