بطء الكونغرس في تعيين مساعدي بوش أدى إلى إرباك في عمل الإدارة الجديدة

إدارة ريغان عينتهم في 31 يوما وإدارة كلينتون في 43 يوما أما فريق بوش فخلال عام تقريبا

TT

لم تتمكن إدارة الرئيس الاميركي جورج بوش من الحصول الا على مصادقة 11 في المائة من المسؤولين الحكوميين الكبار، الامر الذي تسبب في عرقلة تنفيذ برامج الادارة الجديدة.

وتكمن المشكلة كما يصنفها الخبراء في فترة انتقال الحكم في الولايات المتحدة في ان عملية التعيين اصبحت من الترهل بحيث لا تسمح بالانتقال السريع. ويقولون ان العملية تستغرق في المتوسط، بدءا بتسمية الموظف الى الانتهاء من تعيينه من قبل مجلس الشيوخ، حوالي الشهرين. وهذا يعني أن أي موظف لن يعلن تعيينه خلال الأسبوعين أو الثلاثة القادمة سينتظر حتى الشتاء لتأكيد منصبه.

وتسبب هذه العملية الطويلة، لوضع الموظف العام في منصبه الجديد، مشكلة دائمة للوكالات المختلفة، رغم ان كل ذلك يحدث بعيداً عن مرأى الرأي العام.

وقد أدت الخسارة الأميركية المحرجة لمقعديها في لجنة حقوق الانسان ولجهة مكافحة المخدرات، التابعتين للأمم المتحدة، والتي يعزوها البعض لغياب سفير أميركي بالمنظمة الدولية، الى كشف مخاطر ادارة الدولة بهيكل منقوص. لكن الصعوبات الأعم والأكثر هي تلك التي لا يعلن عنها أحد، مثل تلك التي تحدث بوزارة العدل، والتي لم يعين فيها حتى 10 مايو (ايار)، غير المدعي العام جون اشكروفت. وقد اضطر الموظفون الشهر الماضي الى السفر الى منزل اشكروفت بولاية ميسوري لنيل موافقته على اذن بمراقبة أنشطة ارهابية لأنه لم يكن هناك غيره للتوقيع على الاذن.

وحتى هذه اللحظة لا تملك الادارة سوى 55 وظيفة تأكدت المصادقة عليها في مختلف الشعب والوكالات. وأعلن 147 تعييناً أولياً، ويقضي أغلب هؤلاء الناس بعض الوقت في الوكالات والشعب، لكنهم يقدمون خدمات استشارية فقط، حتى لا يتخطوا الحواجز السياسية او القانونية.

وعلى سبيل المثال أرسلت رسالة في الآونة الأخيرة من رئيس لجنة الخدمات العسكرية بالكونغرس جون وارنر، والسناتور الديمقراطي الكبير كارل ليفين، الى وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، لتحذير المرشحين (للوظائف) من الاضطلاع بأية واجبات أو القيام بأية خطوات توحي بافتراضات مسبقة حول عملية اعتماد ترشيحاتهم.

وعلى مستوى أدنى، هناك توجيهات متعددة ـ على مستوى الحكومة ككل وعلى مستوى الوكالات تحديداً ـ تنبه المرشحين الى عدم استخدام المكاتب، وقاعات الطعام ومرائب السيارات، وغيرها من المرافق، حتى يتسلموا تأكيداً بتعيينهم.

والأهم من ذلك، لا يستطيع هؤلاء الموظفون، ومع وقف التنفيذ، الاجتماع بالمقاولين، أو أصحاب المصالح او المسؤولين الأجانب، ما لم يكن في صحبتهم موظف من الشعبة المعينة. هذا بالرغم من انهم يستطيعون التشاور في ما بينهم وتقديم النصائح والاستشارات للوزراء. كما انهم لا يستطيعون التحدث باسم الشعبة المعينة او تقديم شهادات للكونغرس أو أية تصريحات للجمهور.

وجعل هذا الوضع الوزراء يسرعون الخطى في كل الاتجاهات للحاق بركب المهام المتزايدة. فاضطر مثلاً سكرتير شعبة قدامى المحاربين، انتوني برنسيبي، لتقديم 14 خطبة خلال اسبوع واحد من مارس (آذار) الماضي، وذلك لعدم وجود أي مسؤول يمكن ان يمثل الشعبة جماهيرياً. واضطر وزير الخزانة بول اونيل، لتمثيل الحكومة في مؤتمر لبنك التنمية الآسيوي، استمر يومين، بولاية هونولولو في الوقت الذي انكب فيه الكونغرس على صياغة قانون الضرائب، لأن الوكيل كينيث دام لم تتم المصادقة على تعيينه. ولم يستطع المرشح لمنصب الوكيل بوزارة الخزانة للشؤون الدولية، ان يذهب الى تركيا لمناقشة خطة لاصلاح وانعاش الاقتصاد التركي، لأنه لم تتم المصادقة على تعيينه.

ويتساءل دانيال ترولو، كبير مستشاري البيت الأبيض للتمويل الدولي في ادارة الرئيس السابق بيل كلينتون، قائلاً «ماذا تفعل اذا انفجرت اوضاع الأرجنتين غداً؟ من هو الشخص الذي سيعالج لنا هذا الأمر؟ الوزير اونيل؟ هل يستطيع ان يتحدث مع وزير المالية كل ساعة؟».

وتستطيع ادارة بوش، كما يقول بعض المساعدين بالكونغرس ان تملأ 200 وظيفة كبرى، أي تلك الوظائف التي قدمت ترشيحات بشأنها، قبل ان يذهب مجلس الشيوخ في اجازته من 4 اغسطس (آب) حتى بداية سبتمبر (ايلول) المقبلين. ولن يستطيع الكونغرس ان يعتمد اكثر من هؤلاء مهما فعل، هذا اذا لم تحدث معارك حول المرشحين او القوانين.

وقال احد مساعدي المجلس «اذا لم تصل الترشيحات حتى 15 يونيو (حزيران)، فانها ستنتظر حتى اول اغسطس، بسبب كمية العمل التي يجب انجازها».

ويزيد الطين بلّة، ان ترشيحات الشتاء تعترضها دائماً تعقيدات سياسية لا علاقة لها بالموضوع، فعندما تقترب اجازة آخر العام، يكون في مستطاع المعارضين داخل الكونغرس تأجيل التعيينات حتى العام التالي، عن طريق «تجميد» النقاش.

ويقول بول لايت، مدير معهد بروكنز للدراسات الحكومية «سنكون محظوظين اذا شهدنا اكتمال كل الوظائف الحكومية حتى فبراير المقبل». ويضيف ان العام الأول «هو الوقت الذي يمكنهم ان يسجلوا اكبر الأثر، لكننا لن نراهم في مكاتبهم خلال الاشهر الستة الأولى، بل خلال العام الأول كله».

ومما جعل مهمة البيت الأبيض بالغة الصعوبة، ان مصادقة الكونغرس على التعيينات أصبحت اكثر بطؤا، فقد حصل الرئيس الأسبق رونالد ريغان، الذي كان يتمتع بأغلبية برلمانية مريحة، على اعتماد ترشيحاته عام 1981 خلال 31 يوماً، والرئيس بيل كلينتون، الذي كانت له أغلبية مريحة حصل هو الآخر في بداية ادارته، على التصديقات خلال 43 يوماً. اما الرئيس بوش، وهو يواجه مجلساً منقسماً، فسيظل منتظراً وقتاً أطول.

ويقول كالفين ماكينزي، خبير فترات الانتقال، «اعتقد ان المصادقة على تعيين هؤلاء الأفراد ستستغرق وقتاً طويلاً، ليس لأنهم مثيرون للجدل، وانما لأن الديمقراطيين يمكنهم ابطاء العملية. هذا الخطأ ارتكب في حقهم، وسيرتكبونه في حق الآخرين».

ويواصل ماكينزي انه «حتى اذا حاول الديمقراطيون الاسراع بالعملية، وهو احتمال ضعيف، فهناك عراقيل لوجستية تمنع الاسراع»، ويقول ان اكمال عملية السماع «ليس امراً سهلاً، فالشيوخ يجب ان يحضروا، والشهود يجب استدعاؤهم، وهكذا. ولجنة وراء لجنة، وتزدحم الجداول بالقضايا التشريعية، وبشتى انواع السماع».

والمشكلة الأخرى تكمن في ان لجان الكونغرس لا يديرها شخص واحد، بل شخصان في اطار اقتسام السلطة المتفق عليها حالياً، ويجب على الاثنين ان يتعاونا.

ويقول لايت انه حتى يتمكن البيت الأبيض من اكمال تعييناته بسلام فان الأوضاع في الكونغرس يجب ان تكون مثالية، و«الواقع ان أي تطور، اذا كان تقاعسا من نائب أو اختلافاً جوهرياً حول قضية من القضايا، يمكن ان يغرس أرجل الكونغرس في الوحل».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»