مجلس الأمة الكويتي يخوض محاولة جديدة لتقديم بلاغين ضد وزير النفط السابق بتهمة الفساد

المحامي المغاوري: التقادم والإرادة غير المستقلة تمنعان فتح ملف الشيخ علي الخليفة

TT

تشير الدلائل الى ان جلسة مجلس الامة الكويتي المقرر عقدها اليوم ستشهد سجالاً حاداً في قضيتين منفصلتين فشلتا قضائياً واجرائياً في إثبات تورط وزير النفط والمالية الاسبق الشيخ علي الخليفة العذبي الصباح بتجاوزات مست المال العام.

وقال فكري مغاوري مستشار هيئة الدفاع عن الشيخ علي الخليفة لـ«الشرق الأوسط» ان اعادة تقديم بلاغين جديدين ضد الشيخ علي الخليفة في هاتين القضيتين ستصطدمان بعوائق اهمها التقادم، والارادة غير المستقلة عند تقديم البلاغ، مما يلغي هذين البلاغين.

تتلخص القضية الاولى في اختلاسات بقيمة 120 مليون دولار تمت قبل عشر سنوات تقريبا في شركة ناقلات النفط الكويتية، اتهمت فيها الشركة اربعة من قيادييها، ثم اضيف للمتهمين بعد ضغط برلماني متهم خامس هو وزير النفط آنذاك، وحكمت محكمة الوزراء عام 1997 بعدم قبول تلك الدعوى ضده، فتم على اثرها وبضغوط برلمانية ايضا تقديم بلاغ آخر كأساس لتوجيه التهمة للشيخ علي الخليفة، الا ان اللجنة العليا لمحاكمة الوزراء الغت هذا البلاغ الاربعاء الماضي، ووصفته بأنه «جاء مجهلاً وخالياً من الاشارة الى وزير معين، وينطوي على ارادة غير صحيحة في التبليغ، ولم يذكر وقائع جرمية محددة بل مجرد اشارات».

وكان قرار تلك اللجنة صدمة لرموز التيار الليبرالي في مجلس الامة الذي حمل الحكومة مسؤولية التقصير في توجيه تهمة محكمة الاجراءات الى وزير النفط والمالية الاسبق الشيخ علي الخليفة العذبي الصباح وصمموا على مناقشة ذلك في جلسة اليوم.

اما القضية الثانية فتتلخص ايضاً بإعادة لجنة التحقيق الدائمة الخاصة بمحاكمة الوزراء لتقرير اعدته قبل عام تقريباً لجنة حماية المال العام بمجلس الامة تضمن اتهاماً لوزير المالية الأسبق بتسهيل استيلاء الغير على أموال مملوكة للهيئة العامة للإستثمار، أي تسهيل وزير المالية الشيخ علي الخليفة العذبي الصباح لمحافظ بنك الكويت المركزي عبد الوهاب التمار في عام 1983 اخذ قرض بضمان المال العام، هذا القرض الذي قام المحافظ ذاته بتسديده كاملاً فيما بعد. وكان سبب اعادة لجنة محاكمة الوزراء لهذا التقرير انه لا يحمل توقيع المبلغ، ولا تتوفر فيه عناصر البلاغ الذي تختص اللجنة بتحقيقه. وعلى الاثر رفعت لجنة حماية المال العام قبل ايام قليلة تقريراً آخر سدت به النقص الذي اتسم به تقريرها الاول، وطلبت مناقشته في جلسة مجلس الامة اليوم. وفي استفسار لـ«الشرق الأوسط» حول الجانب القانوني في تحريك هاتين القضيتين، قال المستشار فكري مغاوري ان اي بلاغ ضد الشيخ علي الخليفة في القضيتين سيكون باطلاً لصدوره من ارادة غير صحيحة. وأوضح ان ما يخص موضوع «ناقلات النفط»، وذلك الحشد والضغط لإثارة الحكومة ودفعها لتقديم بلاغ جديد ضد الشيخ علي، هو ذات الضغط الذي مورس على شركة ناقلات النفط لتقديم بلاغها السابق، والذي أكد فيه رئيس مجلس ادارة شركة ناقلات النفط امام لجنة التحقيق وأمام النيابة العامة ان ليس لديه اي تهمة ضد الشيخ علي الخليفة، وتبرأ من ذلك البلاغ.

وقال مغاوري انه حتى لو تحدد اسم الشيخ علي في البلاغ الجديد، وتحددت الوقائع التي كانت محلاً للتحقيق من قبل لجنة محاكمة الوزراء، فإن الإقرار القضائي الصادر من شركة ناقلات النفط يهدم أي بلاغ جديد، «فنحن في مجال إجراءات جنائية، وأي مناقشة علنية في الصحف او في مجلس الأمة ستعتبر دليلاً لصالح الشيخ علي، لأن هذه المناقشة هي عين التدخل في سير العدالة الجنائية، وهو أمر محظور دستورياً في المادة 3 من قانون محكمة الوزراء». وأضاف «وعلى هذا فإن تقديم شركة ناقلات النفط لبلاغ جديد في هذه الأجواء سيعتبر بلاغاً من مبلغ ذي ارادة معدومة عند تقديم بلاغه بسبب الإكراه الذي يفسد الإرادة الصحيحة . وهذا ما تستلزمه القواعد الأصولية في تحريك الدعوى الجزائية».

وحول القضية الثانية المستهدف بها الشيخ علي الخليفة، والمتعلقة بالهيئة العامة للاستثمار (ذراع الحكومة في استثمار وادارة أموالها) والتي يرأسها وزير المالية، قال المستشار مغاوري انه قرأ تقرير لجنة حماية المال العام بمجلس الامة الصادر قبل ايام قليلة، ولم يجد فيه أي فعل يشكل جريمة وفقاً لقانون الجزاء رقم 1960/16 الذي كان قائماً وقت حدوث الفعل المنسوب للشيخ علي (الفعل كما جاء بتقرير اللجنة هو تسهيل الشيخ علي عملية تسديد عبد الوهاب التمار لديونه بضمان المال العام من أجل تعيينه محافظاً للبنك المركزي). فالقانون الذي كان قائماً آنذاك، هو قانون 16 لعام 1960 من قانون الجزاء، وهو القانون الواجب التطبيق، والذي لا يجرم مثل هذه الأفعال. وحتى لو ثبت أن هناك مساعدة للمحافظ قبل توليه منصبه بالبنك فإن هذه المساعدة لا ترقى لمستوى المخالفات الإدارية.

وذكر المستشار أن الذين يستهدفون الشيخ علي الخليفة يحاولون تطبيق قانون حماية المال العام الجديد (صدر عام 1993) بأثر رجعي. فقد نص هذا القانون في مادته رقم 14 على تجريم من يلحق أضراراً بالمال العام حتى لو لم يتعمد الموظف او الوزير الضرر، في حين أن ما كان قائماً في القانون الصادر عام 1960 والذي كان سارياً وقت الحدث، هو عدم التجريم، إلا على الأفعال العمدية، وذلك وفق المادة 47 في ذلك القانون. إذ وفق تلك المادة لا يوجد في تقرير لجنة حماية المال العام ما يؤكد توفر النية والقصد بالإضرار بالمال العام من قبل الشيخ علي الخليفة، ولكن خصوم الشيخ علي الخليفة يسعون إلى تطبيق القانون الجديد رقم 1993/1 بأثر رجعي، وهو أمر محظور بالمادة 32 من الدستور التي تنص على أنه «لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة للعمل بالقانون الذي ينص عليه».

وأضاف «وهذا أيضاً يطابق المادة 14 من قانون الجزاء الكويتي التي تنص على أن يعاقب على الجرائم طبقاً للقانون المعمول به وقت ارتكابها. ولا يجوز أن توقع عقوبة من أجل فعل ارتكب قبل نفاذ القانون الذي قرر عقوبة هذا الفعل». وتابع المستشار المغاوري قائلا: «إن الحدث وقع عام 1983، والقانون الذي تحاول لجنة حماية المال العام بمجلس الأمة تطبيقه على الحدث صدر في عام 1993، مما يعني أن تقرير تلك اللجنة بحالته الحالية ينطوي على مخالفة دستورية وقانونية. فضلا عن أن تقرير حماية المال العام في مجلس الأمة يستند الى روايات وليس على صدور قرار إداري بالمعنى المفهوم في القانون الإداري»، مشيرا الى أن «الروايات والحكايات لا تصلح كدليل لتحريك الدعوى الجزائية ضد وزير سابق أو وزير حالي. كما أن التقرير لا يتضمن أي فعل يشكل جريمة». وتساءل المغاوري عما اذا كان أعضاء لجنة حماية المال العام بمجلس الأمة قد انتبهوا لانقضاء 18 عاماً على الواقعة المنسوبة للشيخ علي الخليفة بغير حق، «وبانقضاء هذه المدة حتى لو صحت التهمة وهي غير صحيحة، فإنه وفقاً لقانون الجزاء الكويتي تسقط التهمة بحسب نص المادة 4 من قانون الجزاء الكويتي بمضي أكثر من 10 سنوات من يوم وقوع الجناية، وإذا ارادت اللجنة احتساب التقادم من تاريخ ترك الوزير الاسبق لوظيفته وفقاً للقانون الجديد رقم 1993/1 فسيكون الحق في اقامة الدعوى الجزائية قد سقط سواء في القانونين القديم والجديد، اذ ان الشيخ علي استقال من منصبه كوزير بتاريخ 20/3/1991. مما يعني مضي اكثر من 10 سنوات على الفعل دون أن يتم اتخاذ إجراء يقطع المدة، علماً أن تقديم البلاغ لا يقطع التقادم، وإنما يقطعه إجراء قضائي صادر عن المحكمة أو من سلطة تحقيق في مواجهة الوزير، وهو ما لم يحدث، لأن ما تم من إجراءات لا يخرج عن كونه جهلا بالأحكام المقررة في قانون محكمة الوزراء». وحول إذا ما كان هناك اي ضرر يقع على المبلغ جراء تقديمه بلاغ لا تثبت صحته، قال المغاوري «إن مقدم مثل هذا البلاغ سيتعرض لتوقيع الجزاء المنصوص عليه في المادة 14 من قانون محاكمة الوزراء. والجزاء هنا الحبس مدة لا تقل عن 3 أشهر، ولا تزيد عن 3 سنوات، وغرامة لا تقل عن 1000 دينار، ولا تزيد عن 5 آلاف دينار. وفي حالة تقديم وزير حالي لبلاغ غير صحيح ضد وزير سابق، فإنه سيتعرض للإحالة لمحكمة الوزراء، وستكون الإحالة صحيحة لأن الواقعة محددة وهي بلاغ غير صحيح، وصادر من وزير محدد، وهو يشكل جريمة إذا كان ضحية البلاغ هو الوزير المشكو في حقه».