الكونغو: أكثر من حقل ألغام في طريق قوات حفظ السلام

TT

يوحي وصول قوة تونسية من ذوي القبعات الزرق امس الى العاصمة الكونغولية كينشاسا بأول تدشين فعلي من مجلس الامن والامم المتحدة ومعهما واشنطن وباريس لاحلال السلام في جمهورية الكونغو وربما اعادة ترتيب الاوضاع في منطقة البحيرات بعد ثلاث سنوات من اندلاع حرب الكونغو الاهلية في 6 اغسطس (آب) 1998، وهي الحرب التي اطلق عليها الاعلام الغربي حرب افريقيا العالمية الاولى، وذلك في اشارة منه الى تورط اوغندا ورواندا بقواتهما الى جانب ثلاث حركات تحرر في مواجهة الرئيس الراحل كابيلا الاب الذي استدعى قوات من حلفائه الماركسيين رؤساء زيمبابوي وانغولا وناميبيا.

ومع ان وصول القوة التونسية المكونة من 1500 عنصر يعد ضئيلا بحساب حجم القوة الذي حدده مجلس الامن بـ35 ألف جندي وهي القوة الاكبر افريقياً كذلك، الا ان وصول القوة بعد اسبوع من وصول وفد مجلس الامن الى الكونغو يوحي هو الآخر بأن مجلس الامن ربما استفاق على ضرورة تنفيذ قراريه في فبراير (شباط) ويونيو (حزيران) 2000 والخاصين بانسحاب كل القوات الاجنبية من الكونغو وارسال قوات حفظ سلام.

الى ذلك توحي احداث الكونغو برغم سيولتها الكثيرة التي بدأت باغتيال كابيلا الاب وتولي كابيلا الابن السلطة (29 سنة) كأصغر رئيس في افريقيا والعالم، توحي بأن رياحا جديدة بدأت تهب في الكونغو ثالث اقطار افريقيا مساحة (تعادل مساحة غرب اوروبا) واغنى دول افريقيا بالموارد بدءا من البترول والنحاس والماس ونهاية بالمطاط واليورانيوم.

العناصر الجديدة التي فتحت شهية مجلس الامن يمكن استلهامها من اشارات داخلية واقليمية كثيرة. فداخليا لم يستخف زعماء الحركات المسلحة بنوايا كابيلا الابن بالاحتكام للتعددية السياسية، واشاراتهم المستمرة الى اعادة الحياة لاتفاق لوساكا 1999 بوقف اطلاق النار والشروع في مفاوضات سياسية. ومعلوم ان الحركات المسلحة الثلاث في شمال وشرق الكونغو ظلت تخرق الاتفاق بسند من اوغندا ورواندا الموجودتين بقوات عسكرية تصل الى 16 ألف جندي.

وهناك اقليميا اشارات تعاطف اخرى من رؤساء المنطقة مع كابيلا الابن.

واهم تلك المحطات موافقة الجنرال كاجام حاكم رواندا على لقاء كابيلا الابن في واشنطن وقد التقاه بمبادرة اميركية قادها وزير الخارجية الاميركي كولن باول خلال وجود الرئىس الكونغولي في زيارة للامم المتحدة. وهناك زهد موسيفيني رئيس اوغندا في الاستمرار في حرب كلفت بلاده كثيرا رغم حقائق كثيرة بينها ان تورط كمبالا يعود اصلا الى تمويلها لالة الحرب من تجارة الماس والنحاس وكلاهما في قبضة حركات التمرد.

شاهد القول ان الفرصة تبدو الآن مواتية لاحلال السلام في الكونغو من دون ان يلغي ذلك بالطبع ان اي تسوية تبدو كما لو انها تمر بحقول الغام كثيرة في مقدمتها طبيعة التفويض الذي ستعمل به قوات الامم المتحدة، وهل ستعمل على حفظ السلام ام صناعة السلام... وهناك فرق اذ انها وتحت مسمى صناعة السلام يمكن ان تطلق النار وتتوغل في نزع سلاح حركات التمرد.

وهناك بين حقول الالغام قضية الهوتو الروانديين في شرق البلاد وهم لاجئون هاربون ولكن كابيلا الاب اقدم على تسليحهم في محاولة منه لحفظ التوازن العسكري في شرق الكونغو المتاخم لرواندا واوغندا.

ومعلوم ان للهوتو قضيتهم السياسية مع سلطة التوتسي في رواندا المسنودة بـ15 في المائة من السكان في مقابل 85 في المائة للهوتو. ولذلك فهناك من يقول ان شبح مذابح 1994 التي راح ضحيتها نحو 800 ألف من التوتسي يبدو ماثلا مع تسوية حرب الكونغو، والاشارة هنا الى قابلية اخرى وهو ان يؤدي نزع سلاح ميليشيات الهوتو في الكونغو الى دخولهم لوطنهم واشاعة الفوضى فيه.

ومع ذلك، فمجلس الامن قد بدأ رحلة الالف ميل في الكونغو، ومعه الفرقة التونسية التي ستسيطر عليها شاءت او لم تشأ كوابيس تجارب حفظ السلام في انغولا وليبيريا وسيراليون بمراراتها المعروفة.