الأميركيون خسروا «صفقة» أدبية بعد عملية تمويه شاركت فيها ابنة وزير الدفاع السوري

ناهد طلاس تشتري أصليات رواية «رحلة إلى آخر الليل» بمليون و480 ألف دولار من دون أن تدفع فلسا

TT

لم يدرك الأميركيون ان الصفقة الثمينة في عالم التحف الأدبية، في الحقيقة ليست للسيدة التي قامت بشرائها. وكانت السيدة ناهد طلاس، أرملة رجل الأعمال السوري الراحل منذ 10 سنوات، أكرم عجة، وابنة وزير الدفاع السوري، العماد مصطفى طلاس، «دفعت» في مزاد علني قبل أسبوع 11 مليوناً و184 ألف فرنك فرنسي، أي مليوناً و480 ألف دولار، ثمنا لأصلية أول رواية كتبها قبل 70 عاما كبير الروائيين الفرنسيين في القرن العشرين، لويس سيلين، المعروف بعدائه الشديد لليهود، من دون أن تكون هي الشارية فعلا، وذلك لكي تبقى التحفة في فرنسا ولا تمضي الى نيويورك. وقالت السيدة ناهد، البالغ عمرها 37 سنة، منها 20 قضتها مقيمة بين دمشق وباريس، إنها نافست في المزاد الذي نظمته دار «كريستيس» يوم الثلاثاء الماضي في العاصمة الفرنسية، من دون أن يدري الساعون الأميركيون للشراء بأنها كانت هناك كعضو في مجلس ادارة المكتبة الوطنية الفرنسية «التي لو شارك مديرها العام في المزاد، أو سواه من المسؤولين في المكتبة، لما سمح الأميركيون ببقاء التحفة في فرنسا، بل لزادوا وزادوا حتى ينتهي المزاد لصالحهم، في وقت كان المبلغ الفرنسي المخصص للشراء محدودا» وفقا لما نقلته عن لسانها من دمشق عبر الهاتف مع «الشرق الأوسط» أمس، والدتها أم فراس.

ونفت السيدة ناهد، وهي أم لابن وحيد من زوجها الراحل، عمره 15سنة، بالاضافة الى طفلة تبنتها، وعمرها الآن 5 أعوام، أن تكون قد دفعت المبلغ، المعتبر أكبر ما يدفع الى الآن ثمنا لتحفة أدبية، من جيبها الخاص لشراء 876 صفحة أصلية، هي مجموع رواية «رحلة الى آخر الليل» التي كتبها مؤلفها بخط يده في 1932 بحبر أسود، والتي قيل بأنها أهدتها في اليوم التالي للمكتبة الوطنية الفرنسية، وقالت لوالدتها: «لا، لم أتبرع بشيء. قولي لهم إن المكتبة هي التي اشترت ودفعت، لكن كل شيء تم عن طريقي. اشتريت، لكني لم أدفع» وفقا لما رغبت أن تعلمه «الشرق الأوسط» منها، بعد تعذر الحديث معها في باريس.

وكان ممثلون عن هيئات أدبية عالمية عدة، وعلى رأسهم راغبون في الشراء لصالح مؤسسات في الولايات المتحدة، قد نافسوا في المزاد لشراء الأصليات المكتوبة باليد، والتي عثر عليها قبل5 أشهر في لندن وسيط بين جامع بريطاني للتحف والناشر الفرنسي بيار بيري، وتم عرضها في ما بعد على خبراء مثمنين، حددوا قيمتها بحوالي مليون دولار، اذا ما طرحت في مزاد علني عام، الا أنها ضربت الرقم القياسي حين اشترتها ناهد طلاس بمليون و480 ألف دولار، من دون أن يزيد الراغبون الأميركيون في الشراء على ما دفعت، لظنهم أنها قد تضيفها الى مجموعة تحف أدبية وفنية سبق أن اشترتها، الى أن فوجئوا بالدلال يشترط حين رسا المزاد على المبلغ الذي دفعته، بأن تبقى حقوق ملكية الأصليات للمكتبة الوطنية الفرنسية «بناء على رغبة الشاري» فظن كثيرون من الحاضرين أن ناهد طلاس تبرعت للمكتبة بما اشترت، باعتبارها عضوا في مجلس ادارتها، من دون أن يدروا أن الشاري كان المكتبة أصلا، من ضمن تنسيق من وراء الكواليس مع ابنة وزير الدفاع السوري.

وللمقارنة، فان أصليات كتاب «العملية» بخط يد الروائي والمؤلف، فرانز كافكا، لم تحقق الا مليوناً و 200 ألف دولار تقريبا، حين باعتها دار «سوثبيز» للمزادات قبل 13 سنة. ولا حتى أصليات رواية «البحث عن الزمن المفقود» بخط يد مؤلفها، مارسيل بروست، حققت أكثر من 800 ألف دولار، حين باعتها «كريستيس» بمزاد علني في العام الماضي. أما أصليات «رحلة الى آخر الليل» المعتبرة أشهر روايات لويس سيلين، الذي ولد في 1894 بفرنسا وتوفي فيها بعد 67 سنة، فقد تدخل كتاب الأرقام القياسية هذا العام، كأغلى ما تم بيعه من تحف أدبية حتى الآن، مع أن مدوّنها بخط يده باعها لحاجته للمال في 1943 لتاجر تحف ونوادر فرنسي، اسمه ايتيان بينيو، بحوالي 10 آلاف فرنك فرنسي، بالكاد كانت تساوي ذلك الوقت ألفاً و500 دولار.. معها باع بالمبلغ أيضا لوحة صغيرة للرسام رينوار كانت في شقته بباريس.

في تلك الأصليات التي ارتفعت قيمتها أكثر من ألف ضعف بعد أقل من 6 عقود، عبارة يبدو أن أحدا لم ينتبه اليها ويعلم بها سوى ابنة وزير الدفاع السوري، الناشطة بالحقل الأدبي في العاصمة الفرنسية «حيث تدير صالونا أدبيا هناك» وفق ما قالته والدتها من دمشق، ففي رواية «رحلة الى آخر الليل» كتب لويس سيلين يقول: «حافظوا على باطنيتكم ولباقتكم، واعرفوا كيف تبدون مخدوعين، لا خادعين، لأن العالم مليء بمن يظنون أنهم على حق دائما» وهي احدى عبارات معاداته لليهود التي ميزت كتاباته دائما، الا أن المنافسين الأميركيين على شراء الأصليات في المزاد لم ينتبهوا لها، فنجحت عملية التمويه المشتركة مع دار الكتب الوطنية الفرنسية، وبقيت التحفة الأدبية في بلاد، لا تحمل ناهد طلاس جنسيتها، ولم تبصر النور فيها أيضا، لكنها استقبلتها الى الآن 20 سنة.

=