واشنطن: الأعباء الملقاة على عاتق شافيز لا توفر له وقتا لتصدير «أفكاره الثورية»

TT

يبدو ان الرئيس الفنزويلي هيجو شافيز مغرم بالظهور على شاشات التلفزيون، اذ لم يفوت فرصة كبيرة كانت ام صغيرة خلال السنتين الماضيتين من حكمه للوقوف امام الكاميرات التلفزيونية. ويستحوذ شافيز مرة في الاسبوع على الاقل على قنوات التلفزيون المحلي، ليلقي على الحضور خطبا وكلمات حول التاريخ والشؤون الراهنة، وعن الاصدقاء والاعداء او اي امر آخر يخطر على «عقله الانتقائي».

ولكن يبدو ان شافيز لم يصب توفيقا يذكر في ظهوره المتلفز في عامه الثالث عندما وعد بانه سيقود ثورة سلمية لاجل فنزويلا. فهذا الوعد الذي ولد وسط الشعارات الصاخبة، والبيريهات العسكرية الحمراء، والعهود الشعبوية، اتضح انه ليس سوى ثورة من كلام. كما ان استمراره في الكلام والقاء الخطابات الطنانة دفع خصومه السياسيين والدبلوماسيين الى الشك في صدق نيته على العمل بالديمقراطية. ومع التزامه حتى الآن بالحدود الديمقراطية، تظل اللغة التي يستخدمها لغة راديكالية، مما يدفع الفنزويليين الى النظر الى رئاسته وكأنها مسرحية لم يكتب فصلها الاخير بعد. ومنذ تسلمه الحكم في فبراير (شباط) عام 1999 اشرف شافيز على كتابة دستور جديد للبلاد، واعادة تنظيم الجهازين التشريعي والقضائي، والتخلص من نظام الحزبين السياسيين الفاسد. اما برامجه المحلية فقد جنحت عن خطها المرسوم، ولم ينفذ شافيز وعوده بشأن تحقيق اصلاح للقوانين المتعلقة بتملك الاراضي الزراعية وغيرها او اصلاح قوانين التقاعد. كما ان اضرابات العمال المتواصلة اضاعت وقتا مهما وقلصت شعبيته، فضلا عن ذلك ابدى الجيش معارضة لبرنامجه.

في الوقت ذاته، فان تصميمه على ابعاد فنزويلا عن الانسياق وراء اهداف السياسة الخارجية الاميركية، حوله الى مصدر قلق وازعاج في واشنطن. اذ ابدى شافيز صداقته للرئيس الكوبي فيدل كاسترو، وهاجم المساعدات الاميركية لمكافحة المخدرات المقدمة الى كولومبيا، ورفض منح الولايات المتحدة الاذن بالتحليق في طلعات استكشافية فوق فنزويلا. بيد انه لم يفعل شيئا يعوق تدفق النفط الفنزويلي الى الولايات المتحدة، الذي يعتبر اقوى ما يربط بين البلدين.

وحتى شافيز نفسه بدرت عنه اشارات على شعوره بالاحباط من بطء وتيرة ثورته الرامية الى اعادة توزيع الثروة الوطنية الفنزويلية، لتصب في جيوب فقراء البلاد، بدل دائرة ضيقة من اغنيائها. وفي هذا السياق، يقول: «اننا نبذل جهودا جبارة للابقاء على ثورتنا سلمية وبعيدة عن السلاح، غير اننا نواجه صعوبات جمة... وانا على قناعة انه اذا فشلت ثورتنا السلمية لسبب من الاسباب، فاننا سنتحول عنها الى ثورة مسلحة، لانه لن يكون امامنا نحن الفنزويليين غير هذا الطريق».

الإهمال الحميد وكان القلق يعتري ادارة الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون ازاء خلفية شافيز ولغة خطاباته، وعمدت الى التزام سياسة «الاهمال الحميد»، على حد تعبير مهندس هذه السياسة بعد فوز شافيز المدوي في الانتخابات الرئاسية عام 1998. وربما يتغير موقف الادارة الاميركية مع ترشيح اوتو ريتش، السفير الاميركي السابق لدى فنزويلا لمنصب مدير مكتب دائرة شؤون المنطقة الغربية في وزارة الخارجية الاميركية. وريتش، الذي يواجه معارضة داخل مجلس الشيوخ، هو في الاصل منفي كوبي يعرف عنه انه خصم لدود للحركات اليسارية في اميركا اللاتينية. ويبدو ان خلفيته السابقة التي تشمل دوره كمدير للدعاية الاميركية لجيش الكونترا (نيكاراجوا) مرشحة لاثارة الصدامات بينه وبين شافيز.

وتصدر فنزويلا يوميا 3 ملايين برميل من النفط الى الولايات المتحدة، وهي بهذا تعتبر من بين اهم الدول التي تزود اميركا بالنفط، كما انها تعاني، ومنذ زمن طويل، من مشاكل حدودية مع كولومبيا. وحملت هذه المصالح الاميركية المهمة واشنطن على التعامل بجدية مع شافيز رغم ان سكان فنزويلا يقلون عن ثلاثة ارباع سكان ولاية كاليفورنيا. كما عمل الرئيس الفنزويلي على عقد العديد من التحالفات الاستراتيجية التي تعتمد على الثروة النفطية الفنزويلية، ونال المديح لجهوده في سبيل اعادة الانضباط لمنظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) للحفاظ على اسعار مرتفعة للنفط، وحاول بعث الحياة في مجموعة دول اميركا اللاتينية الثلاث المصدرة للنفط، والمؤلفة من فنزويلا وكولومبيا والمكسيك. وظهر شافيز بمظهر الرأسمالي النشط، باستضافته رجال نفط من هيوستن، ضمن فعاليات غرفة التجارة وزيارته مصافي شركة النفط الفنزويلية في لويزيانا.

غير ان عدم الثقة يقف حجر عثرة في وجه تطوير كثير من علاقاته بواشنطن. اذ اتهم شافيز بارساله مبعوثين عنه للالتقاء سرا مع جماعات المعارضة المسلحة في بوليفيا والاكوادور، مما دفع الحكومتين المنتخبتين في هذين البلدين الى الاحتجاج وتقديم الشكاوى الرسمية. وبصرف النظر عما اذا كان يدعم الحركات الشعبوية في الدول الاخرى، الامر الذي ينكره، فان ماضيه كقائد انقلابي ومفردات خطابه الراهن المطعمة بما يصفه دبلوماسي اميركي بانه «جنون لا مبرر له» مدعاة لاثارة قلق الآخرين منه. وقال هذ الدبلوماسي ان «الاعباء الملقاة على عاتق شافيز الآن ثقيلة الى حد ينبغي الا يوفر له الوقت او الجهد لتصدير وجهات نظره او افكاره الثورية».

*خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»