عودة قوات مكافحة الشغب إلى استعمال السلاح ضد المتظاهرين في «القبائل»

TT

«ليس هناك اي مؤشر يدل على ان الاوضاع متجهة الى الهدوء»، بهذه العبارة الحازمة رد احد اعيان مدينة تيزي وزو على سؤال لـ «الشرق الأوسط» امس بشأن تطورات الوضع في منطقة القبائل، مضيفا ان «المواجهات لا تزال مستمرة وقوات الامن عادت مرة اخرى الى اطلاق الرصاص على متظاهرين يبدو انهم لا يخسرون شيئا من مواجهة قوات مكافحة الشغب بصدور عارية».

واعاد الانفلات الامني في ولايتي تيزي وزو وبجاية والمناطق المجاورة لها نهاية الاسبوع، الى الاذهان الايام الاولى لانطلاق حركة «التمرد» لشباب منطقة القبائل التي دخلت شهرها الثاني. وسجل اول من امس قتيلان في صفوف المتظاهرين وعشرات الجرحى من الطرفين بعضهم في حالة خطيرة. كما عاد الشباب الغاضب الى استعمال الزجاجات الحارقة ضد قوات مكافحة الشغب، التي عززت مواقعها في اهم محاور المدن التي تشهد غليانا شعبيا كبيرا.

وقال شهود عيان من تيزي وزو وبجاية، امس، ان الذي يزور المنطقة «يعتقد انها خرجت لتوها من حرب شاملة، الحياة العادية فيها منعدمة او تكاد». فالمحلات مغلقة والادارات العمومية لا تفتح الا ساعات معدودات في الصباح، وحركة السيارات اصبحت شبه مشلولة، ولا تكاد تهدأ منطقة حتى تنطلق الشرارة في منطقة اخرى، متظاهرون اغلبهم لا تتعدى اعمارهم الثلاثين يجوبون الشوارع ويثورون ضد كل من يشتمون فيه رائحة النظام. ففي تيزي وزو يروي رشيد ان «قوات الشرطة والدرك لا تزال تطلق الغازات المسيلة للدموع في الوقت الذي احدثك فيه، وهذا لا يزيد الشباب الا نقمة، وكأن تلك القنابل التي يطلقونها ضدنا تحمل معها طاقة متجددة». ويشير هذا المدرس الشاب في اتصال مع «الشرق الأوسط»، الى ان «الامور، هنا في تيزي وزو، انفلتت ولم يعد الشباب الثائر مستعدا لسماع اي صوت يدعوه الى الهدوء. الكثير من الشوارع سدها المتظاهرون بالمتاريس، وامام كل تجمع لقوات الامن او الدرك مجموعة من الشباب المسلح بالحجارة». ويضيف رشيد ان «مستشفى تيزي وزو صار ملجأ يستريح فيه المتظاهرون قليلا من وقع الغازات ليعودوا مباشرة الى الميدان».

وكان ممثلو واعيان مدن وقرى تيزي وزو قد اجتمعوا، اول من امس الى ساعة متأخرة من الليل، لدراسة مستجدات الوضع والبحث عن حل لعودة الهدوء الى المنطقة، وقد ندد المجتمعون، في بيان وزع امس، بما اعتبروه «استفزازا من قوات الامن» في المنطقة، واكدوا ان بحوزتهم «ادلة تثبت ان قوات الدرك والشرطة هي التي تقوم في كثير من الحالات باستفزاز الشباب». وفي هذا الخصوص تحدث احد من حضر اجتماع الاعيان ان «شهود عيان رأوا عنصرا من قوات الامن في مدينة عزازقة، وهو يتوجه نحو باقة ورد وضعها سكان البلدة في المكان الذي قتل فيه احد المتظاهرين، فهشمها برجليه، وكان ذلك كافيا لكي تندلع الشرارة مجددا». كما اعتبر اعيان تيزي وزو ان قرار الحكومة تأجيل امتحانات البكالوريا الى 28 يوليو (تموز) بدل التاريخ الاول (9 يوني ـ حزيران) يدخل ايضا في خانة الاستفزازات التي تقوم بها السلطة ضد سكان المنطقة، ونددوا في نفس الوقت بجبهة القوى الاشتراكية والحركة الثقافية البربرية (قريبة من التجمع من اجل الثقافة والديمقراطية) على الاتصالات التي أجروها مع الحكومة ووزارة التربية من اجل تأجيل تاريخ الامتحانات من دون العودة الى رأي الاعيان واولياء التلاميذ. وتضيف مصادر متطابقة ان الوضع لا يزال متدهورا نهار امس، وبصورة خاصة في مدينة تيزي وزو وكل من بني دوالة (المدينة التي قتل فيها الشاب ماسينيسا داخل مقر الدرك، وكان الشرارة التي اشعلت المنطقة قبل ازيد من شهر)، وفريحة وبوزغن التي شهدت مقتل شاب في الـ 23 من عمره وجرح ثمانية متظاهرين اخرين، اثنان منهم في حالة خطيرة.

وفي بجاية (شرق الجزائر) كانت الاوضاع امس «ملتهبة في اماكن وعلى نار هادئة في امكنة اخرى»، حسب تعبير احد الاهالي الذي اتصلت به «الشرق الأوسط». وشهدت بلدية فرعون تشييع جنازة شاب (18 سنة) قُتل اول من امس، وحضر الالاف من القرى المجاورة لها مراسيم الدفن، تحت صيحات غضب وتنديد بالسلطة والتهديد بالثأر. وفي بلدية سمعون هاجم المتظاهرون ثكنة للدرك وطالبوا من الموجودين بداخلها الخروج منها قبل ان يشعلوا النيران فيها، وقبل ذلك عمد سكان القرية الى غلق الجسر المؤدي اليها بعمود حديدي قاموا بتلحيمه على عرض الجسر. ولا تزال بلدة القصر ببجاية تشهد منذ خمسة ايام مواجهات عنيفة جدا، وتزامن ذلك مع اوامر وجهها ممثلو المجتمع المدني بإحكام القبضة على رجال الامن الذين ثبت انهم شاركوا في اهانة ابناء البلدة، ودعوا التجار الى عدم تمويل قوات الامن بالمواد الغذائية، والا سيقعون تحت طائلة عقوبات تصل الى حرق محلاتهم، وسجل في هذه المنطقة ايضا استعمال الزجاجات الحارقة، وفي بعض الاحيان كان المتظاهرون يلجأون الى تفجير قارورات الغاز التي تحدث دويا كبيرا، في وجه قوات مكافحة الشغب، وقد خلف ذلك عددا كبيرا من الجرحى في صفوفها.