وجوه متمردي الكونغو وأقنعتهم.. جماعات متعطشة للسلطة والدماء

TT

شاهد قصر موبوتو سيسي سيكو الصيفي القديم الواقع في مدينة جوما اياما افضل بكثير... فأوراق الحائط المؤطرة بالذهب تساقطت في المدخل، ولا توجد مياه لتعبئة الجاكوزي الرخامي في الحمام الذي تغطي حوائطه المرايا الذهبية الفاخرة. اذ حول المتمردون المدعومون من رواندا قصر تلك المدينة التي سيطروا عليها قبل ثلاث سنوات تقريبا الى مقر لهم، ويعقدون اجتماعاتهم «الاستراتيجية» في الحديقة التي لم تقص الحشائش بها منذ زمن بعيد.

ومن هذا المكان يتابع متمردو «التجمع الكونغولي من اجل الديمقراطية» تقدم فك اشتباك قواتهم، وتطور عملية السلام البطيئة. ومعلوم ان التجمع واحد من جماعتين متمردتين اساسيتين، فضلا عن 6 دول تقاتل في تلك المنطقة من جنوب افريقيا. ويوم الثلاثاء الماضي وافقت الجماعات الكونغولية المتحاربة على الاجتماع في شهر يوليو (تموز) القادم لمناقشة جدول اعمال المحادثات حول الحكم الديمقراطي. ويقوم وفد من مجلس الامن بجولة في المنطقة هذا الاسبوع، في محاولة لاحياء اتفاقية لوزاكا لعام 1999. وجزء اساسي من اتفاق لوزاكا هو حوار تشارك فيه جماعات المتمردين، واحزاب المعارضة والجماعات المدنية والحكومة.

وخلال مقابلة اجريت مؤخرا تحدث قادة التجمع الديمقراطي عن مستقبلهم الشخصي، وايديولوجيتهم، وحاولوا تحديد اهمية وضرورة سنوات «الثورة الدموية». لقد ادى تولي جوزيف كابيلا السلطة في الكونغو منذ حوالي ثلاثة اشهر، ورغبته في المضي قدما في عملية السلام التي رفضها والده، الى وضع الكرة في ملعب الجماعات المتمردة، الذين ادعوا منذ فترة طويلة انه لا يوجد من يتفاضون معه في كينشاسا.

وذكر دبلوماسي غربي: «ان حجة هذه الحرب تبخرت فور اغتيال لوران كابيلا.. فقد كان رجل الرفض، اما جوزيف فهو رجل الموافقة، وهو بذلك اصبح الطفل المدلل للمجتمع الدولي.. لقد ظهر المتمردون كجماعات متعطشة للسلطة.. والدماء كما كانوا دائما».

الا ان الامين العام للتجمع الديمقراطي الجنرال ازارياس روبروا يدافع عن حرب جماعته ضد حكومة كينشاسا لمدة ثلاث سنوات بقوله: «كانت الثورة هي الطريقة الوحيدة لاجراء تغيير، لم يكن من الممكن تحقيق هذه المرحلة بدونها». ويتردد ان روبروا، وهو محام رشيق رقيق الحاشية، هو الرجل القوي في قيادة التمرد. يقول: «لست جنديا.. انا دبلوماسي ومفكر، ولكنني اعرف ان الذين احتجوا عن طريق غير طريق العنف خرجوا من الصورة».

واضاف: «لا يمكنك التفاوض مع ديكتاتور»، في اشارة الى لوران كابيلا. واوضح: «هم في حاجة الى ضغوط وانذار».

وادعى زعيم المتمردين ان قوات التجمع، التي قال ان عددها يزيد على 40 الف جندي، بينما يقول المراقبون ان عددها يتراوح بين 10 الاف و20 الف جندي، لا يزالون في «مواقعهم الدفاعية»، وعلى استعداد للقتال «الى اخر رجل» اذا فشلت العملية.

والجدير بالذكر انه في منتصف التسعينات شارك روبروا والعديد من قادة التمرد في المعارك الى جانب لوران كابيلا، وساعدوه على اقصاء موبوتو، الذي اتسم عهده بانتشار فساد لا مثيل له في التاريخ الحديث، والانهيار الاقتصادي. وكانت مهمة روبروا انذاك هي كتابة الخطب، وهو الذي كتب اول كلمة لكابيلا عند توليه الرئاسة.

وذكر روبروا: «كان علي التأكد انذاك من اننا حاربنا بلا هدف». وتذكر كيف ان كابيلا حذف فقرات من الخطاب تتحدث عن ان السلطة مستمدة من الشعب. ويعترف روبروا ان الشاب جوزيف كابيلا مختلف تماما، «فهو رجل هادئ، وكان جنديا، وشخصيته جيدة.. انا اعرفه شخصيا». الا انه اضاف: «اننا نطالبه بإنهاء المرحلة الانتقالية ثم السماح بالانتخابات.. ليس لديه شرعية هنا ونحن نريد حوارا ومصالحة ومشاركة في السلطة».

ثم عطس روبروا واضاف: «سأصبح رئيسا في يوم من الايام.. اكتبي ذلك».

وقال ايضا: «نحن في حاجة لمعرفة لماذا نشعر بالبؤس هنا.. نحن في حاجة لوقف الخلط بين المال العام والخاص، وتحديد سلطات الرئيس، وتأسيس نظام للحكم الجيد وحماية اقلياتنا، وان تصبح لدينا القدرة على امداد مواطنينا بفرص للحصول على طعام وتعليم ورعاية صحية.. اذا لم نفعل ذلك، فاننا لم نحقق شيئا».

الا ان العاملين في مجال المساعدات يؤكدون ان روبروا، مثل العديد من رفاقة، يكرر تعهدات فارغة. وذكر عامل اغاثة: «ان المتمردين لم يفعلوا شيئا جيدا للسكان في الشرق، ويتحرش جنودهم الذين لم يحصلوا على مرتبات بسكان القرى، وانخفض مستوى التعليم والرعاية الصحية والطرق في المناطق التي يسيطرون عليها».

واضاف الموظف الذي طلب عدم ذكر اسمه لان الهيئة التي يعمل لحسابها لا تزال تمارس نشاطها في البلاد: «هؤلاء مجرد واجهة للروانديين، واذا كانوا يهتمون بشيء، فهو مصلحتهم الخاصة.. وهم الان يحاولون تقديم صورة مزيفة عنهم من اجل الحوار الكونغولي القادم الخاص بالسلام، ولكنهم هم السبب في العديد من المشاكل، وليس الحل».

وكان تقرير للامم المتحدة قد ادان التجمع مع عدد اخر من جماعات المتمردين، والجيوش الغازية باستغلال موارد البلاد الطبيعية ونهبها. ويرتبط اسم التجمع بعمليات استغلال معدن التانتلايت وهو معدن يستخدم في صناعة شرائح الكومبيوتر والهواتف الجوالة.

* خدمة كريستيان ساينس مونيتور ـ خاص بـ«الشرق الاوسط»