مصالحة لحود وبري والحريري «في مرحلة اختبارية»: أولى المعالجات الصراحة والحوار وثانيها كبح المعاونين

TT

لم يكن منطقياً ولا واقعياً ان يستمر التوتر السياسي بين اركان السلطة اللبنانية الذي تصاعد في الاسبوعين الماضيين منطلقاً على غاربه، فيما الدنيا من حول لبنان تشهد كثيراً من التطورات الخطيرة وفيما هذا البلد يتطلع الى اشقائه العرب واصدقائه الاجانب ليمدوا له يد العون ويخففوا عنه العجز المالي الذي يثقل موازنته واقتصاده. فالرؤساء اللبنانيون الثلاثة (رئيس الجمهورية اميل لحود ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس مجلس الوزراء رفيق الحريري) يدركون ضمناً مساوئ وسلبيات اي خلاف يحصل بينهم على لبنان داخلياً وخارجياً ولسبب او لآخر يحصل احياناً ان خلافهم يطفو كثيراً على سطح الوضع الداخلي، قبل ان يسارعوا الى معالجته. لكن الخلاف الاخير الذي شارك فيه اكثر من طرف يلوذ بهذا الرئيس او ذاك تفجر بعنف ووصل الى حد قيام احلاف سياسية استعداداً لخوض معارك اسقاط بعضهم البعض في حال ظل الخلاف على استعاره.

وفي هذه اللحظة بالذات جاءت الوساطة السورية غير المعلنة التي قام بها نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام لتؤكد مدى تحسس القيادة السورية للخطورة التي يمكن ان تنجم عن الخلافات الرئاسية اللبنانية بعدما كادت ان تصرف الانظار عن التهديدات الاسرائيلية للبنان وسورية بالويل والثبور وعظائم الامور، فكان من حظ لبنان ان يتعافى نائب الرئيس السوري سريعاً من العارض الصحي الذي اصابه اثناء القاء كلمة بلاده في ذكرى اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الاسبق رشيد كرامي. وبدل ان يغادر مستشفى النيني في طرابلس (شمال لبنان) الى بانياس حيث منزله في سورية، توجه الى بيروت ليجول على الرؤساء لحود وبري والحريري ويختلي بكل منهم على حدة ومن ثم ليجتمع بهم جميعاً في حضور رئيس جهاز الامن والاستطلاع للقوات السورية العاملة في لبنان اللواء الركن غازي كنعان وتنتهي هذه الخلوة الى فتح صفحة جديدة في ما بينهم برزت اولى ثمارها امس بصدور مرسوم فتح دورة تشريعية استثنائية لمجلس النواب تستمر من 11 يونيو (حزيران) الحالي حتى 15 اكتوبر (تشرين الاول) المقبل موعد بدء العقد التشريعي العادي الثاني لمجلس النواب. وقد حمل هذا المرسوم توقيعي رئىسي الجمهورية ومجلس الوزراء حسب الاصول الدستورية.

وعلى رغم التكتم الشديد على ما دار في اللقاء الرئاسي الذي رعاه خدام، فإن ثمة انطباعاً تكوّن لدى الاوساط اللبنانية مفاده ان الايام المقبلة ستشكل اختباراً لقدرة الرؤساء الثلاثة على ترجمة ما تصارحوا به وتصالحوا عليه، وكذلك قدرتهم على كبح جماح بعض المعاونين والمؤيدين الذي يخلطون احياناً بين مصالحهم الشخصية ومواقف الرؤساء الامر الذي يعقد الامور ويعوق معالجة الخلافات التي تنشأ.

على انه في الامكان التأكيد ان كلاً من لحود وبري والحريري قد قال جزءاً كبيراً مما لديه من مآخذ على الآخر، بل انه يمكن الافتراض او التكهن ان بعضهم قال انه لا يجوز ان يترك اي خلاف رئاسي يمكن ان يحصل نهباً لاهواء ومصالح هواة الصيد في الماء العكر .

لكن المؤكد مما شاع من اجواء ايجابية حول ما دار في اللقاء وانتهى اليه، ان لحود وبري والحريري لا يمكنهم ان يستمروا في الخلاف وكذلك لا يمكنهم ان يتعاونوا وفق المبدأ الدستوري القائم بـ «فصل السلطات وتوازنها وتعاونها» وان يستمروا في الحكم جنباً الى جنب في السلطة اذا ظلت الخلافات تعصف في ما بينهم. واذا كانت طبيعة النظام اللبناني الديمقراطي هي التي تؤدي بالخلافات الى الظهور على سطح الوضع عكس غالبية الدول العربية، ويجد بعض المسؤولين في ذلك ظاهرة طبيعية، فإن الاصح هو ان الدول الاجنبية تنظر الى هذه الخلافات على انها تعبير عن وجود دولة مفككة مقطعة الاوصال، وكل ما فيها يعود اسلاباً ومغانم للمرجعيات والقوى السياسية المتناحرة. ولا يستبعد ان تكون هذه الخلافات سبباً من اسباب استنكاف دول ومؤسسات اجنبية عن الاستثمار في لبنان او تقديم القروض او الدعم له في مختلف المجالات المالية والاقتصادية.

لذلك فإن بعض الاوساط العليمة في شؤون الخلافات الرئاسية تعتبر ان بداية العلاج الذي ساعدت دمشق على ايجاده ينبغي ان يقوم اولاً على الفصل بين هذه الخلافات وممارسة الرؤساء الثلاثة صلاحياتهم الدستورية المتصلة بشؤون البلد والناس بحيث لا تعطل هذه الخلافات عمل اي مؤسسة دستورية او اي وزارة او ادارة لخدمة الناس. ويقوم ثانياً على ان تكون العلاقات الرئاسية مرنة وصريحة وواضحة بحيث يعتمد الرؤساء الثلاثة المصارحة في التعاطي مع بعضهم البعض بعيداً عن اي باطنية سياسية. وعندما ينشأ اي خلاف يعالج بحوار صريح وواضح في ما بينهم، يدلي كل منهم خلاله برأيه وصولاً الى النتيجة المرجوة.

وفي اي حال، يقول احد الوزراء لـ «الشرق الأوسط» ان العلاقات الرئاسية «دخلت في مرحلة اختبارية علينا انتظار ما ستنتهي اليه. فإذا توقفت الخلافات الرئاسية يمكن التأسيس لمرحلة جديدة. واذا لم تنته فإن الوساطة السورية ستتجدد عبر نائب الرئيس السوري او غيره من المسؤولين السوريين».