عقوبات إدارية خفيفة ضد الجنرال الفرنسي المعترف بجرائم تعذيب في الجزائر

TT

بانتظار ان تبدأ الملاحقة القضائية فعليا بحق الجنرال الفرنسي بول اوساريس بسبب اعترافاته المفصلة عن ارتكابه اعمال تعذيب وتصفيات جماعية ابان حرب الجزائر، فان التدبير الاداري الوحيد الذي اتخذ بحقه حتى الآن يقضي، وقف المرسوم الذي وقعه امس رئيس الجمهورية جاك شيراك، باحالته الفورية على التقاعد.

وجاء هذا التدبير بناء على اقتراح وزير الدفاع آلان ريشار وتنفيذا لقرار اتخذ بالاجماع في اطار المجلس الاعلى للقوات الارضية الفرنسية التي يتبع لها الجنرال اوساريس، البالغ من العمر 82 عاما.

والمضحك ـ المبكي في هذه الاجراء انه يتناول جنرالا ترك الخدمة الفعلية منذ سنوات طويلة وهو يتبع ما يسمى، في اللغة العسكرية الفرنسية، «الرتبة الثانية»، وتضم هذه الفئة جنرالات الجيش الفرنسي الذين تركوا الخدمة الفعلية وقد اوجدت لهم لادامة استفادتهم من الخدمات والامتيازات العائدة لكبار الضباط.

ومن الناحية العملية، لا تعني احالة اوساريس على الاحتياط سوى حرمانه من ارتداء بزته العسكرية الرسمية. وقد حرص الناطق باسم الحكومة الفرنسية، امس، على التذكير بان مثل هذا التدبير لم يتخذ بحق ضابط فرنسي منذ اكثر من عشرين عاما.

غير ان هذه العقوبة الشكلية التي لا تحرم اوساريس لا من مرتبه ولا من الامتيازات الاخرى، ليس ما تسعى اليه الهيئات والمنظمات التي تريد ملاحقة اوساريس قضائيا. كما انها تريد عبر هذه المحاكمة دفع فرنسا الى الاعتراف بمسؤولياتها عن المجازر والتعذيب وانتهاكات حقوق الانسان التي ارتكبتها القوات الفرنسية ابان حرب الجزائر.

غير ان طريق القضاء حتى الآن، لم تسفر بعد عن اي اجراء ملموس. ففي اواسط الشهر الماضي، رفض المدعي العام الفرنسي جاك ـ بيار دنتياك ملاحقة اوساريس بتهمة ارتكاب جرائم بحق الانسانية واكتفى بفتح تحقيق تمهيدي بحق اوساريس بتهمة «تمجيد جرائم الحرب». ويعتبر المدعي العام الفرنسي ان تهمة «جريمة بحق الانسانية» غير ثابتة.

وكانت الفيدرالية الدولية لحقوق الانسان قد تقدمت بطلب محاكمة الجنرال اوساريس بهذه التهمة وتبعتها في ذلك حركة مناهضة العنصرية والصداقة بين الشعوب (MRAP). فضلا عن ذلك، فان رابطة حقوق الانسان وارملة احد ضحايا اوساريس تقدمتا بدعوى مشابهة.

وتعتبر هذه الجهات ان القانون الفرنسي يتيح ملاحقة اوساريس رغم رفض الادعاء العام وذلك عن طريق تقديم شكوى وتشكيل جهة مدعية وهو الامر الذي قامت به.

يبقى الجانب السياسي في هذه المسألة، اي اعتراف السلطات الفرنسية بمسؤولياتها عما حصل في حرب الجزائر من مجازر وبشائع. ويبدو حتى الآن، ان ثمة شبه اجماع فرنسي لرفض تقديم اعتذار للجزائر او التعبير عن «التوبة». وجل ما يقبله المسؤولون الفرنسيون الذين يرغبون بطي هذه الصفحة سريعا، هو «البحث عن الحقيقة التاريخية» بحيث يتحول الى عمل باحثين ومؤرخين ولا يستدعي بادرات على المستوى السياسي الرسمي.