الأحزاب البريطانية وقضايا السياسة الخارجية.. واللجوء

TT

في ما يلي اهم ملامح القضايا الخلافية بين الاحزاب البريطانية الرئيسية الثلاثة: «العمال ـ المحافظون ـ الديمقراطيون الاحرار» في الانتخابات التي ستجري اليوم، ومواقف هذه الاحزاب منها، ومحاور الخلاف والاتفاق حولها: كانت السياسة الخارجية البريطانية في عهد اللورد تشاتام في القرن الثامن عشر تعتمد على مبدأ الربح والخسارة في اللعبة الدولية، إلا أن هذا المبدأ قد تغير في عهد وزير الخارجية الحالي روبن كوك الذي أعلن في عام1997 أن السياسة الخارجية البريطانية يجب أن تتخذ أبعادا أخلاقية. لكن كوك أعلن في الأيام الأخيرة للقرن العشرين أن حكومات العالم أخذت تعترف بأن المصالح الأحادية الجانب ربما تكون لها مردودات عكسية، لذلك فإن السياسة الخارجية الجديدة يجب أن تكون «متنورة»، بمعنى أنها تأخذ بنظر الاعتبار النتائج المحتملة لتأثيراتها على البلدان الأخرى.

ووصف نقاد الحكومة ووسائل الإعلام هذا الإعلان الأخير بأنه تحول في السياسة الخارجية السابقة، وأنه المسمار الأخير في نعش السياسة الخارجية الأخلاقية التي طبل لها في بداية حكم العمال عام1977. وأدخل العمال السياسة الخارجية الأخلاقية ضمن سياسة الحكومة على اثر تورط حكومة المحافظين السابقة في بيع أسلحة لدول تحكمها انظمة مستبدة، مما دفع حزب العمال، الذي كان في المعارضة آنذاك، إلى اتهام الحكومة بتلطيخ السياسة الخارجية بتعاملات قذرة على حساب مسؤولية بريطانيا تجاه الأسرة الدولية.

وعند تسلم العمال للسلطة أعلن كوك أن حق البريطانيين في التمتع بالحرية يأتي مصحوبا بالتزام منهم لدعم حقوق الإنسان، وبالطبع لاقي هذا الإعلان ترحيبا واسعا بين منظمات حقوق الإنسان العالمية...لكن حكومة العمال لم تلتزم بحذافيره.

وبناء على هذا المبدأ أنشأ رئيس الوزراء الجديد وزارة جديدة في حكومته أسماها وزارة التنمية الدولية، بينما أعلنت وزارة الخارجية بأنها ستصدر تقريرا سنويا عن حقوق الإنسان. وحظيت حكومة العمال على استحسان منظمة العفو الدولية على دورها في السعي لإقامة محكمة دولية لملاحقة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية. كذلك تحدثت حكومة بلير، بالاشتراك مع إدارة الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون، عن مبدأ جديد هو التدخل باسم حقوق الإنسان أثناء أزمة كوسوفو.

وتقول هيئة الاذاعة البريطانية في موقعها على شبكة المعلومات الدولية «الانترنت»: «ان سياسة الحكومة سرعان ما تعرضت لانتقادات حادة من جمعيات حقوق الإنسان لموافقتها على بيع طائرات لإندونيسيا، وعلى الالتزام بمبيعات الأسلحة لزيمبابوي التي أبرمتها حكومة المحافظين، وكذلك على تعاملها مع المحتجين أثناء زيارة الرئيس الصيني جيانج زيمين، إذ اعتقلت الشرطة عددا منهم. وتعرض رئيس الوزراء العمالي توني بلير للانتقاد على علاقته الوثيقة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتن، وهو المسؤول عن التدخل المثير للجدل في الشيشان».

وبينما تنفي الحكومة أيا من هذه الاتهامات فإن جمعيات حقوق الإنسان تتساءل عن مصير ما رددته حكومة بلير عن السياسة الخارجية الأخلاقية.

وأكد روبن كوك على أن سياسته الخارجية يجب أن ينظر إليها على أنها دبلوماسية من أجل الديمقراطية، مما أثار الشكوك بأنه تخلى عن سياسته الأخلاقية السابقة. وتحدث كوك في خطاب في مطلع العام الماضي عما أسماه بالتعامل النقدي مع البلدان الأخرى، وهذا يعني التعامل مع هذه البلدان من دون أن يكون هناك أي أوهام حول طبيعة الأنظمة التي يتم التفاوض معها، وتضر الحكومة مثل إرسالها للجنود البريطانيين إلى سيراليون باعتباره دعما لحقوق الناس العاديين في سيراليون بالقوة العسكرية، غير أن سلف روبن كوك المحافظ، مالكوم ريفكيند، يقول إن الحكومة العمالية قد تخلت عن السياسة الخارجية الأخلاقية وإن كل الذي يقوله روبن كوك هو أن الحكومة سوف تتبع سياسة أخلاقية إذا كان ذلك في مصلحة بريطانيا، أما إذا كان التدخل غير عملي فليس لأحد أن يتوقع منها أن تتدخل، وهذا لا يختلف كثيرا عن السياسة التي اتبعتها الحكومات السابقة. بينما شن حزب الديمقراطيين الأحرار هجوما عنيفا على حزب العمال واتهمه بالتخلي عن السياسة الأخلاقية التي بشر بها في السابق لكن حزب المحافظين، على النقيض من الحزبين الآخرين، ذهب بعيدا في الدعوة بإنشاء مكتب لشؤون الكومنولث والخارجية والتجارة يسعى إلى تركيز الدبلوماسية البريطانية على المنافع التي يمكن أن تحصل عليها التجارة البريطانية من السياسة الخارجية، ويسعى المحافظون إلى تشجيع بلدان المتوسط والديمقراطيات الحديثة على الانفتاح التجاري ومزاولة التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي عبر اتفاقيات تجارة حرة أو شراكة، كما يؤيد المحافظون إقامة شراكة تجارية أوروبية مع شمال أفريقيا. لكن الحزب يعارض إقامة أي علاقات مع إيران طالما تؤيد الحكومة الإيرانية ما يسميه الحزب بالمجموعات الإرهابية التي تسعى لاكتساب أسلحة متطورة.

ويؤيد حزب العمال عملية السلام في الشرق الأوسط ويرغب في دور بريطاني وأوروبي أكثر فعالية في المنطقة، وبخصوص العراق يقول حزب العمال إنه يسعى إلى مراجعة العقوبات المفروضة على العراق واستبدالها بعقوبات أخف وطأة على الشعب العراقي. ولا يوجد أي اختلاف في سياسة الأحزاب البريطانية الأخرى في هذا الاتجاه، وتتفق على معظم توجهات السياسة الخارجية البريطانية مع مختلف بلدان العالم.

قضايا اللاجئين تعتبر قضية اللجوء من القضايا الشائكة في بريطانيا، وتتعامل الأحزاب البريطانية بحذر وبحزم في نفس الوقت معها، وعادة ما تتبادل المعارضة والحكومة الاتهامات حول التشدد أو التساهل مع طالبي اللجوء. فقد أصدرت حكومة العمال قانونا حول اللجوء قالت إنه يجعل نظام اللجوء قويا وسريعا وعادلا. كما تبنت نظاما يحرم اللاجئين من المساعدات النقدية ويقدم لهم كوبونات يتمكنون بها من شراء الغذاء والحاجيات الضرورية من متاجر معينة، كذلك خصصت الحكومة مبلغ 600 جنيه استرليني للتعجيل في طلبات اللاجئين، ووعدت بالنظر في طلبات اللجوء خلال شهرين بحلول عام 2004. أما حزب المحافظين فإن برنامجه الانتخابي لعام2001 يقول إن لبريطانيا تقليدا يمتد قرونا من الزمن بتوفير ملاذ آمن للاجئين الحقيقيين، غير أن حزب العمال حول بريطانيا إلى هدف سهل لمهربي اللاجئين مما تسبب في امتلاء البلد باللاجئين الاقتصاديين غير الحقيقيين. ويقترح حزب المحافظين احتجاز اللاجئين في أماكن تتمتع بحراسة مشددة عندما يقدمون من بلدان تعتبرها الحكومة مأمونة، كما يطالب بالإسراع في النظر في طلبات اللجوء، على أن تشمل الرفض المباشر لكل المتقدمين بطلبات اللجوء القادمين من بلدان تعتبر مأمونة. أما حزب الديمقراطيين الأحرار فيطالب بإلغاء الكوبونات المقدمة لطالبي اللجوء وإلحاق اللاجئين بنظام الضمان الاجتماعي، كما يؤيد الحزب تغيير نظام التمويل الخاص باللاجئين كي يأتي التمويل من الحكومة المركزية بدلا من المجالس البلدية.