«حرب المخالفات والغرامات» بين بلدية نيويورك والبعثات الدبلوماسية

بعثات 3 دول عربية ارتكبت 29 ألف مخالفة مرور ولم تدفع أكثر من مليوني دولار كغرامات

TT

بالسلاح الناعم يدور منذ سنوات خلاف يحتد من وراء ستار، قماشه من حرير، بين بعثات دبلوماسية تمثل دولها عبر القنصليات أو في الأمم المتحدة، وبينها عدد من الدول العربية، وبلدية أكبر مدينة أميركية، وهي نيوريورك المكتظة بأكثر من 17 مليون نسمة. فمصلحة المرور فيها تطالبهم بلا طائل بأن يدفعوا غرامات بملايين الدولارات عن مخالفات مرورية ارتكبوها بسياراتهم هناك، الا أنهم يتجاهلون اشعاراتها ولا يدفعون، لأنهم مدججون في حرب المطالبة والتحصيل بسلاح رادع يجعل السيارة دبابة: لوحة زرقاء، مصنوعة من معدن الحصانة الدبلوماسية.

لكن مصلحة المرور لا تستسلم، وهي ترد بعمليات خاطفة وتزعج أحيانا بسلاح من بيانات وأخبار تنشرها عمن يتعامل من الدبلوماسيين مع السيارة في هذا الزمان بشوارع نيويورك، وآخرها لائحة أصدرتها اول من أمس عن البعثات الدبلوماسية الأكثر ازعاجا بسياراتها في المدينة، والأكثر ارتكابا للمخالفات، وفيها احتلت البعثة المصرية المرتبة الأولى، وتلتها بعد نيجيريا الكويت، ثم المغرب في الدرجة السابعة.

مع ذلك، فان دبلوماسيا عربيا في المدينة يقول: «لا، لم تصبح نيويورك بعد مربض خيلنا، ولا مرآبا لسياراتنا، انما هي مبالغاتهم في مصلحة المرور، والحساب غير ما يقولون، وكذلك الأسباب بالتأكيد» وفق تعبير هشام الغانم، المسؤول عن الملف الاعلامي في البعثة الكويتية بالأمم المتحدة.

وكانت «الشرق الأوسط» تحدثت أمس عبر الهاتف الى الغانم، المقيم هناك منذ 4 سنوات، ليبرر المنشور مع «لائحة المزعجين» من توابع وهوامش أوضحت بالأرقام عدد مخالفات المرور التي ارتكبها أعضاء كل بعثة عربية، ومعها مجموع قيمتها، وهو يبدو مذهلا. وحسب لائحة بلدية نيويورك فان البعثة المصرية مثلا، وهي المؤلفة من 40 شخصا، بينهم 15 دبلوماسيا، ارتكبت بسيارات أعضائها حتى أواخر العام الماضي 15 ألفا و924 مخالفة مرور، قيمة غراماتها مليون و630 ألفا و181 دولارا. الا أنها لم تدفع منها سوى 965 دولارا فقط. أما البعثة الكويتية، المؤلفة من 30 عضوا، بينهم أكثر من 10 دبلوماسيين، فارتكبت سياراتهم حتى أواخر العام الماضي 8 آلاف و775 مخالفة، وصلت غراماتها التي لم تدفع حتى الآن 981 ألفا و571 دولارا، فاحتلت بذلك المرتبة الثالثة في القائمة. في ما ارتكبت البعثة المغربية، وهي من 18 شخصا، بينهم 6 دبلوماسيين، ما جعلها تحتل المرتبة السابعة في لائحة «البعثات العشر الأكثر ارتكابا لمخالفات المرور» أي 5320 مخالفة، غراماتها 554 ألفا و750 دولارا، دفعت منها 920 دولارا.

الغانم: الحق على الشارع ويقول هشام الغانم إن المشكلة «هي في الشارع 44 الذي تقع مكاتبنا فيه» لأنه ضيق وقصير، بالكاد يبلغ طوله 150 مترا. وهو مزدحم وفيه كنيسة وفندق «يو. ان. بلازا» وفيه مركز لليونيسيف، وحوالي 4 عمارات سكنية، ويعتبر الأقرب الى مقر الأمم المتحدة في نيويورك، لذلك احتلت مصر ونيجيريا والكويت، المرتبات الثلاث الأولى في القائمة، باعتبار أن بعثاتها هي الوحيدة بين البعثات التي تقع مكاتبها في الشارع.

وذكر أن مصلحة المرور خصصت مواقف لسيارات الدبلوماسيين فيه «الا أنها قليلة، لا تفي بالغرض، من أجل ذلك نضطر أحيانا الى ايقاف سياراتنا في مواقف غير مخصصة للدبلوماسيين، فيأتي شرطي الشارع ويحرر بها غرامة، وهكذا هي الحال» .

* كم موقفا لسياراتكم في الشارع؟

- لنا موقفان فقط، الا أن سياراتنا تزيد على 17 سيارة تقريبا.

* يقولون إنكم تتركون السيارات في الشارع كيفما كان؟

- إنهم يبالغون، فنحن والمصريون والمغربيون من الأكثر تهذيبا مع السيارة. تعال بنفسك واشهد، وسترى أن أكثر من ثلثي المخالفات غير صحيح.

* كيف تثبت ما تقول؟

- قانون المرور هنا يتيح للشرطي بتحرير غرامة ضد السيارة المخالفة كل نصف ساعة، وهذا هو السبب الأول في كثرة عدد مخالفاتنا. في احدى المرات، وكان ذلك العام الماضي، اضطررت لايقاف سيارتي في مكان غير مخصص لها بالشارع، وبعد أن عدت وجدت أن الشرطي استهلك كل دفتر الغرامات بحقها.. حرر بالسيارة 36 مخالفة مرور في يوم واحد، وهذا غير معقول.

* هل هناك غيرها؟

- من أسبوع كانت سيارتي قرب بيتي في الشارع 44 بالمدينة، وفي المكان المخصص لها. وعندما خرجت لأقودها رأيت شرطيا يحرر بها غرامة، فسألته عن السبب طالما السيارة في مكانها المخصص لها، فأجابني بأن هذا المكان ليس للدبلوماسيين، وعندما أشرت له الى اللوحة المشيرة في الشارع بأنه لهم، قال إن المصلحة أخطأت بوضع هذه اللوحة، ثم تابع وحرر المخالفة وأنا أتفرج، وهذا غير معقول أيضا.

* تقصد أن مصلحة المرور تتربص بكم بشكل خاص؟

- لم أقل ذلك، لكني أعتقد أنهم كلما مروا بأزمة مالية، يعودون الى اللحن نفسه.. يريدون قبض الغرامات.

* ستدفعونها ؟

- لا أدري، انما كلفنا محاميا ليتعامل مع الأزمة، لعله يتوصل الى حل يرضي.

* أي حل يرضيكم ؟

- الغاؤها بالمرة وتخصيص المزيد من المواقف لسياراتنا في الشارع.

* أفهم من كلامك بأنكم لن تدفعوا، ولماذا لا تشترون أنتم والمصريون والنيجيرون مرآبا خاصا بسياراتكم في الشارع؟ هذا أفضل ويريحكم من الخلافات مع البلدية.

- هذا يحتاج الى قرار، والمشكلة لا تستدعي ذلك. يمكنهم تخصيص مواقف أخرى للدبلوماسيين وتنتهي المخالفات بالتأكيد.

* من هو الأكثر مخالفة في البعثة الكويتية.

- أنا أكثرهم مخالفة للمرور، وقد يكون السبب أنني الوحيد الذي أملك سيارة بين أعضائها، والباقي يستخدم سيارات نستأجرها من الشركات.

* ومندوب الكويت في الأمم المتحدة، محمد أبو الحسن، ألا يخالف كثيرا أيضا؟

- بالتأكيد لا، فسائقه من الملتزمين، ولم يسبق أن حدثت مشكلة.

* بماذا تفسر وصفكم بـ «مزعجين» من قبل مصلحة المرور؟

- كيف نكون مزعجين، ونيويورك تستفيد بأكثر من 6 مليارات دولار من البعثات الدبلوماسية لأكثر من 190 دولة؟ هذا غير معقول.

* ما مصروفكم الشهري كبعثة كويتية؟

- الرقم ليس بحوزتي تماما، ولكنه يزيد على 150 ألف دولار شهريا، ونحن على أي حال نصرف القليل، نسبة لغيرنا.

وأكد الغانم بأن أعضاء البعثات يحترمون مصلحة المرور في نيويورك والعاملين فيها، ولا يستغلون حصانتهم كسلاح لعدم الدفع، وأكبر دليل على ذلك هو تكليف البعثة الكويتية لمحام سيسعى الى حل المشكلة، المتفاقمة حتى الآن بسلاح الأوراق والاشعارات واللوحات الدبلوماسية.