أزمة صامتة بين واشنطن وموسكو حول تسريب روسيا مواد نووية إلى إيران

TT

اشار المسؤولون الاميركيون والروس الى وجود خلافات بين بلديهما بشأن اتهامات اميركية واسرائيلية تقول ان موسكو سمحت بتصدير شحنة من الالومنيوم شديد القوة والذي يمكن استخدامه في صناعة اليورانيوم الناضب الى ايران. واوضح المسؤولون ان واشنطن وموسكو تبادلتا سلسلة من الرسائل الدبلوماسية بشأن مزاعم اميركية واسرائيلية عن ارسال روسيا شحنة من الالومنيوم على متن سفينة الى ايران عبر البحر الاسود في اليوم التالي لتنصيب الرئيس الاميركي جورج بوش في 20 يناير (كانون الثاني) الماضي.

وطبقا للرواية الاميركية فإن المفتشين الروس صعدوا الى السفينة وتوصلوا الى ان بداخلها الالومنيوم المخصص لصناعة الطائرات، وسمح للشحنة بالتوجه الى ايران.

ولم يعرف مصدر الالومنيوم الا ان المسؤولين الاميركيين قالوا ان العقد تم ترتيبه من قبل تاجر معادن روسي. واضاف المسؤولون ان الولايات المتحدة واسرائيل تملكان ادلة على ان الالومنيوم سلم الى مؤسسات ايرانية مرتبطة بما يعتقدون انه مشروع اسلحة نووية ايراني. جدير بالذكر ان شحنة الالومنيوم هذه تعتبر الاخيرة ضمن سلسلة من النزاعات حول الانتشار النووي التي اثرت على العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا في السنوات الاخيرة.

وذكر المسؤولون الاميركيون انه من المتوقع ان يثير الرئيس الاميركي جورج بوش هذه القضية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اول لقاء بينهما اليوم في العاصمة السلوفينية ليوبليانا.

واشار مسؤول كبير في الادارة الاميركية الى ان العملية خطيرة، في اشارة الى المخاوف من ان ايران تجري بعض التجارب حول الطرق المختلفة لتخصيب اليورانيوم بهدف انتاج مواد يمكن استخدامها في صناعة قنابل نووية.

واعرب المسؤولون الاميركيون عن شكوكهم في ان سبائك الالومنيوم التي سلمت الى ايران ستستخدم في صناعة المراوح التي تستخدم في عمليات الطرد المركزي وتؤدي الى فصل اليورانيوم المخصب، الامر الذي ينتج سلسلة من ردود الفعل للتفجير النووي. ويقول الخبراء الاميركيون ان ايران حاولت الحصول على تكنولوجيا «الطرد المركزي» بالاضافة الى تكنولوجيات اخرى لليورانيوم المخصب، خلال العقد الماضي في اطار جهودها لبناء قنبلة نووية.

وكانت روسيا قد وافقت، تحت ضغط شديد من ادارة الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون عام 1995، على وقف خططها لبيع ايران جهازا للطرد المركزي. وحينها تعهد الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين لكلينتون بأن روسيا لن تمد ايران بتكنولوجيا اليورانيوم المخصب.

الجدير بالذكر ان جهود الحد من الانتشار النووي تتعرض لضغوط عنيفة بسبب ان العديد من هذه المواد يمكن ان تكون لها استخدامات عادية مثل صناعة الطائرات، كما يوجد جدل مشروع حول الهدف من شحنة معينة. وذكر سيرجي يكيموف، وهو مسؤول في الكرملين للاشراف على الصادرات، ان روسيا قدمت ردودا كثيرة الى الولايات المتحدة تتعلق بشحنة الالومنيوم، التي توجهت الى ايران من ميناء سفاستوبول الروسي على البحر الاسود، الا انه رفض الادلاء بتفاصيل اكثر من ذلك، مشيرا الى حساسية القضية.

وطبقا لمعلومات المسؤولين الاميركيين فقد بحثت كوندوليزا رايس مستشارة الامن القومي موضوع شحنة الالومنيوم مباشرة مع نظيرها سيرجي ايفانوف عندما كان رئيسا لمجلس الامن في الكرملين قبل ان يصبح وزيرا للدفاع. وقدم ايفانوف لها تعهدا مكتوبا مفاده ان الالومنيوم سيدخل في صناعة طائرات. كما قدم بوتين ردا مماثلا الى رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ايهود باراك خلال مكالمة هاتفية جرت في 7 مارس (اذار) الماضي قبل ان يترك هذا الاخير منصبه، طبقا لما ذكرته مصادر رسمية. وتفيد المصادر ان وزير الخارجية الاميركي كولن باول اثار الموضوع ايضا مع نظيره الروسي ايغور ايفانوف.

وقال المسؤولون ان الشحنة تمت بترتيب من تاجر معادن روسي، مما قد يعني ان الحكومة الروسية لم تعلم بالموضوع. الا ان المسؤولين الاميركيين انقسموا بخصوص ما اذا كان الروس تعمدوا تضليل الولايات المتحدة حول طبيعة الشحنة، او انهم كرروا معلومات خاطئة حصلوا عليها من المسؤولين الكبار في موسكو.

وذكر خبراء الشؤون النووية ان الحصول على كميات كافية من المواد الانشطارية هو العائق الاساسي الذي يواجه دولا مثل ايران، في صناعة اسلحة نووية. وتشير محاولات ايران المستمرة للحصول على تكنولوجيا التخصيب والمواد المرتبطة بها الى انها لم تتمكن من شراء، او سرقة، المواد الانشطارية من الاسواق السوداء العالمية التي تعتبر اقصر طريق لصناعة القنبلة النووية.

وبالاضافة الى جهاز الطرد المركزي، ابدت ايران اهتماما بشراء معدات «ليزر» يمكن ان تستخدم في فصل النظائر. ففي العام الماضي وافقت موسكو، طبقا لمعلومات المسؤولين الاميركيين والروس، على وقف خطط لبيع ايران تكنولوجيا الفصل الليزري التي تعاقدت ايران على شرائها مع «معهد ايفرموف» في سانت بطرسبرغ التابع لوزارة الطاقة النووية الروسية.

وقال المسؤولون الروس انهم وافقوا على وقف هذه العملية «كبادرة حسن نوايا» على الرغم من انهم لم يعتقدوا انها ستساهم بأي درجة من الدرجات في البرنامج النووي الايراني. وفي الوقت الذي اعترف فيه الخبراء الاميركيون ان المعدات الروسية قادرة فقط على انتاج كميات قليلة من اليورانيوم المخصب، فانهم يخشون من احتمال حصول ايران على وسائل جديدة لاستخدام المعدات بطريقة اكبر او كجزء من برنامج اكثر طموحا لـ«الفصل الليزري».

وبالمقارنة بتكنولوجيا «الفصل الليزري» يعتبر «الطرد المركزي» الطريقة المؤكدة للحصول على كميات مهمة من اليورانيوم الممكن استخدامه في صناعة الاسلحة. الا ان خبراء الشؤون النووية يعتقدون ان الامر ليس سهلا على الاطلاق بالنسبة لبلد مثل ايران لبناء مصنع «للطرد المركزي» بدون مساعدة خارجية واسعة النطاق. وذكر جاري ميهولين من «مشروع ويسكنسون للتحكم في الانتشار النووي»، وهو مؤسسة غير ربحية «يمكننا التصور ان الايرانيين لديهم تصميمات خاصة بجهاز للطرد المركزي، لكنه لا يزال من الصعب بالنسبة لهم صناعة الاجزاء وتشغيل الجهاز بحيث لا ينفجر». واضاف: ان ايران لم تشكف ما اذا كان يمكنها تحويل امداداتها الكبيرة من اليورانيوم الى غاز سادس الفلوريد لتشغيل جهاز «الطرد المركزي» ويشير معظم الخبراء الاميركيين سواء في الادارة او خارجها، الى ان ايران لا تزال في مرحلة الابحاث والتطوير لبناء جهاز «طرد مركزي غازي». وتجدر الاشارة الى ان انتاج مواد كافية لصناعة قنبلة نووية تحتاج الى عدة الاف من اجهزة «الطرد المركزي» تكون مرتبطة ببعضها البعض. وتعمل اجهزة «الطرد المركزي» على مبدأ قوة الطرد الناجمة عن مراوح تدور بسرعة ازيد من سرعة الصوت، بحيث تدفع «اليورانيوم 238» الى حائط الحاوية وتترك «اليورانيوم 235» الخفيف في وسط الحاوية.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»