الجزائر العاصمة تستيقظ على خسائر جسيمة خلفتها المواجهات

TT

استيقظ سكان العاصمة الجزائرية، امس، ليكتشفوا مدينة حزينة زادتها عطلة الجمعة لمسة من الوحشة والفراغ. شوارع شبه خالية وأحاديث الناس لا تخلو من التعليق على الخسائر التي خلفتها مسيرة سكان منطقة القبائل، اول من امس، وتحولت الى مواجهات دامية اختلفت التقديرات بشأن الضحايا التي خلفتها.

لم يغادر المتظاهرون «القبائل» العاصمة مساء أول من امس إلا بعد ان تركوا أجزاء كبيرة منها ملتهبة ومحطمة، وكانت اكبر الخسائر وسط العاصمة، وبصفة خاصة في محيط ساحة اول مايو (المكان المقرر لانطلاق المسيرة الى القصر الرئاسي)، وايضاً على طول الطريق السريع الشرقي، الذي جاء منه المتظاهرون ومنعتهم قوات مكافحة الشغب من مواصلة الطريق راجلين للالتحاق برفقائهم الذين كانوا قد دخلوا في مواجهات مع عناصر الشرطة. الكثير من العاصميين الذين التقتهم «الشرق الأوسط» صباح امس وليلة الخميس، في كثير من المناطق التي مستها احداث الشغب استغربوا من فظاعة وحجم الخسائر. وتساءل سائق في انتظار انتهاء شاحنات الشرطة من فتح الطريق وازاحة السيارات المشتعلة وسط الطريق، «أية قوة كانت تحرك هؤلاء، كم تمنيت ان أرى كيف يلوي هؤلاء هذه الأعمدة (اعمدة الإنارة العمومية) ويسقطونها ارضاً وكأنها أجسام من ورق».

ولعل اكبر الخسائر المادية هي تلك التي أحدثها المتظاهرون في مستودع سيارات كورية على مدخل العاصمة، وذكرت مصادر من الشركة ان أزيد من 400 سيارة التهمتها النيران، اضافة الى اصابة مديرها بكسر إثر اشتباك مع بعض المتظاهرين عندما كانوا يحطمون احد أسوار الشركة ليخرجوا منها السيارات ويشعلوا النار في تلك التي بقيت هناك. وقد بقي الطريق شبه مغلق الى ساعة متأخرة من صباح امس، بسبب قيام مصالح التنظيف بمسح آثار الحريق وإزالة هياكل السيارات.

في شارع ديدوش مراد كانت «بصمات» شباب القبائل بارزة على لوحات بعض الشركات العمومية. من الجهة الموازية للطريق السريع الشرقي، وفي منطقة الحامة بالتحديد، إذ بدت نوافذ فندق فخم مهشمة ومعها زجاج مقر إدارة ميترو العاصمة، الذي لم يسمع سكان العاصمة أزيزه بعد، رغم ان الأشغال انطلقت به منذ أزيد من عشرين سنة.

عطلة يوم الجمعة قضاها كثير من سكان العاصمة الذين لم يتوجهوا الى البحر، في التجوال ومعاينة آثار المسيرة السلمية التي تحولت فجأة الى أعمال تخريب. تعليقات كثيرة كان يصدرها الناس وهم يرون بنايات عمومية تحولت الى خراب، منهم من تذكر مظاهرات انصار «الجبهة الاسلامية للانقاذ، قبل عشر سنوات ومنهم من استعاد ذكريات أحداث اكتوبر (تشرين الأول) عام 1988، حيث تحولت الجزائر البيضاء (وصف يطلق على العاصمة) وكثير من المدن الجزائرية الى أماكن سوداء.

المصادر الرسمية لم تصدر لحد الآن أية حصيلة جديدة عن الأحداث، لكن مصادر مختلفة تحدثت عن ارتفاع عدد الموتى، من بينهم ثلاثة متظاهرين، على الأقل، لقوا حتفهم في مستشفى العاصمة ومتظاهر آخر قضى في حادث مرور، وهو من سكان مدينة تيزي وزو. وذكرت مصادر طبية ان «الكثير من الجرحى لم يغادروا بعد مستشفى مصطفى باشا الجامعي».

وذكر بيان لصحيفة «البلاد» ان الصحافي عادل زروق (متعاون)، قد شيعت جنازته ظهر امس في مدينة براقي قرب العاصمة، وكان وزير الثقافة والاتصال محمد عبو قد زار مقر جريدة «الشروق» وعدة صحف في داري الصحافة بالقبة وأول مايو وقدم تعازيه لما أصاب العائلة الصحافية.

في حين أعلن بيان لوزارة الداخلية انها استدعت مدير مكتب وكالة الأنباء الفرنسية، وطلبت منه تفسيرات عن الخبر الذي نشرته بخصوص اطلاق الرصاص على المتظاهرين، وهو الخبر الذي كذبه الأمين العام لنفس الوزارة في تصريح تلفزيوني عند انتهاء المسيرة.

وعلى صعيد تطور الأحداث في منطقة القبائل، عقب عودة المتظاهرين اليها، ذكرت مصادر متطابقة ان اشتباكات حصلت بين الشباب وقوات مكافحة الشغب في مدينة تيزي وزو ليلة اول من امس واستمرت الى غاية الواحدة من صباح امس غير ان الأمور هدأت في الصبيحة.