سياسيون جزائريون يحذرون من تجاهل المسببات الحقيقية للأزمة الحالية

TT

البحث قائم عن كلمة يمكن ان تصف وصفا دقيقا ما يحدث في الجزائر اليوم.

ففي الاسابيع الخمسة الماضية شهدت مدن جزائرية بما فيها الجزائر العاصمة مظاهرات صاخبة شارك فيها الملايين. وفي الوقت ذاته قتل عدة اشخاص، من بينهم صحافيان في مصادمات بين المتظاهرين وقوات الامن. وفي بعض المظاهرات تدهورت الامور الى مشاهد من عدم احترام القانون وعمليات سرقة ونهب. فأول من امس نهب المتظاهرون الغاضبون في العاصمة عدة محلات ومؤسسات وفنادق. والاهم من ذلك، هاجم المتظاهرون مركزا لشركة نفط في سور الغزلان. وهي المرة الاولى التي تستهدف فيها صناعة الطاقة في الجزائر من قبل المتظاهرين.

وقال مصطفى بوهادف، وهو من زعماء جبهة القوى الاشتراكية المعارضة «ان ما نشاهده اليوم ليس عرضا عاديا للغضب. لقد ضاق الشعب الجزائري ذرعا من الاعذار، وهم يطالبون بتغيير صادق لنموذج مجتمعنا».

والامر الذي يبدو واضحا هو ان سلسلة المظاهرات الحالية لم تكن وليدة تخطيط المنظمات السياسية التقليدية، اذ ان «جبهة القوى الاشتراكية» ومنافسها «التجمع من اجل الثقافة والديقراطية» يحاولان السيطرة على الجماهير ولكنهما فشلا حتى الآن. كما فشلت محاولات بعض قادة اليسار مثل رحماني شريف ولويزة حنون في تقديم درجة من القيادة. كما فشلت محاولات الجماعات الاسلامية في اختراق المظاهرات، فالشعارات التي رددها المتظاهرون والميثاق الذي يضم 15 نقطة الذي تم الاتفاق عليه في العاصمة امس هو ميثاق علماني ديمقراطي. وفي الواقع امكن خروج هذه المظاهرات لان معظم الجزائريين يعتقدون ان تهديد استيلاء الاصوليين على السلطة لم يعد قائما. واوضح الصحافي الجزائري رزقي شريف «ان الناس تعلم ان المسلحين الاصوليين هزموا وانه ليست لديهم اية فرصة للاستيلاء على السلطة بالقوة. وهذا هو السبب وراء اعتقاد الكثيرين ان الوقت حان لاصلاح النظام لذاته بدلا من العثور على أعذار بخصوص المسلحين الاصوليين».

وفي الواقع يعتقد العديد من المحللين الجزائريين ان السلطات هي التي تبقي قضية المسلحين الاصوليين نشطة كوسيلة للامتناع عن الاصلاحات المطلوبة. وقال سعيد سعدي زعيم التجمع من اجل الثقافة والديمقراطية ان «ما نشاهده الآن هو انفجار تلقائي». وحذر من ان «السلطة ستخطأ خطأ كبيرا اذا اعتقدت ان ما يحدث ليس اكثر من لحظة غضب». ويتفق رئيس الوزراء الجزائري الاسبق احمد غزالي مع وجهة النظر تلك. فقذ ذكر «لقد عاشت الجزائر طوال العامين الماضيين في فراغ سياسي. وكان من المحتم ان بعض القوى ستحاول ملء هذا الفراغ. وغياب القيادة في البلاد ادى الى نقل النشاط السياسي الى الشارع، مما ادى الى عواقب لم يكن من الممكن التكهن بها». ويقدم رئيس الوزراء الاسبق مولود حمروش الذي انهارت حكومته بعد احداث مماثلة اواخر الثمانينات تحليلا مماثلا. فقد ذكر ان «الجزائر تعاني مما يبدو من غياب كامل للحكومة على القمة. وعندما يتعلق الامر بالحكومة على المستويات الدنيا الخاصة بالحياة اليومية، فكل ما يراه المواطن هو الغرور والفوضى والفساد وعدم الكفاءة». كما لا يمكن وصف المظاهرات بانها «مؤامرة» من الحزبين القبائليين للانفصال. ومن المؤكد ان سلسلة الاضطرابات الحالية انطلقت في منطقة القبائل بعدما اطلقت الشرطة النار على تلميذ. وفي الاسابيع الماضية انتشرت موجة السخط عبر البلاد. وقد وقعت واحدة من اكبر المظاهرات المعادية للحكومة في وهران عاصمة الغرب الجزائري التي ظلت هادئة طوال الحقبة الماضية. وقد ركز الرئيس بوتفليقة على تحسين صورة الجزائر في الخارج وانفق ثلث وقته تقريبا في رحلات في قارات العالم الخمس. ويقر اصدقاؤه ان الوقت حان ليبقى في البلاد لفترات اطول ويركز اكثر على تطوير اجندة سياسية واقتصادية واجتماعية. المؤكد هو الاستقرار النسبي الذي تحقق في النصف الثاني من التسعينات يكاد ينهار.

هل يعيد التاريخ نفسه في الجزائر؟ هل سيؤدي العنف الحالي في الشوارع الى تغييرات في قمة السلطة؟

لا توجد اجابة سهلة. لقد تغيرت الجزائر جذريا في العقد الماضي. ويضم الجيش الآن جيلا جديدا من الضباط الذين لا يرغبون في الانخراط مباشرة في العمل السياسي. وحتى اذا قررت القيادات العسكرية ازاحة بوتفليقة فمن الصعب تصور كيف يمكنهم الاتفاق على خليفة له. او عما اذا كان مثل هذا الخليفة مقبولا او غير مقبول من الشعب الذي يشعر بغضب شديد. والاهم من ذلك هو ان الاحزاب السياسية والمنظمات التي كانت قادرة على توجيه بعض الغضب الشعبي نحو حركة منظمة اصبحت الآن محل شكوك. والبرلمان ايضا اصبح هو الآخر محل شكوك، ولا سيما مجلس الامة الذي شهد مناورات سياسية طفولية واستقالات في الاسابيع القليلة الماضية. وبكلمة اخرى لا يوجد تفاعل ملموس بين الدولة والجماهير، وهو وصفة لكارثة.