قاض أميركي: فرنسا جعلت عائلة المغربي كريم كمال «كبش فداء»

أرجأ أسبوعا منح العربي الذي تلاحقه باريس اللجوء السياسي

TT

يقول كريم كريستيان كمال، المواطن الفرنسي من أصل مغربي انه عمل لسنوات عديدة على فضح الفساد الفرنسي وفضح عصابة تتاجر بالأطفال أوقعت ابنته في شراكها. وترد عليه السلطات الفرنسية بالقول انه «كذاب خطف ابنته وأحضرها الى منزله في كاليفورنيا بطريقة غير شرعية». من جهتها تقول سلطات الهجرة الأميركية انه يجب ترحيل كمال الى فرنسا.

الا ان رئيس احدى محاكم الهجرة في لوس انجليس أصدر حكماً لم يسبق له مثيل أصاب السلطات المختصة في البلدين بالدهشة. فقد قضى الحكم الذي يتوقع ان يعلن رسمياً الأسبوع المقبل بمنح كمال اللجوء السياسي، كما انتقد بشدة النظام القضائي الفرنسي.

جاء الحكم غير مألوف. فمواطنو غرب أوروبا يندر ان يحصلوا على اللجوء السياسي في اميركا التي تمنحه عادة لأولئك الذين يستطيعون إثبات تعرضهم للملاحقة أو «خشيتهم المؤكدة» من الملاحقة اذا ما عادوا لبلدانهم. وهو مطلب يصعب حتى على المهاجرين من دول ذات انظمة استبدادية الحصول عليه بسهولة.

وجاء في حيثيات الحكم: «تتوفر في أسلوب ملاحقة الحكومة الفرنسية عناصر قوية من الانتقام الشخصي والأخذ بالثأر». واستنتج القاضي رونالد اواتا، في حكمه، ان فرنسا أدانت كمال بشكل خاطئ لمعاقبته على مساعيه من أجل كشف الفساد القضائي، مضيفاً انه سوء استخدام واضح للسلطة من قبل اشخاص يسيطرون، ولديهم علاقة ما، ضد اشخاص آخرين يشعرون انهم خارج سيطرتهم».

كان للحكم وقع الصدمة في فرنسا ـ الدولة التي يتباهى زعماؤها بتقليد احترام حقوق الانسان الذي يعود لقرون عديدة من الزمن الى درجة ان جريدة «لوموند» اليومية ذات النفوذ الواسع، خصصت للخبر حيزاً في صفحتها الأولى. وفي ثناياها نشرت الجريدة رسماً كاريكاتوريا يصور قاضياً فرنسياً وأمامه عبارة «مطلوب» باللغة الانجليزية.

زعم كمال انه بينما كان يعيش في فرنسا مع أسرته، ورطت زوجته السابقة ابنتهما في نشاط لحساب عصابة تتاجر بالأطفال، يرعاها رجال قضاء وشرطة في مدينة نيس الواقعة على الريفييرا الفرنسية. وهذه المزاعم كان لها وقعها في فرنسا عندما طرحت علناً قبل خمسة أعوام مضت إذ قامت الحكومة الفرنسية في بادئ الأمر بمقاضاة عدد من الصحف التي نشرت مزاعم المتاجرة بالأطفال.

وفي واشنطن قال ريمي ماريكواكس، الناطق باسم السفارة الفرنسية ان باريس ليس لديها اي تعليق فوري على الحكم الأخير، فيما امتنع المسؤولون الأميركيون عن التعليق ايضاً على القرار أو في ما اذا كان من المحتمل استئناف قرار منح اللجوء غير المعتاد.

أما كمال، البالغ من العمر 39 عاماً، والذي قال انه الان يعمل في مجال استيراد اللؤلؤ للولايات المتحدة من جزيرة بورا بورا الفرنسية الواقعة في المحيط الهادي، فقد بدت مشاعره مختلطة. إذ قال انه سعيد للقرار، لكنه يشعر بالاحباط لأن هذه القضية أعاقته ولسبع سنوات من رؤية ابنته لوريان، البالغة من العمر الان 12 عاماً وتعيش في فرنسا مع زوجته السابقة. وأضاف كمال، الذي كان يتحدث خارج المبنى الذي جرت فيه المحاكمة بوسط مدينة لوس انجليس: «هذا القرار يجعلني مسروراً من ناحية، لكنه من ناحية أخرى يصيبني بالحزن لأنه كان يجب ان تكون لوريان معي هنا».

كانت برفقة كمال شقيقته المحامية دليلة كمال غريفين، المواطنة الأميركية التي تعمل لحساب شركة محاماة مقرها مدينة سانتا مونيكا وتخصصت في تعقيدات النظام القضائي الفرنسي وهي مثل بقية افراد العائلة، تعرضت للملاحقة القضائية في فرنسا بتهم كان يمكن ان تقضي بسببها خمسة أعوام في السجن.

في نص الحكم، أخذ القاضي اواتا بما طرحه كمال، والمتعلق بأنه كان مستهدفاً بسبب أصله المغربي حيث اوضح القاضي في حكمه الذي صدر خلال ديسمبر (كانون الأول) الماضي لكنه لم يسلم لكمال سوى قبل اسبوعين: «في هذه الحالة لدينا عائلة تتعرض للملاحقة القضائية ـ وهي عائلة عربية ـ عائلة اصبحت كبش فداء».

تدور الحكاية التي يعود تاريخها لما يقرب من عقد من الزمن، حول نزاع على حضانة الطفلة بين كمال وزوجته السابقة ماري بييرغويو، التي كان والدها عضواً سابقاً في أعلى المحاكم الفرنسية وانتحر عام 1990 لأسباب لم تتكشف بعد.

ووفقاً لما طرحه كمال فان وفاة والد زوجته السابقة ساهم في تحطم زواجه. إذ بدأ هو وهي اجراءات الطلاق خلال عام 1991 عندما كانت ابنتهما في الثانية من عمرها. لكن ومع تشعب القضية أصبح النزاع علنياً وتطور ليصل الى مزاعم متعلقة بسوء تربية الطفلة.

وقال كمال، مدير المبيعات السابق في شركة لصناعة الأدوية بفرنسا، ان زوجته السابقة هددته واستغلت اتصالاتها لكي يتعرض للمضايقة من قبل الشرطة ولكي يمنع من اللقاء بابنته.

من جانبها نفت الزوجة السابقة ان تكون قد ارتكبت فعلاً مشيناً. واتهمت كمال باستخدام العنف ضدها وبخطف لوريان وبعدم دفعه لمصاريف الطفلة. وهي الاتهامات التي ينفيها كمال.

وفي ما اعتبره عملاً ناتجاً عن الاحباط، قال كمال انه جاء الى الولايات المتحدة مع طفلته في ابريل (نيسان) من عام 1994. وقد تقدم بطلب اللجوء السياسي لنفسه ولابنته.

ووفقاً لرواية كمال، الموثقة في ملفات المحكمة، فقد كشف طبيب نفسي على ابنته، واستمع لما تعرضت له من استغلال جنسي. وقالت الطفلة للطبيب النفسي انها تعرضت لسوء المعاملة من عديدين بينهم رجال شرطة ومحققون في نيس.

وبعد شهرين من ذلك التاريخ، اقتحم مسؤولون فرنسيون وأم الفتاة وجدتها لأمها ـ يرافقهم اثنان من رجال المباحث في مدينة سانتا مونيكا ـ منزل كمال واصطحبوا الطفلة معهم في ما وصفها كمال بـ«الاختطاف».

يذكر ان محكمة فيدرالية كانت قد أصدرت حكماً ينص على ان رجال شرطة سانتا مونيكا تصرفوا بشكل سليم عندما أعادوا الطفلة لوالدتها. لكن المحكمة قالت ان الضباط دخلوا البيت بشكل غير قانوني.

وقد تمكن كمال وعائلته من استصدار اوامر قضائية عاجلة من المحكمة الفيدرالية ومن الولاية تمنع اعادة الفتاة الى فرنسا، حتى ان مكتب التحقيقات الفيدرالي (اف. بي. آي) تمكن من منع لوريان من السفر على رحلة الطيران الفرنسي المتجهة الى باريس من مطار لوس انجليس الدولي. لكن الأم وجماعتها تمكنوا في نهاية المطاف من العودة بالفتاة الى فرنسا عبر المكسيك.

اما كمال فقد بقي في الولايات المتحدة منذ ذلك الحين. وقد جرى الحكم عليه غيابياً في فرنسا بتهم الاختطاف وارتكاب اخطاء.

* خدمة «لوس انجليس تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»