مصر : هدوء نسبي بعد صدامات بين شبان أقباط والشرطة والأنبا يؤنس يؤكد ان ذهاب البابا لوادي النطرون قرار شخصي

تعليمات للشرطة بالتعامل بهدوء مع المتظاهرين ورئيس تحرير «النبأ» يحاول إعادة إصدار صحيفته

TT

أعادت سلطات الأمن المصرية الهدوء النسبي الى ساحة الأحداث المتفاعلة داخل الأوساط القبطية، بعدما اغلقت منطقة العباسية الواقع بها مقر الكاتدرائية الارثوذكسية بالقاهرة فجر أمس، على خلفية مظاهرات غاضبة قادها عدد من شباب الأقباط احتجاجاً على ما اعتبروه تراجعاً حكومياً عن قرار اغلاق صحيفة «النبأ» التي نشرت السبت الماضي صوراً فاضحة لراهب مخلوع واعتبره الأقباط مساساً بدينهم.

وكان عدد من الأقباط حاول الخروج من مقر الكاتدرائية في مظاهرة جماهيرية مساء اول من امس احتجاجاً على الموقف مما اضطر سلطات الأمن التي طوقت الكنيسة الى محاولة التصدي لهم ونتج عن ذلك بعض الاحتكاكات التي أسفرت عن اصابة 70 من رجال الأمن والمتظاهرين معاً باصابات سطحية وعلى اثر ذلك لجأت سلطات الأمن لاخلاء المقر البابوي من المتظاهرين تماماً ومنعت دخوله وفرضت طوقاً أمنياً مشدداً على المنطقة.

وعلم ان تعليمات مشددة صدرت لقوات الشرطة بعدم الاقدام على دخول مقر الكاتدرائية والاكتفاء برد الفعل تجاه المتظاهرين الغاضبين وعدم استخدام الاسلحة النارية أو طلقات الخرطوش والاكتفاء بمنع المحتجين من الخروج الى الشارع تلافياً لحدوث صدامات عنيفة متنوعة يخشى من تحولها الى مواجهات بين المسلمين والأقباط الذين كانوا يحملون صلباناً خشبية ضخمة ويرددون «بالروح بالدم نفديك ياصليب».

وحسب مصادر قبطية داخل الكنيسة فإن أحد أسباب تصاعد الأحداث داخل الكنيسة المصرية كان امتناع بطريرك الكرازة المرقصية البابا شنودة الثالث عن إلقاء محاضرته الاسبوعية مساء أمس الأول في وقت احتشدت فيه جموع كبيرة من الأقباط للاستماع الى البابا خاصة حول رؤيته وجهوده لحل الأزمة، غير ان امتناع البابا وورود معلومات الى الكنيسة بأن القرار الرسمي لاغلاق الصحيفة لم يصدر بعد رغم الاعلان عن اغلاقها أديا الى زيادة سخونة الأحداث وتصاعدها على نحو مغاير.

وفاقم الأمر الاعلان عن ذهاب البابا الى دير وادي النطرون عنصر تصعيد آخر إذ انه معروف بين الأقباط أن توجه البابا الى وادي النطرون يكون للغضب وأداء الصلوات أملاً في حل الأزمة خاصة في ظل معلومات عن أن البابا مصاب بحالة إحباط واعياء شديدين من جراء تصاعد الأحداث.

وأكدت مصادر قبطية قريبة من البابا ان امتناع البابا عن لقاء محاضرته كان بناء على طلب أمني خوفاً من حالات التجمهر داخل الكنيسة التي قد لايؤمن عقباها في حالة تفاعل الأمر الى حدود أخرى، غير ان سكرتير البابا الأنبا يؤنس خرج الى جموع المتظاهرين وأخبرهم ان البابا توجه الى دير وادي النطرون في خلوة دينية منذ الصباح، وان هذا القرار هو قراره وليس قرار الأمن وان الهدف منه هو حمايتهم خشية ان يندس في وسطهم مغرضون يشعلون الموقف، إلا ان المتظاهرين علت هتافاتهم ضد صاحب جريدة «النبأ» في وقت حاول فيه بعض المتظاهرين الخروج من المقر البابوي للتوجه الى مقر جريدة «النبأ» للاعتداء عليها وعلى صاحبها الذي أساء الى رجال الكنيسة.

في غضون ذلك أصدر مركز الكلمة لحقوق الانسان الذي يرأسه المحامي القبطي ممدوح نخلة بياناً أعرب فيه عن ارتياحه للخطوات الايجابية التي اتخذتها الحكومة حيال الأزمة الطائفية التي سببتها جريدة «النبأ» بنشرها أخبار ملفقة وغير صحيحة عن دير المحرق بصعيد مصر وما نسبته لأحد الرهبان المعزولين بممارسة الجنس في الدير مما سبب حالة من الغليان في صفوف الأقباط الذين خرجوا بمظاهرات صاخبة في القاهرة وبعض المدن الأخرى.

ونوه المركز بالجهود التي بذلها الأمن المصري في الأزمة وتعامله بحياد تام مع الأحداث وعدم اللجوء الى العنف وكذلك عدم القبض على أي من المتظاهرين علاوة على قيام مباحث أمن الدولة بمصادرة معظم الاعداد الموجودة من جريدة «النبأ» فور صدورها يوم الاحد الماضي وكذلك مصادرة جريدة «آخر خبر» والتي تصدر عن نفس المؤسسة ومنع طباعة عدد يوم الثلاثاء مما كان له مردود طيب في نفوس الاقباط وتهدئة مشاعرهم.

تبدأ محكمة أمن الدولة طوارئ بمحكمة عابدين بمصر بعد غد الأحد اجراءات محاكمتها لرئيس تحرير صحيفة «النبأ» المستقلة ممدوح مهران في تهم بث دعايات مثيرة والتحريض بطريق النشر على بغض طائفة والازدراء بها في واقعة نشر صور إباحية لراهب مخلوع من الكنيسة المصرية يوم السبت الماضي.

كما بدأ المجلس الأعلى للصحافة اجراءات قضائية لإلغاء ترخيص الصحيفة الذي بدأ صاحبها من ناحيته تحركاً قانونياً مضاداً وطالب النائب العام التدخل للحد من مضايقات السلطات المعنية والتي منعت اصدار الصحيفة.

وكان المجلس الأعلى للصحافة بدأ في اعداد ملف متكامل عن مخالفات دار «النبأ» للصحافة والنشر تمهيداً للتقدم غداً بدعوى قضائية عاجلة الى محكمة القضاء الاداري تطالب بإلغاء الترخيص الممنوح لصاحبها ممدوح مهران.

وعلم ان الملف يتضمن الى جانب المخالفات القانونية المنسوبة للدار والتي اعتبرها المجلس خرقاً لمواد قانون الصحافة تقارير أخرى تتعلق بتجاوزات ميثاق الشرف الصحافي على مدار عامين حيث دأبت صحيفتا «النبأ» و«آخر خبر» على نشرها لموضوعات تخل بنطاق الأداب العامة وتثير الفتن وتحرض على الرذيلة.

من جانبه بدأ مهران هجوماً مضاداً إذ تقدم ببلاغ الى النائب العام المستشار ماهر عبد الواحد يلتمس فيه سرعة اتخاذ الاجراءات القانونية المناسبة والكفيلة باتاحة الفرصة للصحيفة لمعاودة الصدور، متهماً السلطة التنفيذية بتبني تدابير غير قانونية منعت الصحيفة من الصدور رغم عدم وجود أسباب قانونية أو أحكام قضائية تتيح لها هذا الحق.

وفي غضون ذلك بدأ العاملون في الصحيفة اعتصاماً واضراباً عن الطعام داخل مقرها الرئيسي في منطقة أبي رواش الصناعية غرب محافظة الجيزة المتاخمة للعاصمة القاهرة واعلن الصحافيون استمرار اعتصامهم الى حين اصدار الصحيفة واحتجاجاً على «قطع أرزاقهم».

من جهتها بدأت نقابة الصحافيين اعداد ملف آخر عن مخالفات ممدوح مهران باعتباره عضواً في النقابة تمهيداً لتقديمه الى لجنة التحقيق القانونية التي تضم في عضويتها نائب رئيس مجلس الدولة، وعلم من مصادر النقابة بوجود اتجاه قوي لفصل مهران من العضوية بسبب مخالفات قانونية منسوبة له تتجاوز خرق ميثاق الشرف الصحافي وتمتد الى جوانب ادارية ومهنية أخرى تتعلق بنصوص قانون نقابة الصحافيين.

وعلى صعيد ذي صلة حذرت لجنة الثقافة والاعلام بالبرلمان المصري من المساس بحرية الصحافة وعدم تحميل الصحافة المصرية تبعات الجريمة التي ارتكبتها صحيفة «النبأ» المستقلة في حق الوحدة الوطنية وميثاق الشرف الصحافي، وأكدت اللجنة في اجتماعها أمس ان خطأ صحيفة «النبأ» فردي يجب أن تتحمل عقابه بمفردها، ولا يجب ان ينصرف الى القاعدة العريضة من الصحافة المصرية التي تلتزم بالقانون، وتمارس حرية الصحافة في اطار احترام التقاليد والآداب العامة وحرمة الأديان وميثاق الشرف الصحافي، مشيدة بدور الصحافة المصرية في تنوير الرأي العام وتبني القضايا الوطنية والدفاع عن الحقوق والحريات في إطار من الحرية المسؤولة التي تفرق بين ما هو متاح للرأي العام وما هو خاص لا يجب الاقتراب منه في إطار الحياة الخاصة لأفراد المجتمع.

وأكدت اللجنة أهمية استمرار الثقة في الصحافة المصرية وعدم التلويح لها بفرض أي قيود جديدة تؤدي الى ارتعاش الأقلام خاصة في هذه الفترة الحرجة التي يخوضها الوطني في تجفيف منابع الفساد التي ساعدت الصحافة في الكشف عنها، مشيرة الى ان صحيفة «النبأ» لاتمثل إلا نفسها فقط، بدليل استنكار كافة الصحف المصرية تصرفها الشنيع الذي كاد يشعل فتيل الأزمة بين قطبي الأمة.

ونبه الأعضاء على ضرورة منح نقابة الصحافيين دور أكبر في السيطرة على «سوق الصحافة» في إطار تعديل قانوني سلطة الصحافة ونقابة الصحافيين، لضبط الأداء، كما طالب الاعضاء بتحرير أجهزة الاعلام والصحافة من السيطرة الحكومية والسماح للقطاع الخاص بتملك الصحف، وضمان حرية اصدارها بدون تعقيدات روتينية خاصة في ظل حكم المحكمة الدستورية العليا والذي قضى بإلغاء سلطة مجلس الوزراء على اصدار الصحف الخاصة والمستقلة.

كما طالب الاعضاء بتعديل قانون الصحافة وتنظيم قانون العقوبات لإلغاء العقوبات المقيدة للحريات في الجرائم التي تقع بواسطة الصحف، واستبدالها بغرامات مالية، وأشار الأعضاء الى ضرورة التأكيد على تطوير اسلوب الأداء الاعلامي بما يحقق حرية التعبير عن الرأي وسرعة نشر الخبر ودقته، والتعبير عن الثقافة العربية والاسلامية، وبناء الهوية الاسلامية الوطنية في نفوس الشباب، والحفاظ على الوحدة الوطنية، وعدم محاكاة الاعلام الغربي لما له من خطورة على السلوكيات العامة.

وأدان الاديب المصري نجيب محفوظ، الحائز جائزة نوبل للأدب عام 1988، وعدد من المثقفين المصريين امس «الفتنة الطائفية» التي اثارها مقال صحيفة «النبأ».

واكد هؤلاء في بيان انهم «يدينون بشدة ما قامت به صحيفة «النبأ» الصفراء من اعتداء آثم على المشاعر الدينية والآداب العامة للمجتمع في هذه الفترة الدقيقة والحساسة التي تمر بها المنطقة».

وطالب البيان بـ«عدم الاكتفاء بمحاسبة رئيس تحرير الصحيفة المذكورة، بل الكشف عمن يقف وراء هذا العبث المريب المدبر الذي يستهدف اللعب بالنار، لانه يعرض مبدأ المواطنة الذي دافعت من اجل ترسيخه كل فصائل الحركة الوطنية المصرية منذ فجر النهضة للاهتزاز».

ومن الموقعين على البيان الامين العام للمجلس الاعلى للثقافة، الناقد جابر عصفور، والمفكرون انيس عبد العظيم ومحمود امين العالم ونوال السعداوي، والروائيون ابراهيم اصلان وصنع الله ابراهيم وجمال الغيطاني وبهاء طاهر ومحمد البساطي والشاعر عبد الرحمن الابنودي.