بشار الأسد: «بديهي» أن تنسحب القوات السورية من لبنان ولا بد أن يكون هناك اعتراف بإسرائيل كنتيجة للسلام

TT

أكد الرئيس السوري بشار الأسد في حديث تلفزيوني مع القناة الفرنسية الثانية أذيع من دمشق امس ان وجود القوات السورية في لبنان هو «وجود مؤقت» وأن من «البديهي» ان هذه القوات ستنسحب من لبنان. إلا انه اوضح ان موعد انسحابها «مرتبط بالظروف الداخلية اللبنانية وبالظروف الاقليمية»، وأكد ان المعني المباشر في هذا الموضوع هما القيادتان العسكريتان في لبنان وسورية.

وقال الأسد ان لمنطقة الشرق الأوسط «مصلحة في عملية السلام وليست مجرد حالة عاطفية او نظرية»، وأعرب عن اعتقاده بأنه سيأتي يوم، عاجلاً أم آجلاً، «يكون هناك سلام حقيقي ومستمر». وأوضح انه بعد تحقيق هذا السلام العادل والشامل، وكنتيجة له، «لا بد أن يكون هناك اعتراف باسرائيل عندما تكون هي قادرة على ان تقدم سلاماً حقيقياً».

وفي ما يلي نص المقابلة:

* سيادة الرئيس، سؤالي الأول مرتبط بالمستجدات: الجيش السوري يعيد انتشاره منذ بضعة أيام في لبنان. هل ستكون هناك انسحابات أخرى للقوات السورية من لبنان؟

ـ ما حصل هو اعادة انتشار للقوات السورية في لبنان، وهذا يخضع لاعتبارات تقنية يقوم بها العسكريون في البلدين، في سورية وفي لبنان. طبعاً هو يخضع بشكل مباشر لقرار القيادتين السياسيتين في البلدين، وهناك تنسيق بين المؤسسات بشكل مستمر حول هذه المواضيع، طبعاً المعني المباشر في هذا النوع من العمل هما القيادتان العسكريتان في كلا البلدين.

* سيادة الرئيس، هل يمكن للجيش السوري ان ينسحب بشكل كامل في يوم من الأيام من لبنان؟

ـ بكل الأحوال، عندما دخل الجيش السوري الى لبنان دخل من أجل مهمة محددة. وفي كل الخطابات والتصريحات التي صدرت عن مسؤولين سوريين في الماضي وفي الحاضر وعلى رأسهم الرئيس حافظ الأسد لم يُذكر أي شيء مناقض لما يدل على ان بقاء القوات السورية هو بقاء مؤقت ينتهي بانتهاء مهمة هذه القوات في لبنان. فإذاً بكل الاحوال وبالمختصر وجود القوات السورية في لبنان هو وجود مؤقت حتماً.

* إذاً الجيش السوري سينسحب في يوم ما من لبنان.. هل تعتبرون ان هذا اليوم قريب؟

ـ اولاً، هذا بديهي، لأن الجيش السوري مكان عمله الأساسي هو حدود الجمهورية العربية السورية. أما عن موعد الانسحاب فهو مرتبط بالظروف الداخلية اللبنانية وبالظروف الاقليمية، وهذا الشيء كما قلت هناك تنسيق مستمر بشأنه بيننا وبين المؤسسات اللبنانية، وايضاً القيادة اللبنانية، حول هذا الموضوع وحول المعطيات السياسية والعسكرية وغيرها الموجودة في المنطقة والتي من الممكن ان تؤثر على وجود هذه القوات او عدم وجودها.

* أنتم معنيون بشكل مباشر بشؤون هذه المنطقة من الشرق الأوسط. هل تظنون انكم ستوقعون يوماً ما على اتفاق سلام مع اسرائيل وتعترفون بها؟

ـ طبعاً نحن نتوقع ما نأمل به سواء كقيادة سورية او كشعب سوري أو كشعب عربي، بشكل عام لم يمر يوم إلا ونتحدث فيه عن السلام ونعمل فيه من اجل السلام، فإذاً هذا هو هدفنا، والهدف هو الأمل، وبالتالي هذا الأمل الذي هو حالة معنوية له ايضاً أساس في الواقع هو أن المنطقة لها مصلحة في عملية السلام وليست مجرد حالة عاطفية او نظرية، لنا مصلحة جميعاً في هذه المنطقة بأن يكون هناك سلام حقيقي ومستمر وبالتالي سيأتي يوم، بحسب اعتقادي، عاجلاً أم آجلاً، يكون فيه سلام ويكون فيه استقرار، وكنتيجة طبيعية لهذا السلام العادل والشامل وكنتائج لهذا السلام الذي يأتي بعد عملية سلام عادلة ومتوازنة وبعد توقيع اتفاقية سلام ايضاً متوازنة لا بد ان يكون هناك اعتراف باسرائيل عندما تكون هي قادرة على ان تقدم سلاماً حقيقياً.

* هل أنتم مستعدون للتوقيع على اتفاق مع اسرائيل والإقرار بوجود دولة اسرائيل في يوم من الأيام؟

ـ انا قلت هذا الشيء بشكل واضح. في حال كان هناك سلام عادل وشامل يعيد الحقوق الى أصحابها كافة في المنطقة، فمن الطبيعي ان يكون هناك اعتراف، أي علاقات عادية، علاقات طبيعية كأي علاقات بين أي دولتين، أو شعبين في المنطقة.

* هل تظنون انه يمكنكم توقيع هذا الاتفاق مع رئيس الوزراء الاسرائيلي آرييل شارون؟

ـ اولاً، نحن لا ننظر الى الاتفاق على انه الهدف، كما قلت الهدف هو السلام، ولنأخذ مثالاً، تم توقيع العديد من الاتفاقيات بين اطراف عربية واسرائيل، هل حققت هذه الاتفاقيات السلام؟ فإذاً علينا ان نفرق بين اتفاقية سلام وبين سلام. السلام هو الواقع، أما اتفاقية السلام فهي أداة من أدوات عملية السلام، وهي الأداة الأهم في تحقيق السلام. فاذا كانت هذه الأداة متوازنة كما قلت قبل قليل، فمن الطبيعي ان يكون هناك سلام متوازن، فإذاً هناك أسس معينة لعملية السلام.

بالنسبة للأشخاص في اسرائيل نحن لا نهتم بهذا الموضوع. من هو الشخص، نحن لا نتدخل في مواضيع اسرائيلية، هي لا تعنينا، نحن قضيتنا هي قضية حقوق وهذه الحقوق اعترفت بها دول العالم من خلال الأمم المتحدة ومن خلال قرارات مجلس الأمن طبعا وتصويتها على قرارات مجلس الأمن او من خلال الاعلان المباشر.

كل دول العالم أقرت هذه الحقوق. فإذاً الطريق واضح لتوقيع اتفاقية سلام متوازنة ولا بد من ان يلتزم شارون او غيره بهذه الأسس وبرغبة المجتمع الدولي بهدف اعادة الحقوق كاملة، فإذاً المشكلة ليست مشكلة اشخاص، المشكلة هي مشكلة حقوق كما قلت.

* هل تدعمون الزعيم ياسر عرفات؟ لدينا انطباع انكم تدعمون القضية الفلسطينية ومنظمات فلسطينية لكن يبدو ان لديكم بعض الانتقادات لطريقة تعاطي الزعيم الفلسطيني مع هذه المعركة؟

ـ صحيح نحن ندعم القضية الفلسطينية ونحن نتعامل مع أي موضوع كقضايا كما قلت، وليس كأشخاص، فنحن ندعم القضية الفلسطينية وندعم كل ما يعيد الحقوق للشعب الفلسطيني، ومنذ بداية عملية السلام كانت لنا ملاحظات، وكانت لنا وجهة نظر خاصة حول تعاطي الكثير من الأطراف، ليس فقط الفلسطينيين وليس فقط أطراف عربية مع قضية السلام بشكل عام، وكانت وجهة النظر هذه تنطلق مما قلته قبل قليل من أننا نبحث عن سلام وليس عن اتفاقية فقط. اننا نفرق بين الاتفاقية والنتائج النهائية للسلام، وما يحصل اليوم يثبت صحة وجهة النظر السورية. لم نكن نبحث عن أشخاص يصفقون لسورية لأنها وقعت اتفاقية، كنا نريد لكل العالم ان يصفق لأن السلام قد حل في منطقة الشرق الأوسط، مع ذلك تبقى العلاقة بيننا وبين القيادة الفلسطينية ليست علاقة ذات طابع شخصي، دائماً هي علاقة مرتبطة بالقضية، وبناء على ذلك كان هناك لقاء بيني وبين السيد ياسر عرفات على هامش القمة العربية الأخيرة التي انعقدت في عمان، وأكدنا على نفس وجهة النظر. فالموقف السوري لم يتغير وأكدنا على نفس الثوابت في السياسة السورية.

وبكل الأحوال الاختلاف بين الأشخاص لا يمنع اللقاء لمناقشة هذا الاختلاف في وجهات النظر. وقلنا للسيد ياسر عرفات ان أبواب سورية مفتوحة في أي وقت يحب ان يأتي اليها.

* ما هو الشرط الأساسي للسلام بالنسبة اليكم كسوريين، استعادة الجولان او أكثر من ذلك؟

ـ نحن موقفنا واضح، نريد الجولان الذي هو أرض سورية، لكن هناك سوء فهم يقع فيه البعض عندما يسأل ما هي الشروط السورية، وأريد هنا ان أفرق بين كلمة شروط وكلمة حقوق. في الواقع سورية ليست لديها شروط انما لها حقوق، يقول أحياناً بعض المسؤولين الذين يأتون الى سورية، ما هي شروطكم للسلم او لماذا لا تتنازلون عن قليل من هذه الشروط. وفي الواقع كما قلت هذه الحقوق واضحة بالنسبة لكل دول العالم وتم إقرار هذه الحقوق في المحافل الدولية والمؤسسات الدولية كافة.

هذه الحقوق أقرت من خلال قرارات مجلس الأمن في عام 1967 لم تكن أساساً الفكرة سورية، بل اعتقد بأنها انطلقت من الولايات المتحدة ووافقت عليها اوروبا ووافق عليها العرب ووافق عليها كل العالم. وأتت مرجعية مدريد، ففي مؤتمر مدريد في عام 1991 عند انطلاق عملية السلام تم تحديد أساس لا يتناقض، بل هو مكمل لأساس قرارات مجلس الأمن وهو مبدأ الأرض مقابل السلام. ايضاً لم يكن هو شرطاً ولا فكرة سورية، بل هو فكرة دولية، وافق عليها المجتمع الدولي بكامله من دون استثناء كما الحالة الأولى بالنسبة لقرارات مجلس الأمن، وبنفس الوقت وافق عليها العرب. فإذاً الشروط هي بالأساس شروط دولية. لا توجد شروط لسورية لكن هذه الشروط الدولية تنطلق من الحقوق السورية، فاذاً على إسرائيل ان تطبق هذه الشروط الدولية التي سورية هي أساساً موافقة عليها والتي تعتبر نفسها، أي سورية، جزءاً من المجتمع الدولي.

كل المجتمع الدولي الآن موافق على قرارات مجلس الأمن، وعلى مرجعية مدريد، وبموجب هاتين المرجعيتين على اعادة الأراضي لسورية كاملة حتى خط الرابع من حزيران عام 1967. اسرائيل الوحيدة الآن، ليس فقط الآن، بل منذ بداية عملية السلام ـ وهذا الشيء واضح ـ ضد هذا الاجماع الدولي وبالتالي الشرط السوري للسلام هو شرط دولي، شرط لا يختلف بشكل من الأشكال عما تقره فرنسا، دولتكم، أو أي دولة أخرى في العالم من دون استثناء.

* لقد أدليتم بتصريحات خلال زيارة البابا الى سورية صدمت الأوروبيين، وتكلمتم عن العنصرية في اسرائيل التي تجاوزت النازية. هل كانت تصريحات عابرة؟ هل كانت خاطئة؟ أم انه أسيء فهمها؟ نحن الأوروبيين بشكل عام والفرنسيين بشكل خاص لم نفهم لِمَ وازيتم بين النازية واسرائيل؟

ـ هناك فرق بين الموازاة والمقارنة، أن نوازي، أي نضعهما في نفس المرتبة تماماً وأنا كنت أجري مقارنة ووضعتهم حقيقة في خطاب القمة وليس أمام قداسة البابا، تكلمت عن عنصرية اسرائيل من خلال ما تقوم به من قتل سواء خلال فترة الانتفاضة او خلال وجود اسرائيل. أما بالنسبة لخطاب البابا فهل قرأت الخطاب او هل اطلعت عليه؟ انا لم أتكلم عن العنصرية، أنا تكلمت عن مبادئ الديانات السماوية الثلاث التي تؤكد على العدل، على السلام، على المحبة، وما شابه من المبادئ الأساسية. وكانت هناك عملية اسقاط اذا صح التعبير لما يجري الآن في فلسطين على ما كان يجري في أيام السيد المسيح أو أيام الرسول العربي محمد صلى الله عليه وسلم.

قلت في هذا الخطاب ما معناه، ان عذاب السيد المسيح يشبه العذاب الذي يتعرض له الفلسطينيون الآن في فلسطين، وان الغدر الذي تعرض له النبي محمد صلى الله عليه وسلم بهدف الوقوف في وجه رسالته هو مشابه للغدر الذي تقوم به اسرائيل لعملية السلام، وهذا هو كل ما قيل وبشكل واضح وهو خطاب يتحدث عن مبادئ، هو عملية اسقاط لما حصل في الماضي ولما يحصل الآن.

طبعاً كان هناك هجوم كبير في الصحافة الغربية بشكل عام حول شيء لم يقل، أي الهجوم على اليهود كما قالوا في المقالات المختلفة. والواقع ان هذا مناقض لكثير من البديهيات. اولاً أنا مواطن مسلم. والدين الاسلامي هو دين سماوي. وهو دين يعترف بالأديان السماوية الاخرى كالدين المسيحي والدين اليهودي، وهذه الأديان السماوية الثلاث منزلة من إله واحد، الله الذي نعبده جميعاً. فمن غير المنطقي ان اخرج عن تعاليم الدين الاسلامي لكي اهاجم ديناً سماوياً. هذا أولاً.

ثانياً، أنا رئيس الجمهورية العربية السورية، وسورية فيها مواطنون من اتباع الديانات السماوية الثلاث. فهل سمعت ان هناك رئيساً يهاجم ديناً موجوداً في بلده يتبعه مواطنوه؟ هذا كلام غير منطقي سواء بالمنطق الديني كمسلم أو بالمنطق الوطني. لكن المشكلة كما قلت أنت، بالنسبة لفهم هذه التصريحات، وبالتالي ان نفرق بين ترجمة اللغة وترجمة المفاهيم. هذه هي المشكلة الأساسية.

* ستأتون لزيارة فرنسا في اطار زيارة دولة. ما الذي تتوقعونه من فرنسا ومن اوروبا وهل تظنون ان لفرنسا دوراً تضطلع به بالنسبة الى سورية والمنطقة؟

ـ انا تكلمت قبل قليل عن المجتمع الدولي، عن دوره في عملية السلام. طبعاً هناك مشاكل مختلفة في العالم، المجتمع الدولي معني بها بشكل مباشر، خاصة في ظل ثورة الاتصالات التي جعلت العالم صغيراً جداً. وبالتالي اصبحت المشاكل تنتقل بسرعة انتقال الكلام في الهاتف او المعلومات في الانترنيت. بالنسبة لنا كسورية نحن جزء من الشرق الأوسط، والمشكلة الأساسية لنا هي قضية السلام والحقوق السورية والحقوق العربية بشكل عام وكما قلت المجتمع الدولي هو من وافق على رعاية عملية السلام وهو من صوّت على قرارات مجلس الأمن، قبل ذلك. المجتمع الدولي هو من أوجد مجلس الأمن أو الأمم المتحدة ومؤسساتها المختلفة، وهو الذي رعى عملية مدريد، وأوروبا بكل تأكيد جزء فاعل وهام جداً من المجتمع الدولي وبشكل أكثر خصوصية أوروبا الجنوبية او جنوب اوروبا، وبشكل أدق الدول الأوروبية الموجودة على البحر الأبيض المتوسط، لأن القرب الجغرافي يساعدها لأن تلعب دوراً اكبر في المواضيع، فالقرب الثقافي والقرب الاجتماعي، اي الطباع الاجتماعية للمتوسطيين هي متقاربة.

وبين كل هذه الدول، فرنسا لها خصوصية ايضاً تختلف عن الآخرين، فهي تواجدت في هذه المنطقة لعقود طويلة سواء في سورية او في دول عربية مختلفة، وبالتالي هي تعرف المنطقة جغرافياً، ثقافياً، سياسياً، اجتماعياً، تعرف كيف نفكر، تعرف ما هي الخلفية التي تدفعنا للتفكير باتجاه معين، فهي الأقرب ثقافياً وهي الأقدر على التعامل مع قضايانا، هذا من جانب.

من جانب آخر فرنسا بلد له حضارة عريقة وذروة هذه الحضارة أو التاريخ كانت هي الثورة الفرنسية. طبعاً لا تهمنا الثورة الفرنسية فقط كحدث وإنما تهمنا ايضاً نتائج هذه الثورة، والمبادئ التي اطلقتها، العدل والمساواة، حقوق الانسان، وغيرها، فإذاً فرنسا مسؤولة أولاً عن تطبيق هذه المبادئ في انحاء العالم كافة، لأنها رسالة موسومة بالثورة الفرنسية. هذا جزء من التاريخ الفرنسي.

* شكراً سيادة الرئيس على شرف إجراء المقابلة معنا.

ـ شكراً لكم وأهلاً بكم في سورية.