تعيين الجنرال مشرف نفسه رئيسا يثير حفيظة الغرب ويعقد مشاكل باكستان

TT

قاطع سفراء غربيون حفل تأدية اليمين للجنرال برويز مشرف وتوليه رئاسة الجمهورية الباكستانية مساء اول من امس مما يؤكد أن حاكم باكستان العسكري يواجه مشاكل حقيقية في اكتساب مصداقية دولية لتوليه السلطة. فبينما يدعم توليه منصب الرئيس رسميا مكانته في القمة المرتقبة مع رئيس وزراء الهند أتال بيهاري فاجبايي فان هذه الخطوة أضرت بعلاقاته مع الغرب.

وفي الوقت الذي اكد فيه (مساء الاربعاء الماضي) انه سيجري الانتخابات لبرلمان جديد في أكتوبر (تشرين الاول) عام 2002، فانه أزال ايضا أي شك في اعتزامه الاستمرار كشخصية مهيمنة بعد الموعد الذي حدده لعودة الحكم المدني. وقال دبلوماسي غربي: «اذا أمعنت النظر في ما قلناه بشأن عودة الديمقراطية يبدو الامر بوضوح انه سير في الاتجاه المعاكس.. انه عمل غير ذكي».

وقال مشرف ان هذه الخطوة تساعد على ترسيخ الثقة والاستقرار. ولكن عدم وضوح الرؤية في العلاقات مع الغرب قد يسفر عن العكس خاصة ان هذه العلاقات ركيزة رئيسية لاجتذاب استثمارات اجنبية والحصول على تسهيلات من مؤسسات كبرى مثل صندوق النقد الدولي. وفي بلد مثل باكستان يعاني من الاضطراب السياسي في تناوب بين حكومات مدنية وانقلابات عسكرية فان تولي مشرف الرئاسة أثار ذكريات عن ثلاثة جنرالات قاموا بانقلابات ثم نصبوا أنفسهم رؤساء، احدهم حكم عشر سنوات والاخر 11 سنة.

وحذرت حكومات غربية، تعارض الانقلابات العسكرية، مشرف منذ شهور من أن تنصيب نفسه رئيسا للاحتفاظ بالسلطة بعد الانتخابات الجديدة لن يحوله الى زعيم مدني. وكان رد الفعل واضحا في حفل تأدية اليمين، فرغم دعوة كل السفراء للاجتماع في البهو الرئيسي بالقصر الرئاسي فان غياب رؤساء البعثات الدبلوماسية الغربية كان ظاهرا للعيان. اذ أناب سفراء الولايات المتحدة وكندا ودول الاتحاد الاوروبي دبلوماسيين اقل مرتبة ،عدا سفير استراليا الذي قال دبلوماسيون إنه جاء محرجا لعدم تمكنه من التشاور مع زملائه الغربيين.

كما اعلنت الحكومات الغربية انتقادها للخطوة التي أقدم عليها مشرف ووصفتها بريطانيا بأنها «نكسة» بينما أعلنت الولايات المتحدة التي كانت تبحث في تخفيف العقوبات على باكستان ان رفعها يتوقف على عودة الديمقراطية.

وربما يكون مشرف قد أخطأ في تفسير مواقف الحكومات الغربية التي وجدت نفسها في مأزق منذ قيامه بالانقلاب. اذ كانت هذه الحكومات غير متعاطفة مع رئيس الوزراء السابق نواز شريف الذي أطاح به مشرف في انقلاب غير دموي في أكتوبر (تشرين الاول) عام 1999، واعربت عن سرورها لتشكيل لجنة مدنية تشرف على الاقتصاد. كما انها اتفقت مع الحكومة العسكرية في ان الاصلاح الاقتصادي سيصاب بنكسة اذا عاد السياسيون القدامى الى الحكم في انتخابات 2002.

ولكن الجميع كانوا يتطلعون الى ديمقراطية يقوم فيها الجيش بحماية دستور يؤمن الاستقرار وانتقال سلس للسلطة الى حكومات منتخبة. وباتت مهمة الحكومات الغربية التي كانت تبحث عن مؤشرات الى قيام حكومة يمكن قبولها كسلطة ديمقراطية أكثر صعوبة.

ويتعين على منظمة الكومنولث ان تقرر في اكتوبر ما إذا كانت ستطرد باكستان بموجب لوائح تحدد مهلة عامين بعد أي انقلاب عسكري للعودة الى الحكم المدني.

وفي نيودلهي قال معلقون هنود امس ان مشرف يهدف الى دعم شرعيته من خلال توليه الرئاسة، وربما يسعى بجدية لمساحة من الاتفاق مع الهند خصم بلاده اللدود. واضافوا انه يتعرض لضغوط مكثفة لتخفيف التوتر مع نيودلهي لحشد تأييد عالمي لدعم اقتصاد باكستان المتداعي ورضا الولايات المتحدة حليفة باكستان ابان الحرب الباردة التي تباعدت عنها في الاونة الاخيرة.

وقال سي. راجاموهان وهو معلق هندي في الشؤون الدبلوماسية: «ربما يريد تخفيف حدة الموقف من خلال التوصل لشيء ما مع الهند.. وهذا الامل ينبع من تعذر الدفاع عن الاتجاه الراهن الذي تسير فيه باكستان». وقالت الهند انها تعترف بالاجراء الذي اتخذه مشرف لان يصبح رئيسا، لكنها لم تصل الى حد تقديم التهنئة. وقال محللون ان الحوار بين الجارين اللذين يمتلكان اسلحة نووية ربما لا يحقق الكثير من التقدم، لانه لا يوجد مؤشر على ان أيا منهما مستعد لتقديم أي تنازلات بشأن كشمير.

وقال راجاموهان: «ربما عزز مشرف وضعه الشخصي لكن موقف باكستان ضعيف» وذلك في اشارة الى الاقتصاد المتداعي وانتهاء العلاقة الخاصة مع الولايات المتحدة والضغوط العالمية المكثفة التي تواجهها اسلام اباد لكبح انشطة جماعات الاصوليين المسلحين التي تستخدمها كقاعدة.

وصرح متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية بأن بلاده تتطلع لمعرفة كيف سيتوافق إعلانه تنصيب نفسه رئيسا لباكستان مع التطمينات التي قدمها في واشنطن قبل يوم واحد عن طريق وزير خارجيته عزيز عبد الستار، الذي زار واشنطن، بشأن خطط الجنرال مشرف لإعادة الديمقراطية إلى البلاد. واضاف ان العقوبات الأميركية على باكستان ستبقى.

كذلك صدرت انتقادات للإجراء الذي قام به مشرف من قبل الأمين العام لمنظمة الكومنولث دون ماكينن الذي قال إن الإجراء الأخير يؤكد تعزيز الحاكم العسكري لقبضته على السلطة في باكستان. بينما قال وزير الخارجية البريطاني الجديد جاك سترو إن الإجراء الأخير يعد انتكاسة للديمقراطية. كما وصفت الأحزاب السياسية في باكستان تنصيب مشرف نفسه رئيسا للبلاد بأنه إجراء غير دستوري وغير قانوني واتهمته بتدمير الديمقراطية.