ربيع الإصلاحيين في إيران: 4اقتصاد يحكمه النفط وآخر يحكمه مرشد الجمهورية

بسبب قمع المحافظين لكرباستشي هربت 3 مليارات دولار من إيران * الجفاف ضرب 11 إقليما وخسائره مليار وربع مليار دولار

TT

فهمي هويدي في شارع «فردوسي» الشهير جنوب طهران ـ ليس بعيداً كثيراً عن البنك المركزي ـ يصطف كل يوم من الصباح الى الغروب تجار العملة الذين يمسك الواحد منهم في يده بحزمة من «التومانات» الايرانية، يلوح بها أمام المارة، الأجانب منهم بوجه أخص، ومنادياً بصوت مسموع: دولاري.. دولاري.

اذا ذهبت الى الشارع فانك تستطيع أن تعرف على الفور حالة الاقتصاد الايراني من سعر الدولار الذي يعرضه اولئك الشبان الواقفون على الرصيف، فهم أول من يلتقط اشارات التقدم والتراجع، وأصدق من يخبرك بالحقيقة. قبل أربعة أشهر كان الدولار يساوي 800 تومان، وهذه المرة لاحظت ان سعره لا يزال ثابتاً، وان البعض يعرضون له قيمة أقل من ذلك، 790 تومان، الأمر الذي يعطي انطباعاً بأن السعر يتجه الى الثبات النسبي، وان ثمة نوعاً من استقرار التعامل في الأسواق.

بجانب ذلك، فان عين المرء لا تخطئ ظاهرة أخرى في شارع فردوسي، الذي هو شارع تجاري بالأساس، هي كثرة عدد المشاة والجالسين على الأرصفة فيه، وهي الظاهرة الملحوظة في مختلف الشوارع التجارية في جنوب المدينة وشمالها، ولم أر فرقاً يذكر بين اولئك الجالسين على أرصفة الشوارع في طهران، وبين اقرانهم في الجزائر الذين اطلقت عليهم الصحف الفرنسية وصف «الحائطين»، أي العاطلين الذين طال التصاقهم بحوائط المباني، حتى كادوا يتحولون الى جزء منها.

في مواجهة التنمية السياسية هكذا فان جولة سريعة في شارع فردوسي ترشدك بغير مهدٍ الى اثنتين من أهم معالم الحالة الاقتصادية في ايران، التي كانت احد محاور الجدل خلال الحملة الانتخابية، حتى ازعم ان كل المرشحين بلا استثناء لم يجمعوا على شيء قدر اجماعهم على فتح الملف الاقتصادي، وهو الملف الذي اعتبره منافسو خاتمي نقطة ضعف، سددوا نحوها أسهمهم وهم يحاولون النيل من رصيده اثناء الحملة الانتخابية.

وربما تذكر انني في الحلقة الماضية نقلت على لسان الدكتور حميد ترقي المتحدث السياسي باسم جمعية المؤتلفة، التي تمثل ركناً مهماً في معسكر المحافظين، قوله انهم قرروا، في مسعى اضعاف خاتمي وهز مركزه، ان يركزوا على ما حققه من فشل اقتصادي خلال سنوات ولايته الأولى.

وفي نظر كثير من المراقبين الذين فحصوا جيداً مفردات ولغة الحديث أثناء الحملة الانتخابية، فقد بدا واضحا ان الالحاح على التنمية الاقتصادية في خطاب المنافسين، جاء كنوع من الرد على الدعوة التي رفعها خاتمي منذ بداية توليه منصبه، وركزت على التنمية السياسية، وكأن معارضيه أرادوا ان يقولوا للناس ان خاتمي شغل نفسه بالتنمية السياسية، واهمل الجانب الاقتصادي فكانت النتيجة كما ترون، تضخما وغلاء في الأسعار، وبطالة تعاني منها الأجيال الجديدة.

في هذا الصدد لاحظ المراقبون ان مرشد الجمهورية، علي خامنئي، قال في الكلمة التي ألقاها في ذكرى وفاة الامام الخميني، قبل ثلاثة أيام من موعد التصويت: ان على رئيس الجمهورية الاسلامية القادم ان يوجه عنايته الى المستضعفين من أبناء الشعب الايراني، وان يضع العدالة الاجتماعية على رأس جدول أعماله، وهي اشارة فسرها كل طرف تفسيراً مغايراً، فهناك من اعتبرها تذكيرا لخاتمي يطالبه باعادة النظر في أولوياته، ومنهم من اعتبرها اشارة ضمنية تدعو لانتخاب شخص آخر غير خاتمي الذي اهتم بالديمقراطية وتجاهل الفقراء والمستضعفين.

ولا أعرف ان كانت مصادفة أم لا، ان صحيفة «الوفاق» المؤيدة لخط خاتمي، نشرت على صدر صفحتها الأولى قبل 24 ساعة من التصويت (يوم الخميس 7/6) خبراً تحت عنوان يقول: ايران أقل بلدان المنطقة ديوناً بعد الكويت، ولا استبعد ان يكون نشر الخبر في ذلك التوقيت محملا برسالة تحاول طمأنة الناس الى أن الوضع ليس بالسوء الذي يصوره منافسو خاتمي.

في الخبر المنشور ان البنك الدولي قدم في تقرير له الوضع الاقتصادي الايراني خلال العامين الأخيرين، مشيرا الى انه ايجابي بشكل عام، فقد انخفضت الديون الايرانية بشكل ملحوظ من حوالي 22 مليار دولار في العامين 95 و96 (آخر سنوات رئاسة هاشمي رفسنجاني) لتصل الى نحو 8 مليارات دولار في عامي 2000 ـ 2001 (آخر سنة في الولاية الأولى لخاتمي)، كما انخفض معدل التضخم بشكل ملحوظ، بالاضافة الى الثبات النسبي للوضع المالي ومعدل الفقد، وارتفاع فائض الحسابات الجارية من 3 و4 في المائة عامي 99 ـ 2000 الى 14 في المائة عام 2001، مما يمثل أعلى رقم خلال السنتين الاثنتين والعشرين الأخيرة.

أضاف خبر جريدة «الوفاق» قائلا ان التقرير الدولي عدد بعض النقاط الايجابية الأخرى مثل زيادة احتياطي العملة في ايران، والانخفاض الملحوظ في الفوائد المترتبة على الديون خلال السنة الماضية، من نحو 11.5 مليار دولار الى أقل من 6.9 مليار دولار (قصيرة وطويلة الأمد).

حسب التقرير المذكور فان البنك الدولي اشار الى زيادة حجم المشاركة الشعبية في الساحة الايرانية، والى اجراء عدة انتخابات شعبية ناجحة، بالاضافة الى تنوع الصحف والمجلات، وخلص في النهاية الى ان الجمهورية الاسلامية تعد أقل البلدان ديوناً في المنطقة بعد الكويت.

اقتصاد آخر مستقل أول ما يلفت نظر المرء وهو يحاول التعرف على حقيقة الوضع الاقتصادي في ايران، ان في البلد اقتصادين وليس اقتصاداً واحداً، ولا أعرف مدى دقة هذا الوصف لكني أعني ان هناك اقتصاداً معلناً تديره الحكومة، وتتضح معالمه في الموازنة السنوية، وهناك اقتصاد آخر تابع لمرشد الجمهورية مباشرة، ولا شأن للحكومة به، ولا تظهر مصروفاته أو عوائده، أرباحه أو خسائره، في الموازنة العامة، ولا أحد يعرف عنه شيئاً خارج محيط مكتب القائد الذي يدير ذلك الاقتصاد الآخر.

فمؤسسة «بنياء مستضعفان» التي آلت إليها كل الأموال والعقارات التي صودرت من أسرة بهلوي وجيش الأعوان الذي غادر البلاد معها، تتبع القائد مباشرة، ولكي تدرك أهميتها في الحياة الاقتصادية للبلاد، يكفي ان تعلم انها تهيمن على وتدير 60 في المائة من القطاع الصناعي في ايران.

ومؤسسة القدس الرضوي في مشهد التي تدير الأملاك والعقارات الموقوفة على الامام الرضوي تتبع القائد بدورها، ومستقلة تماماً عن الدولة، وهذه المؤسسة تملك مساحات شاسعة من الأراضي، وتحتكر تجارة ايران مع جمهوريات وسط آسيا، واستقلالها ليس في موازنة الدولة واقتصادها فحسب، وانما عن سيادتها أيضاً، فلها جماركها الخاصة وموظفوها، الذين لا تعرف الدولة عنهم شيئاً، ولا شأن لها بما يحصلونه من ايرادات.

هذا الوضع الشاذ الذي يعني ان في البلد حكومتين وليس حكومة واحدة، يثير لغطاً بين بعض الاوساط، لكنه مكتوم ولم يظهر الى العلن بعد، نظرا لان الأمر مرتبط بشخص القائد وصلاحياته، وهي القضية الحساسة التي تحتاج الى تعامل رفيق وحكيم معها، باعتبار ان فتح ملف صلاحيات القائد يمكن ان يؤلب المحافظين ومجتمع المتدينين، ويثير فتنة في البلاد لا تحتملها ظروف ايران الراهنة، وهو ما يدفع العقلاء الى النصح بترحيل الموضوع وتأجيل مناقشته الى ظرف أكثر هدوءاً وعلاقات أقل توتراً.

لا نستطيع أن نتحدث بأكثر من تلك الحدود عن القطاع الاقتصادي الخارج عن سلطات الحكومة، بسبب نقص المعلومات المتوافرة عنه، وإذ نكتفي باثبات وجوده وتلك الاشارة السريعة إليه، نقلب الصفحة كي نحاول قراءة خريطة الواقع الاقتصادي كما تبينه موازنة الدولة وأرقامها.

أسعار النفط حين ارتفعت ناقشت الموضوع مع علي مزروعي، الخبير الاقتصادي والنائب في مجلس الشورى، وعضو اللجنة الاقتصادية بالمجلس، وضع الرجل أمامي عدة أوراق ورسوم بيانية تحدد أهم تضاريس الوضع الاقتصادي من سنة 95 الى سنة ألفين، وأغلب الظن انه بدأ رحلة العرض من سنة 95، لكي يرصد مؤشرات الوضع ابتداء من السنتين الاخيرتين لحكم الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني، من الأوراق والرسوم البيانية يخرج المرء بالصورة التالية:

* عوائد النفط بلغت في عام 95 ما قيمته 15.1 مليار دولار، وفي العام التالي زادت الى 19.3 مليار دولار، ثم بدأت في الانخفاض مع السنة الأولى لتولي الرئيس خاتمي السلطة، فوصلت في سنة 97 الى 15.3 مليار دولار، وتدهورت في سنته الثانية (98) حتى هبطت الى 9.9 مليار دولار، غير انها بدأت في الزيادة بعد ذلك، ووصلت في عام ألفين الى 21 مليار دولار، الأمر الذي يعني ان النكسة حدثت في سنة 98، وان الاقتصاد الايراني وخطة التنمية بالتالي، تلقيا ضربة موجعة في تلك السنة، أحدثت هزة شديدة في الاسواق وفي قيمة العملة.

* معدل النمو بلغ 3.1 في المائة في سنة 95، وزاد الى 4.7 في المائة في 96، ومع هبوط عائدات النفط في السنة التالية اصبح معدل النمو 3.1 في المائة، وفي عام النكسة التي شهدتها أسعار النفط (98) هبط معدل التنمية الى 2.1 في المائة، لكنه تحرك ببطء في العام الذي تلاه، حيث وصل الى 2.4 في المائة، ثم تجاوز الضعف في عام ألفين، ووصل الى 5.9 في المائة.

* معدل التضخم كان مرتفعاً في سنة 95، حيث وصل الى 49.4 في المائة، لكنه انخفض في العام الذي تلاه الى 23.2 في المائة، وواصل انخفاضه في السنتين التاليتين (17.3 و18.1 في المائة)، وعاد الى الارتفاع في سنة 99 (201 في المائة) وانخفض بصورة جيدة في سنة ألفين، حيث وصل الى 12.6 في المائة.

* الصادرات غير النفطية كانت بقيمة 3.3 مليار دولار سنة 95، ووصلت الى 4.1 مليار دولار في سنة ألفين.

من تلك البيانات يبرز دور النفط كمصدر رئيسي للدخل في البلاد، وكيف ان ارتفاع أسعاره ينعش الاقتصاد ويجعل الدماء تجري حارة في عروقه، بينما يؤدي الانخفاض الى اصابة الاقتصاد بالركود والمرض، وهي مصادفة لا ريب ان يستهل الرئيس خاتمي سنوات حكومة بتلك النكسة التي اصابت أسعار النفط، الأمر الذي وفر لخصومه السياسيين سلاحاً قوياً للنيل منه والتشهير بفشل لم تكن له يد فيه، ثم شاء ربك ان ينصف الرجل ويرفع الغمة عن اقتصاد البلاد، فعادت أسعار النفط للارتفاع، الأمر الذي انقذ اقتصاد البلاد وثبت سعر العملة، وأدى الى الاسراع بعملية التنمية، وانخفاض معدل التضخم، ولا مفر من الاعتراف بأن ذلك الانجاز يحسب للمقادير بالدرجة الأولى وللصدف السعيدة في الوقت ذاته، وكان خاتمي فيه متلقياً وليس فاعلاً، لا يغير من ذلك كثيرا ان حكومته أحسنت في انفاقها للمال، فخصصت نسبة من الدخل للاسراع بالتخلص من الديون، وضمت نسبة أخرى لتشجيع الأسواق وانعاش القطاع الخاص.

هيمنة النفط ومخاطرها هكذا فإن النفط الذي يعد عماد الاقتصاد الايراني يظل نعمة طالما بقيت أسعاره مرتفعة، وهو يتحول الى نقمة اذا انخفضت اسعاره، وأسوأ ما في ذلك ان ضبط الأسعار خارج عن حدود سيطرة الدولة، الأمر الذي يجعل اقتصاد البلد معرضا للتقلب وفي مهب الريح على الدوام، ولذلك فان الهاجس الذي يلح على كل المشتغلين بالشأن الاقتصادي ـ والسياسي أيضاً ـ هو كيف يمكن ان يقل الاعتماد على النفط، لتقل مخاطره، وكيف تنمى الموارد الاقتصادية الأخرى كي تتجنب البلاد الانتكاسات المفاجئة؟

حسب كلام علي مزروعي فان موارد الاقتصاد الايراني موزعة على النحو التالي: 70 في المائة مصدرها النفط، و20 في المائة للقطاع العام، و10 في المائة للقطاع الخاص، أي ان عملية التنشيط التي يمكن ان تقوم بها الحكومة تدور في فلك العشرة في المائة، وهي تتطلع الى خفض الاعتماد على النفط من 70 الى 50 في المائة، كما انها تحاول جاهدة خفض الانفاق الحكومي. وقد بينت الدراسات ان كل 100 تومان تدخل خزينة الدولة، كان ينفق منها في عهد الرئيس رفسنجاني 65 تومان على الادارة الحكومية، بينما كان يوجه الباقي (35 تومان) للاستثمار.

خلال السنوات الاربع التي قضاها الرئيس خاتمي في الحكم، فانه نجح في أن يقلب الآية، بحيث اصبح يوجه 35 من كل مائة تومان لصالح نفقات الادارة، ويوجه 65 من ذلك المبلغ لصالح الاستثمار.

هم يعلقون أملا كبيراً في النهوض بالاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط، على جذب الاستثمارات وتشجيع القطاع الخاص، ولم يحققوا الكثير على ذلك الصعيد، وحسب الارقام المتاحة، فانه منذ قامت الثورة سنة 79 وحتى تولي خاتمي رئاسة الجمهورية في 97، دخلت ايران استثمارات (خارج القطاع النفطي) في حدود خمسة ملايين دولار، وخلال السنوات الاربع التي قضاها خاتمي في السلطة تم عقد اتفاقات باستثمارات قيمتها 3 مليارات دولار، تم تشغيل مليارين منها والثالث في الطريق.

الإصلاحات ضرورية للاستقرار غير ان الاستثمار يحتاج الى استقرار لكي يطمئن المستثمرون على أموالهم، وفي رأي الاصلاحيين ان أجواء التوتر التي يشيعها المحافظون تقلق الآخرين وتنفرهم وتؤدي الى هروبهم بعيداً عن ايران ومشاكلها الداخلية، وقد سمعت من أكثر من واحد منهم قصة ما جرى عقب محاكمة حسين كرباستشي رئيس بلدية طهران، وسجنه بتهم كيدية وملفقة، إذ قال لي رضا خاتمي شقيق الرئيس وأمين جبهة المشاركة ووكيل مجلس الشورى، انه في اعقاب تلك المحاكمة، والاجواء المشحونة بالقلق التي اشاعتها، خرجت من ايران أموال قيمتها 3 مليارات دولار، فرت هاربة واستثمرت كلها في دبي، وهي قصة يرددها كثيرون، ويسجلونها على المحافظين، باعتبار انها نموذج للآثار السلبية والأضرار التي يلحقونها باقتصاد البلاد واستقرارها، من جراء ممارساتهم القمعية التي يلجأون إليها.

أكثر من مرة قال رضا خاتمي، وأيضاً علي مزروعي، ان الاصلاحات، بما ستصحبه من توسيع للمشاركة الشعبية وديمقراطية التعامل، هي الاجواء الوحيدة التي يمكن ان تساعد على الاستقرار، ومن ثم تجذب الاستثمار، وتساعد على تنمية المجتمع والنهوض به، لذلك فانها اذا لم تكن ضرورة سياسية، واذا رفضوها لهذا السبب، فانها تظل ضرورة اقتصادية لا غنى عنها.

التوتر الذي يسود المجتمع لايؤدي فقط الى هروب رأس المال، ولكنه يؤدي أيضاً الى هروب أصحاب الخبرات والكفاءات الى الخارج، ومن ثم يفقد البلد رأسماله البشري الذي لا يعوض، وحين تولى خاتمي رئاسة الجمهورية شهدت ايران عودة بعض ابنائها المقيمين بالخارج (عددهم عند الحد الأدنى 4 ملايين مهاجر)، غير ان ذلك القدوم خفَّت وتيرته حين بدأ المحافظون ضغوطهم على الحريات وملاحقاتهم للمثقفين عبر القضاء، ثم توقف القدوم من الخارج، وبدأ النزوح من الداخل، والذي يمر أمام السفارات الأجنبية في طهران، الأوروبية بوجه أخص، يجد امامها من الصباح الباكر طوابير طويلة من الشبان الراغبين في السفر للعمل أو للهجرة.

لقد أصبح المحافظون قوة طاردة لرأس المال والخبرات الوطنية، بفضل سياساتهم التي يصرون عليها، ولذلك فانهم الى حد كبير يتحملون المسؤولية عن بعض الاعراض المرضية التي يعاني منها الاقتصاد الايراني، هكذا قال رضا خاتمي، وهو يختم حديثه في هذه المسألة.

3 ملايين عاطل ينتظرون غير ان هناك معضلتين تطلان بقوة من صفحات الملف الاقتصادي هما: البطالة والجفاف، ذلك ان معدلات النمو السكاني العالية (3.9 في المائة) اصبحت تدفع الى سوق العمل بمليون شخص سنوياً، بينما القدرات الحالية للدولة لا توفر سوى نصف مليون فرصة عمل جديدة في العام، وبسبب محدودية الاستثمار فقد أصبح عدد العاطلين الآن حوالي 3 ملايين شخص، واصبحت الحكومة مطالبة بأن توفر لهم فرص العمل، عن طريق تحريك السوق وتنشيط القطاع الخاص، وتشجيع المستثمرين بكل سبل الاغراء والاطمئنان.

ورغم ان الحكومة اعدت مشروع قانون للاستثمار قدمته الى مجلس الشورى، إلا ان القانون بكل ضماناته التي يوفرها لن يستطيع أن يجذب المستثمرين ما لم تتوقف القوى الطاردة عن ممارساتها، هذا ما يقوله علي مزروعي، الذي يرى ايضاً ان الأمر يحتاج إما الى تفاهم مع المحافظين حول هذه النقطة، وإما عرض المشكلة على الرأي العام ليكون الجميع على بينة من الدور الذي تلعبه تلك العناصر في تعويق عملية التنمية، بينما هم ينعون على الحكومة تقاعسها ويحملونها المسؤولية عن تفاقم أزمة البطالة.

الجفاف ضرب 11 مقاطعة مشكلة الجفاف جاءتهم من حيث لا يحتسبون، ذلك انهم ما كادوا يلتقطون أنفاسهم بعد ارتفاع أسعار البترول وتوفر نسبة من العائدات مكنتهم من سد العجز في الموازنة والوفاء بالديون، حتى ظهر الجفاف في الأفق، وضرب 11 مقاطعة في جنوب ايران من جملة المقاطعات البالغ عددها 28، ذلك ان النقص في المياه قضى على المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية في تلك المقاطعات، مما ألحق خسائر بالفلاحين قدرت بمليار وربع مليار دولار.

الطريف ان أحد المرشحين للرئاسة (الدكتور شهاب الدين الصدر) حاول ان يستثمر مسألة الجفاف في حملته ضد خاتمي، فاستغل شائعة سرت في أصفهان زعمت ان نهراً هناك اسمه «زايندا رود» جفت مياهه لان خاتمي سحبها لكي يروي الأراضي في مقاطعته يزد، ورغم ان الشائعة لم يكن لها أصل، إلا ان الدكتور الصدر ذهب الى هناك وصوروه في فيلم تلفزيوني (اذيع ضمن حصته التي سمح بها لكل مرشح)، وهو يطالع الجفاف وعلى وجهه علامات الأسف، وهو يرفع يديه داعياً الله ان يزيل الغمة عن أهل اصفهان، وترك الأمر للمشاهد أن يستنتج الغمة المقصودة، هل هي الرئيس خاتمي الذي اشيع انه سحب مياه النهر، أم انقطاع الأمطار الذي تسبب في الجفاف؟

مشكلة الجفاف طرحت على بساط البحث ضرورة اقامة سدود لتخزين المياه، حيث تشير الدراسات الى ان ايران تستهلك فقط ثلث مياه الأمطار التي تهطل عليها كل عام، والسدود مشروعات من العيار الثقيل التي تحتاج الى اعتمادات كبيرة، الأمر الذي يثير مرة أخرى قضية الاستثمار وضرورة استحضاره ليسهم في مثل هذه المشروعات وغيرها.

تحركت الحكومة في ذلك الاتجاه، وبدأت في بناء سد كبير يحمل اسم نهر «كرخة» في خوزستان، يقولون انه رقم 13 من بين أكبر سدود العالم، ويقدرون له ان يدخر 7.8 مليون متر مكعب من المياه، ويروي 320 ألف هكتار من الأراضي الزراعية.

هم يتحدثون عن آمال كبيرة مرجوة، ويعتبرون ان السنوات الصعبة للاقتصاد الايراني قد مرت، ويشيرون الى الوفود الاقتصادية التي تأتيهم من أوروبا وآسيا، والى تقارير البنك الدولي، وكلها تتحدث بتفاؤل عن المستقبل وامكانياته، ليس فقط في مجالات النفط والغاز، ولكن ايضاً في المجالات الصناعية الأخرى، وإذ هم يفعلون ذلك فانهم يذكرون سامعيهم بأن ما يقال عن الفشل الاقتصادي ليس أكثر من فرقعات انتخابية، فرضتها اعتبارات المنافسة ومقتضيات التشويه والكيد.

ولا أحسبها مجرد مصادفة ان تعلن الحكومة في الاسبوع الأخير للحملة الانتخابية عن أول صاروخ أرض ـ أرض متطور تنتجه الصناعة العسكرية الايرانية، بأيدي العلماء والمتخصصين الايرانيين في مجال الفضاء، ذلك ان اطلاق الصاروخ يعكس مستوى لا تخفى دلالته من أن التقدم الصناعي لا يتوفر لاقتصاد عاجز أو تنمية متعثرة.

ما هو الوجه الآخر لتجربة الرئيس خاتمي في الحكم؟ هذا هو موضوع الحلقة المقبلة (يتبع)