أفراد عائلة فلسطينية في غزة يتحدثون عن حياتهم كرهائن بمنزلهم بعد أن احتل سطحه جنود الاحتلال

TT

رغم اجواء الفرحة الغامرة التي عمت سكان البيت والاصدقاء والاقارب الذين جاؤوا مهنئين برحيل جنود الاحتلال عن بيت العائلة الاثنين الماضي الا ان نادية (10 سنوات) ظلت غارقة في وجومها، شاردة الذهن. فهي لا تصدق ان مسلسل العذاب الذي تعرضت له مع عائلتها قد انتهت اخر حلقاته.

فبيت هذه العائلة الذي يبعد عشرة امتار فقط عن الاسلاك الشائكة التي تحيط بمستوطنة نيتساريم جنوب غزة، تحول رغم انف ساكنيه الى ثكنة عسكرية اسرائيلية، يحظر عليهم الدخول اليه او الخروج منه الى باذن جنود الاحتلال. ويرسم محمد ابو خوصة (47 سنة) رب العائلة الذي عاد لغزة من الامارات العربية المتحدة عام 2000 بعد غياب دام ثلاثين عاما اذ كان ممنوعا من العودة، بعد ان رفض طلب تقدمت به زوجته للم الشمل، صورة تكاد لا تصدق لما كابدته عائلته على ايدي الجنود الذين احتلوا سطح المنزل.

ويقول محمد ان الجنود في بادئ الامر منعوا افراد العائلة من الخروج من المنزل ومنعوا اولاده فادي وسامر ونادر وفراس ونادية من الذهاب الى المدرسة وحظروا على اقارب العائلة واصدقائها الاقتراب من البيت. وجاء السماح لافراد العائلة في النهاية بمغادرة المنزل، ضمن شروط قاسية وظروف تكاد تكون مستحيلة.

يقول ابو خوصة «كان يتوجب علينا الحصول من الجنود على اذن مسبق قبل الخروج. ليس هذا فحسب بل يحظر علينا الخروج جميعاً، بحيث يتوجب علينا الابقاء على اثنين من افراد العائلة، بشرط ان يكون الاب او الام احدهما، بمعنى اخر كان الجنود يصرون على ان يكون افراد هذه الاسرة مجرد درع بشري لمواجهة اي احتمال لتعرضهم للهجوم من قبل رجال المقاومة الفلسطينيين».

وحتى عندما تريد زوجة ابو خوصة ان تزور والدتها او اختها او اراد أي فرد من الاسرة المبيت خارج البيت لطارئ ما، يجب ان يحصل على اذن مسبق من جنود الاحتلال. ويضيف ابو خوصة «وكان علينا عندما نعود الى البيت، اظهار الحاجيات التي نجلبها بحيث يستطيع الجنود فحصها بواسطة ناظور خاص من على سطح البيت، وبعد ذلك يقوم جنديان بتفتيش الجميع عندئذ فقط يسمحان لنا بدخول البيت». ويخضع الاولاد عند الرجوع من المدرسة الى تفتيش دقيق «اما بالنسبة لسيارة العائلة فان علي ان اوقفها في استراحة على ساحل البحر تبعد كيلومترين عن البيت». الى ذلك فانه لا يسمح لافراد العائلة بمغادرة البيت عندما يحل الظلام مهما كانت المبررات. وكما يشير افراد العائلة فقد كان افظع ما يعانونه اطلاق النار الذي يقوم به الجنود من سطح المنزل. فقد كان البيت يهتز عندما يقوم الجنود بقصف منازل الفلسطينيين من على سطح البيت. كما كان النوم يجافي عيون الجميع. ويقول ابو خوصة ان اكثر ما مزق نياط قلبه كان حال ابنته نادية، فهذه البنت التي عاشت مثل سائر افراد عائلتها في الغربة ولم تعرف الاحتلال، كانت صدمتها كبيرة بشكل خاص، لدرجة انها امتنعت عن الاكل والشراب واصبحت تستيفظ فزعة من نومها.

ويصور ابو خوصة لحظة استبد فيها به الغيظ لما حل بابنته التي تمردت عينها عن الاغفاء فظلت توصل الليل بالنهار بدون نوم. ويقول «لم اتمالك نفسي حملت ابنتي واصطحبت سائر افراد العائلة الى سطح المنزل، وقلت للجنود: «اما ان تجعلوا ابنتي تنام او تقتلونا جميعا».

عاد محمد ابو خوصة الى قطاع غزة وهو يحمل في قلبه احلاماً وردية للعيش بأمان في البيت الذي استثمر فيه «تحويشة العمر» كما يقال، غير متخيل او متصور ان الاوضاع ستؤول الى ما آلت اليه، هذا الوضع الذي عاشه على مدى الاشهر التسعة الماضية.

ورغم شعور افراد العائلة بالفرحة الغامرة لانتهاء كابوس جنود الاحتلال الذي روعهم كل هذه الفترة، الا ان الجميع يخشون من عودتهم الى سطح المنزل من جديد، وتتجدد معهم المعاناة مرة اخرى ليعيشوا رهائن في بيتهم.