ربيع الاصلاحيين في إيران (5): أهم إنجازات خاتمي المصالحة بين الحكومة الدينية والديمقراطية وأبرز إخفاقاته رفع سقف التوقعات وتجاهل مرشد الجمهورية

فهمي هويدي

TT

في البداية (عام 97) كان طريق الاصلاحات محظوراً، وخلال السنوات الأربع التي قضاها خاتمي رئيساً للجمهورية، انفتح الطريق، وأصبح المرور فيه يمضي في الاتجاهين، الذهاب والعودة، أما في ختام ولايته، وأثناء الحملة الانتخابية للولاية الثانية، فقد تبين أن المرور في الطريق أصبح في اتجاه واحد، الكل ذاهب إليه.

هكذا لخص محمد أبطحي رئيس مكتب خاتمي موقف القوى السياسية المختلفة في ايران من قضية الاصلاحات، الذي بدأ بالتخوف والرفض المطلق، ثم تطور إلى الانتفاء، وأخيراً كانت المفاجأة أن جميع المرشحين للرئاسة اضطروا إلى رفع شعار الاصلاحات، بعدما أدركوا أن ذلك هو الطريق الوحيد للتصالح مع المجتمع. وهذا انجاز مهم، حققت فيه فكرة الاصلاحات انتصاراً حاسماً.

كان حوارنا عن حصاد الولاية الأولى للرئيس خاتمي، واعتبر ابطحي انتصار شعار الاصلاح انجازاً أولاً ومهماً للغاية. صحيح أن بعض الذين رفعوا الشعار في الانتخابات ربما عنوا به شيئاً آخر، كالاصلاح الاقتصادي أو الأخلاقي مثلاً، وربما رفعه آخرون عن غير اقتناع، وانما من باب الاضطرار بهدف تحسين الصورة لكن ذلك لا ينفي حقيقة أن الشعار أصبحت متعذرة مخاصمته فضلاً عن الاشتباك معه ومقاومته. ثم أنه المعنى المستقر للاصلاحات في الوعي العام ظل محصوراً في دائرة محددة هي «الديمقراطية».

وأضاف أبطحي أن التأكيد على المضمون الديمقراطي للاصلاحات كان له من ناحية ثانية مردوده الايجابي الذي أسهم في تغيير الانطباع السائد والمشوَّه عن المسلمين، الذي وضعهم في الصف المنكر للديمقراطية أو المعادي لها. ورغم أن خاتمي كان معنياً أولاً بتقديم نموذج للتطبيق الاسلامي ينطلق من الفهم الرشيد للتعاليم، إلا أن صدى دعوته تلك في الاعلام العالمي كان مشرفاً للاسلام والمسلمين. إذ أدرك العالم حقاً أن هناك شيئاً اسمه المجتمع المدني الاسلامي، وأن هناك ديمقراطية اسلامية لها نموذجها المطبق في الانتخابات الايرانية.

انجاز ثالث تحقق خلال السنوات الأربع تمثل في رفع سقف حرية التعبير والتفكير في ايران. ذلك أن مستوى الحوار الدائر في الصحف والمنابر والمنتديات العامة، لا يمكن مقارنته بما كانت عليه الحال في عام 97 خاصة عندما نتابع اصدار الصحف الاصلاحية، فقد مارست تلك الصحف حرية كبيرة في نقد الذات وشجاعة مماثلة في التعبير عن الرأي ازاء مختلف القضايا العامة، رغم دقتها وحساسيتها. في هذه الأجواء اتسعت دوائر الحوار في مختلف شرائح المجتمع وتسلح الناس بجرأة مماثلة في مناقشة مختلف القضايا العامة. ومن يتابع ما يجري في ايران الآن على ذلك الصعيد لا بد أن يلاحظ بأن كل الملفات أصبحت مفتوحة، ولم يعد هناك عنوان أو موضوع تتعدد فيه وجهات النظر، من ولاية الفقيه إلى علاقة الدين بالسياسة وتجربة الفقهاء في السلطة إلى الفساد ووقائع الحرب وأسباب اطالتها ضد العراق.

قبل سنوات قليلة كان الذين يتحدثون في هذه الأمور أحاداً من المثقفين، وكان كلامهم يبدو استثناء يسعى الناس إلى الاستماع إليه في الحسينيات وغيرها من المنتديات. وحين ارتفع سقف الحوار، وصارت الصحف تمارس حريتها وجرأتها في التعبير، لم يعد يسعى أحد الى التحلق حول أولئك النفر من المثقفين، باعتبار أن الصحف أصبحت تنافسهم وتتقدمهم في ما يقولون وينتقدون.

أمر رابع لا يقل أهمية عما سبق، وهو أن المصالحة بين الحكومة الدينية والديمقراطية التي عقدها خاتمي، استصحبت معها مصالحة أخرى بين السلطة والمجتمع. فالملايين التي صوتت لصالحه خصوصاً قطاعات الشباب والنساء وغيرهم من شرائح المثقفين والليبراليين، هؤلاء ظلوا أمداً طويلاً خارج المشهد السياسي. وقد استطاع أن يستدعيهم، ومعهم قطاعات عريضة من الأغلبية الصامتة إلى ساحة المشاركة السياسية. شعاراته ونداءاته التي دعت إلى اقامة المجتمع الحركي الاسلامي، واحترام ارادة الشعب، جذبتهم بقوة، ثم أن نزاهة الانتخابات أكدت أن للجماهير صوتاً مسموعاً ومؤثراً، وقادراً على تغيير الأشياء والأشخاص.

في حديث سابق قلت إن منافسي خاتمي في الانتخابات الرئاسية ركزوا في دعايتهم على قضايا الاصلاح الاقتصادي والبطالة ومستقبل الشباب ودور النساء واقامة العدل ومحاربة الفساد وغير ذلك. واضرابهم في السابق كانوا ينادون «بالذوبان في الامام»، ويتحدثون في دعايتهم عن ولاية الفقيه وخط الامام وتراثه والغزو الثقافي.. إلخ. هذه النقلة من الذوبان في الامام إلى التفكير في أزمة البطالة، كانت تعبيراً عن التحول في الخطاب السياسي الذي بدأ ينشغل بهموم الناس ومستقبلهم، الأمر الذي يعد انعكاساً لردم الفجوة بين السلطة والمجتمع، وهي خطوة إلى الامام لا ريب.

مصدر السلطة: الناس أم الغيب ثمة نقطة تحسب لخاتمي في هذا السياق تتمثل في النجاح الذي حققه على صعيد الارتفاع بصوت الجماهير، واعتبار أنهم مصدر السلطة وتأييدهم مصدر المشروعية. وهي مسألة لا تزال محل جدل حقاً، لكن ما فعله خاتمي انه وضعها على الطاولة، وكسب لها انصاراً يتزايدون، كان أبرزهم في الآونة الأخيرة علي خامنئي نفسه، الذي قال في كلمته في ذكرى رحيل الامام الخميني يوم الاثنين 6/4 ان رضى الشعب هو أساس مشروعية النظام الاسلامي في ايران.

إلى وقت قريب كان الخلاف محتدماً حول مشروعية السلطة، وهل تستمد من الغيب، باعتبار أن القائد هو نائب الامام الغائب، أو تستمد من تأييد الناس وأصواتهم. وقد سبقت الاشارة إلى ما قاله آية الله موحدي كرماني عضو مجلس الخبراء في التعبير عن وجهة النظر الأولى، وذكر فيه أنه «لا يمكن تحديد صلاحيات الولي الفقيه، لأن النظام والدستور يستمدان مشروعيتهما منه»، فالولي الفقيه «هو نائب الامام صاحب الزمان، وإذا استطعتم تحديد صلاحيات رسول الاسلام والامام الحجة، فعندئذ يتسنى لكم تحديد صلاحيات الولي الفقيه أيضاً».

وجهة النظر الأخرى عبر عنها خاتمي في العديد من المناسبات، وهي أنه لا يعلو صوت فوق صوت الشعب، وحين يختار الشعب موقفاً أو مشروعاً سياسياً، فينبغي أن تحترم ارادته، وتتصالح كل مؤسسات الدولة لكلمته. وبهذه الدعوة فانه أيد ولاية الفقيه التي تتحقق من خلال ولاية الأمة (باعتبار أن الفقيه ينتخبه مجلس الخبراء، الذي هو في الأصل منتخب من قبل الناس، وبحسب الدستور فان مجلس الخبراء يراقب عمل الولي الفقيه وله أن يحاسبه).

اعلان خامنئي الأخير، الذي اعتبر فيه أن مشروعية النظام مستمدة من تأييد الشعب، اعتبره الاصلاحيون نقطة ثمينة لصالح مشروعهم، وسمعت بعضهم في تلك الليلة يقول ان «القائد التحق أخيراً بالاصلاحيين». وهو تعبير قد يبدو مبالغاً فيه، ولكن مقولة خامنئي جعلت له وجاهة وقرّبته إلى الأذهان.

مشاغبات الشوارع اختفت بشكل مواز مع اعلاء دور الشعب جرى في تلك السنوات الأربع اعلاء لدور القانون. ذلك أن خاتمي منذ تولي السلطة ظل يلح على ضرورة الاحتكام إلى القانون، بحيث لا يقف أحد فوقه، ولا يتصرف أحد خارجه. وقد خاض الرجل لأجل الدفاع عن هذه القيمة معارك طويلة، ودفع لقاء موقفه ثمناً باهظاً، وقد ذكر السيد أبطحي بأن بعض المتطرفين لجأوا في السنتين الأوليين لحكم خاتمي إلى استخدام العنف في الشوارع، بالاعتداء على جماعات من الاصلاحيين، ومهاجمة بعض الصحف الاصلاحية، وقد كانت اغتيالات بعض المثقفين حلقة مأساوية في ذلك المسلسل. وفي عنف الشوارع تم الاعتداء على اثنين من الوزراء في حكومة خاتمي (عبد الله نوري وزير الداخلية وعطاء الله مهاجراني وزير الثقافة والارشاد).

في ظل الالحاح على الاحتكام إلى القانون توقفت إلى حد كبير مشاغبات الشوارع، ومارس المحافظون ضغوطهم على الاصلاحيين من خلال السلطة القضائية، مستخدمة في ذلك سلاح القانون الذي دافع عنه وتمسك به خاتمي. ومعروف كيف نجح هؤلاء في قمع وسجن بعض الرموز الاصلاحية، التي كانت تعاون الرئيس خاتمي ذاته، كما أنهم أغلقوا العديد من الصحف الاصلاحية، وكان هذا هو الثمن الذي كان على خاتمي أن يتحمله ويدفعه لارساء قيمة احترام القانون ومؤسساته، وقد نجح بصورة نسبية في ما سعى إليه.

هذه أبرز معالم النصف الملآن من الكوب، إذا جاز التعبير، أما نصفه الفارغ، الذي تتجمع فيه سلبيات وأخطاء ودروس تجربة السنوات الأربع، فالمناقشات حوله لم تتوقف، لا أثناء الانتخابات، من منافسي خاتمي الذين كان يهمهم ابراز سوءات ولايته الأولى، ولا بعد الانتخابات، من جانب أركان جبهة المشاركة الذين يساندون خاتمي وينطلقون من مشروعه الاصلاحي.

تحدثت في هذا الشأن إلى اثنين من قيادات الجبهة، هما الدكتور محمد رضا خاتمي، الأمين العام للجبهة ونائب رئيس مجلس الشورى وشقيق الرئيس، والسيد محسن ميردا مادي رئيس لجنة الأمن القومي في مجلس الشورى وأحد أبرز المنظرين للجبهة، وهو في نفس الوقت صاحب ورئيس تحرير صحيفة «نوروز» الناطقة باسم الجبهة.

لم يراعوا الحساسيات الدينية كان سؤالي الأساسي هو: كيف ترون أخطاء وسلبيات تجربة السنوات الأربع التي مضت؟

في الرد جرى التركيز على النقاط التالية:

ان بعض الاصلاحيين رفعوا سقف التوقعات أكثر مما ينبغي، بحيث أعطوا للناس وعوداً كثيرة غير قابلة للعرف في ظروف الواقع الايراني. والخطأ الأساسي الذي وقع فيه ذلك الفريق من الاصلاحيين انهم لم يكونوا يتوقعون أن المشروع الاصلاحي بطبيعته يحتاج إلى نفس وأجل طويلين. وأن من يريد حرق المراحل ولي عنق التاريخ عليه أن يسلك سبيلاً آخر غير سبيل التحول الديمقراطي. ذلك أن الفرق الأساسي بين العمل الاصلاحي والثوري أن الأول رحلة طويلة الأجل، بينما الثاني يمكن أن يغير الأوضاع ويقلبها بين يوم وليلة.

بسبب ذلك الخطأ في تعاطي مفهوم الاصلاح فان بعض السياسيين والكتاب المنسوبين إلى المعسكر الاصلاحي اعطوا للناس انطباعاً بأن كل شيء بسبيله إلى التغيير وفي أجل قصير، ولم يكن ذلك صحيحاً لأن الاصلاح لم يستهدف تغيير كل شيء، ولا كان دقيقاً، لأن عملية التغيير طويلة الأجل بطبيعتها.

لقد أساء المتطرفون المنسوبون إلى المعسكر الاصلاحي إلى مشروعهم كثيراً، وحين حوكم بعضهم وأودعوا السجون، فإن بعضهم أرسلوا عتاباً إلى الرئيس خاتمي لأنه لم يستطع أن يخلصهم مما أصبحوا فيه، وعلمت أنه بعث إليهم برسالة شرح فيها أموراً كثيرة ثم ختمها بقوله: انه عاتب عليهم بأكثر مما هم عاتبون عليه.

إلى جانب رفع سقف التوقعات فإن بعض الاصلاحيين كتبوا خطاباً لم يتسم بالحكمة الكافية في التعامل مع المسائل الدينية، متجاهلين في ذلك أن في البلد مؤسسة دينية قوية وشديدة الحساسية، ومحافظة في الوقت ذاته. وحين تحدث هؤلاء بلهجة صدمت رموز تلك المؤسسة، فان ذلك كان سبباً في تعميق الهواجس والارتياب، الأمر الذي أحدث أزمة ثقة بين رموز تلك المؤسسة وبين قيادات المشروع الاصلاحي.

اختلف خطاب الإصلاحيين تتصل بذلك نقطة مهمة هي ان الاصلاحيين لم يعنوا كثيراً باقامة علاقات ايجابية مع رجال الدين في قم، بل ومع القائد نفسه. لقد تصرفوا في الشأن العام وكأنهم يقفون وحدهم في الساحة، وأنهم ليسوا بحاجة إلى عون أحد أو نصحه. واعتماداً على مساندة الشارع الايراني، فانهم اعتبروا تلك المساندة تصريحاً مفتوحاً بالتعرف في الشأن العام.

وكان ذلك خطأ كبيراً. فالقائد ما كان ينبغي تهميش دوره، الذي هو مهم في الخارطة السياسية الايرانية، وكسبه بالغ الأهمية، خصوصاً أنه الوحيد في ايران القادر على كبح جماح المتطرفين أو المتآمرين في المعسكر المحافظ. إلى جانب ذلك فكسب القيادات الدينية في قم ومشهد يظل من الأهمية بمكان، لأن تلك القيادات تقبض على مواقع مهمة وتوجه قواعد لا يستهان بها.

لأن جبهة الاصلاحيين تضم جماعات عدة فقد تعددت فيها الأصوات، من دون تنسيق في الأغلب ومن أخطاء التجربة أننا لم ننجح في الحفاظ على تماسك الجبهة، حتى بدا وكأن مجموعة كوادر البناء، التي تضم عدداً معتبراً من الخبراء والتكنوقراط الذين يؤيدون الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني، قد شردت بعيداً ولم تعد على تلاحمها المفترض مع بقية الفصائل المكونة لجبهة الاصلاحيين. وكان من الممكن تجنب ذلك الانفراط، والحفاظ على قوة تماسك الجبهة، لو أننا بذلنا جهداً لمنع ذلك التباعد واستخدمنا الحكمة في علاج التعقيدات والحساسيات التي نشأت خلال الانتخابات النيابية، وتراكمت وتضخمت بمضي الوقت حتى تحولت إلى فتور ظاهر في الانتخابات الرئاسية.

رغم أن الرئيس خاتمي وجه عناية خاصة للشباب، وأيدته الأغلبية الساحقة منهم، إلا أن أداء الحكومة يبدو أنه لم يكن في مستوى تطلعاتهم أو توقعاتهم. وسواء لأنها لم تفعل ما ينبغي لأجلهم، أو لم تتمكن من ذلك، أو أن الشباب أنفسهم رفعوا أسقف توقعاتهم من الحكومة، فالشاهد أن ممثليهم تململوا خلال الفترة الأخيرة من ولاية خاتمي الأولى. وظهر ذلك التململ واضحاً في اقدام أحد ممثليهم ـ المهندس ابراهيم أصغر زاده ـ على ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية، بموافقة بعض أعضاء مكتب تحكيم الوحدة، الذي يعد أحد التجمعات الشبابية المهمة، ولولا أن مجلس صيانة الدستور استبعد أصغر زاده ولم يسمح له بترشيح نفسه، لواصل منافسة السيد خاتمي، وأغلب الظن أنه كان سوف يستحوذ على نسبة غير قليلة من أصوات الشبان.

كان عدم التجانس واضحاً في تشكيل حكومة خاتمي، خصوصاً بين بعض الوزراء الذين يعينهم القائد علي خامنئي، وآخرين من الذين يمثلون كوادر البناء. ورغم أن خاتمي نجح في أن يخضع وزارة الأمن لاشراف الحكومة ومجلس الشورى، في أعقاب حوادث اغتيالات المثقفين التي ثبت أنه كان للوزارة ضلع فيها، وتلك خطوة تحسب ضمن انجازاته، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لتحقيق التجانس المطلوب بين أعضاء الحكومة. وليس من شك أن ذلك الوضع كان له تأثيره على كفاءة أدائها بوجه عام.

صلاحيات القائد مشكلة ثمة مشكلة تعذر حلها في الولاية الأولى لخاتمي، تتعلق بضبط صلاحيات القائد على النحو الذي لا يؤثر بالسلب على حركة رئيس الجمهورية. وللمشكلة مصدران، أولهما أن القائد طبقاً للدستور يتمتع بصلاحيات واسعة للغاية، الأمر الذي يشكل قيوداً كثيرة على حركة رئيس الجمهورية، خصوصاً إذا كانت تلك الصلاحيات الواسعة باباً يدخل منه القائد إلى معالجة التفاصيل، التي يفترض أن تترك لغيره. المصدر الثاني لذلك التأثير السلبي هو ضغوط الجبهة المحافظة القريبة من القائد أو المحيطة به. ويبدو أن المحافظين استثمروا الخطأ الذي وقع فيه الاصلاحيون حين لم يوجهوا ما ينبغي من اهتمام للقائد ولأركان الحوزة العلمية، وعمقوا من هواجس السيد خامنئي ومخاوفه من الاصلاحيين عامة. ويبذل السيد خاتمي جهداً كبيراً في ازالة تلك الشكوك والهواجس، خلال الاجتماعات الأسبوعية التي يعقدها مع القائد. غير أن تلك الجهود نجحت في الحفاظ على الجسور الممدودة، بمعنى أنها حافظت على درجة حرارة العلاقة، لكنها كانت وما زالت أبعد ما تكون عن ضبط وتحديد الصلاحيات على نحو واضح.

ليس ذلك فحسب، وانما ظل مجلس صيانة الدستور يمثل عقبة في طريق توسيع نطاق التمثيل الحقيقي للجماهير في الانتخابات، لأنه بحكم الدور الذي يقوم به في شطب أسماء بعض المرشحين، يتجاوز ما كان معمولاً به في عهد الامام الخميني، ويتوسع كثيراً في مفهوم الاشراف على الانتخابات، بصورة تتجاوز الحدود التي رسمها الدستور الايراني.

ومن دون ضبط صلاحيات القائد، ومجلس صيانة الدستور، فإن الولاية الثانية للسيد خاتمي لن تخلو من متاعب واخفاقات.

ما هي احتمالات وسيناريوهات الولاية الثانية؟ (يتبع)