الكنديون يسخرون من «جهل» الأميركيين.. وتعاليهم

TT

ما يزال «الخرتيت» يتجول في مناطق كندا الخلفية، ويزدان العلم الكندي بقرص الهوكي، ويقود هذه البلاد رئيس الوزراء جان «بوتين». هكذا يقسم كثير من المواطنين الاميركيين بصحة هذه المعلومات امام كاميرات التلفزيون الكندي.

ظل الكنديون يعتقدون ان الاميركيين لا يعرفون الكثير عن اكبر شركائهم التجاريين وابناء عمومتهم في الثقافة الذين يسكنون الى الشمال من بلادهم. اما الآن فقد تأكد الاعتقاد من خلال برنامج فكاهي بعنوان «احاديث مع الاميركيين»، الذي اجتذب اعدادا قياسية من المشاهدين، بعضهم يصاب بالصدمة، وبعضهم يستمتع بالعرض.

كان البرنامج فقرة في برنامج آخر «هذه الساعة فيها 22 دقيقة»، يقوم فيها الممثل الكوميدي ريك ميرسر بدور مراسل يطوف الولايات المتحدة لاجراء مقابلات مع «رجل الشارع» حول عدد من المواضيع الزائفة. ولكن شعبية المقابلات جعلت المخرجين يحولونها الى برنامج يستغرق ساعة كاملة. وقد وصل مشاهدوا البرنامج الى 2.7 مليون، مما جعله اكثر العروض الكوميدية شعبية التي بثها التلفزيون الكندي المدعوم حكوميا.

ويصور العرض استاذا بجامعة هارفارد وهو يوقع عريضة احتجاج ضد «قرار الحكومة الكندية لاستئناف صيد عجل البحر» بولاية ساسكتشوان.

يعرف الجميع ان ساسكتشوان من مقاطعات البراري التي لا تملك منفذا للبحر! ويقدم اميركون متحمسون وسعداء، التهاني لاخوتهم الكنديين على افتتاح اول جامعة كندية مؤخرا، واقامة اول وحدة للمطافئ من المتطوعين، واضافة الصف التاسع للمدارس، وتشغيل موجة اف ام والسماح للايرلنديين بالتصوت، والسماح بالاحتفاظ بالكلاب الاليفة! وقد ثار شاب بجامعة نيويورك وغضب غضبا شديدا عندما (عرف) ان 70% من طلاب الصف السابع الكنديين لا يستطيعون تسمية نواب الكونجرس عن دوائرهم، او تحديد الولايات التي ينتمون اليها على الخرائط، لان كندا ليس لديها كونجرس او ولايات.

ويقول الشاب في اشمئزاز «انه لامر مشين الا يعرف الناس العالم الذي يعيشون فيه»! في جامعة كولومبيا، بمدينة نيويورك، يوقع الطلاب ومعهم اساتذتهم على عريضة تطالب بوضع حد «للعادة الكندية التي تقضي بارسال المسنين الى مناطق الفيضانات الثلجية في الشمال، وتركهم هناك حتى الموت».

يقول جيف دييون، منتج ومخرج «احاديث مع الاميركيين»، ان البرنامج نجح «لأننا في الجنوب بكل ما يتعلق بكندا، وكرمهم غير المحدود كذلك تجاه الكنديين. فالاميركيون يتحلون بروح الصداقة الفياضة، وبالانفتاح، وهم فوق ذلك معتدون تماما بآرائهم».

وراء الفكاهة والضحكات، يعالج برنامج «احاديث مع الاميركيين» عقدة النقص الابدية التي يعانيها الشريك الاضعف في ميزان التبادل الاقتصادي.

يقول دييون: «دعونا نواجه الحقيقة. لماذا يرهق الفيل نفسه في دراسة اوضاع الفأر؟ كل ما اعرفه ان هذا البرنامج يعزف على الاوتار الكندية الحساسة. هو ليس برنامجا تنويريا او مهتما يرفع الوعي الذاتي. انه ليس اكثر من نكتة، ونحن نتقاضى مرتبات لاضحاك الكنديين. القضية فعلا بهذه البساطة».

واذا قصد البرنامج ام لم يقصد، فانه قد استأثر بالعناوين الصحافية العريضة، وكانت له ابعاده السياسية. فأثناء حملة الانتخابات الرئاسية، مرت على المرشحين جورج بوش وآل غور نكات صاغها ميرسر. فعندما قال للسيد بوش ان رئيس الوزراء «جان بوتين»، اعلن تأييده له، اجاب بوش بانه «يتشرف» بهذا التأييد، دون ان ينتبه لحقيقة ان القائد الكندي اسمه «كريتيان» وليس «بوتين». والكلمة الاخيرة هي كلمة فرنسية ـ كندية، تعني وجبة من شرائح البطاطا والجبن والمرق. وضبط السيد غور عندما لم يصحح ميرسر عندما قال ان عاصمة كندا هي تورينتو، وليست اوتاوا.

وتم كذلك «استعباط» بعض حكام الولايات المتحدة الاميركية. فحاكم ولاية اركانسو مايك هوكابي هنأ كندا على محافظتها على «كوخها القباني القوسي»، الذن قيل له انه نسخة متجمدة من مبنى الكابيتول بواشنطن. وعبر حاكم ايوا، توم فيلساك عن رضائه، لان كندا تحولت مؤخرا من نظام 20 ساعة الى نظام 24 ساعة في اليوم، حتى لا تشوش على السياح الاميركيين! ولكن جون تومسون، استاذ الدراسات الكندية بجامعة ديوك بكارولاينا الشمالية، له رأي آخر. فقد قال بعد ان تحدث الى برنامج «احاديث مع الاميركيين»، «انه مضحك جدا، ولكنه ليس عادلا بنفس القدر.. فأنا اعتقد انك يمكن ان تخدع الكنديين ايضا بهذه الطريقة، اذا اعطيت بعضهم بذلة ومايكروفوناً، ويمكنك بسرعة ان تجد من الكنديين من يهنئ الاميركيين على حادثة الاعدام رقم 5000، او شيء من هذا القبيل».

ويقول تومسون، الكندي الذي عاش بالولايات المتحدة 15 سنة: «التمايز عن الاميركيين مكوّن اساسي من الهوية الكندية، وهذا ليس شيئا سيئا على كل حال، لان هوية الاقطار الجديدة تتكون من خلال التضاد مع الآخرين». ومع ان كندا ليست اكثر حدة من الولايات المتحدة، فان مفهوم «تعريف الهوية الكندية» اكثر شيوعا فيها. ويقول تومسون ان الهوية الاميركية في القرن 19 كانت تمايزية بنفس القدر.

«حينها كان الاميركيون مهووسين بمقارنة انفسهم بالاوروبيين والوقوف في وجه البريطانيين على وجه الخصوص».

ويقول تومسون ان الكنديين يعرفون اكثر عن الاميركيين مما يعرف الآخرون عنهم، وان ذلك يرجع الى تعرضهم بصورة دائمة لسيل من العروض التلفزيونية الاميركية. ويقول تومسون ذلك بروح اعتذارية لانه اصبح مؤخرا، مواطنا اميركيا وهو يقول: «اعرف كيف سينظر اليَّ ذلك في كندا».

وتقول جولي كومرفورد، التي عاشت بتورونتو 15 سنة وما تزال تحتفظ بجنسيتها الاميركية، «كان الكنديون معادين لدرجة ما عندما جئت الى هنا. صحيح اننا لا ندرس الكثير عن كندا بالمدارس الاميركية، ولكن لا يمكن ان تحاسبني على كوني لا اعرف عدد الولايات الكندية».

ومع ذلك فهي تعتقد ان «احاديث مع الاميركيين»، برنامج «مضحك جدا»، «تلك الحادثة عن جان بوتين ـ ضحكت بأعلى صوتي. ولكنني، في نفس الوقت، شعرت بالحرج ان اهل بلدي لا يعرفون اسم رئيس الوزراء الكندي».

* خدمة كريستيان ساينس مونيتور ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»