اليوم الثاني لزيارة الأسد لفرنسا ركّز على توقيع اتفاقات تعاون اقتصادي وثقافي

ممثلو الأحزاب اليمينية يقاطعون استقبال الرئيس السوري في بلدية باريس

TT

أفادت مصادر حكومية فرنسية واسعة الاطلاع ان الرئيس السوري بشار الاسد شدد خلال اجتماعه ظهر امس برئيس الوزراء الفرنسي ليونيل جوسبان في قصر ماتينيون، على استمرار السير في برنامج التغيير والاصلاح والتحديث الذي يقوده في سورية. ووصف الاسد ارادة التغيير بأنها «شاملة»، الا انه، وفقا لهذه المصادر، ابلغ الجانب الفرنسي، ان التغيير «يجب ان يركز في المرحلة الاولى على الجانب الاقتصادي قبل ان يعم الجوانب الاخرى»، في اشارة منه الى الميدانين الاجتماعي والسياسي.

وجاءت تأكيدات الرئيس السوري اثناء لقاء مغلق دام ساعة كاملة مع ليونيل جوسبان الذي اجتمع به امس للمرة الاولى، وذلك بخلاف معرفته السابقة بالرئيس جاك شيراك.

جاءت اقوال الرئيس السوري في سياق الرد على التساؤلات الفرنسية حول مجرى ومصير حركة الانفتاح والتحديث في سورية. وكانت مصادر فرنسية قد ابدت تساؤلات حول بطء الاصلاحات الاقتصادية في سورية والمبادرات التي اطلقت في الميدانين الاجتماعي والسياسي، غير انها يمكن ان تفهم كرد مباشر على ليونيل جوسبان الذي ابلغ الرئيس السوري خلال اللقاء المغلق ان باريس «مهتمة عن قرب بموضوع الحريات وحقوق الانسان في سورية».

وكان الرئيس الاسد قد وصل ظهرا الى قصر ماتينيون وعقد لقاء مغلقا ادى استمراره لما بعد الوقت المخصص له سلفا الى الغاء الاجتماع الموسع الذي كان من المفترض ان يضم الوفدين السوري والفرنسي، وبحسب المصادر الفرنسية، فان اللقاء المغلق تركز على «المسائل الاقليمية» وتحديدا الازمة الفلسطينية ـ الاسرائيلية والاتصالات الدائرة بشأنها من اجل تطبيق توصيات لجنة ميتشل واعادة الطرفين الى طاولة المفاوضات ثم العلاقات اللبنانية ـ السورية، على ضوء اعادة الانتشار العسكري السوري في محيط العاصمة اللبنانية، واخيرا المسألة العراقية والمداولات الجارية بشأنها في مجلس الامن ومستقبل الوضع العراقي وعلاقات العراق مع جيرانه.

ولم تفصح المصادر الحكومية الفرنسية عن مضمون «الرسائل» التي كان الجانب الفرنسي يسعى الى ايصالها الى الرئيس السوري والوفد المرافق له.

غير ان الثابت ان الرئاسة الفرنسية ورئاسة الحكومة ووزارة الخارجية «تعمل بالتناغم والتنسيق»، كما قال مصدر فرنسي، مما يعني ان محادثات الاسد مع شيراك وجوسبان ومحادثات الوزير الشرع مع نظيره الفرنسي هوبير فيدرين «تكمل بعضها البعض».

وبداية، ذكر جوسبان، كما فعل الرئيس شيراك في اليوم السابق، بأن فرنسا «تدعو اطراف النزاع الى العودة الى طاولة المفاوضات»، والعمل بروح «التفاهم المتبادل». وكان الغداء الرسمي «مختصرا» بغية اطالة المناقشات بشأن العلاقات الثنائية الفرنسية ـ السورية، وقد وجه الرئيس السوري دعوة الى جوسبان لزيارة سورية.

ورغم ان المصادر الفرنسية تؤكد ان الاحتجاجات التي نظمتها الجالية اليهودية اول من امس وحشدت لها حوالي 6 آلاف شخص «لا تؤثر على اجواء الزيارة ولا على نتائجها»، فقد لوحظ امس ان جوسبان تحدث عن الحريات وحقوق الانسان وتحدث ايضا عن «الاجواء التي احاطت بالزيارة»، اي عن المظاهرات ودعوات المقاطعة والحملات التي تنظمها المؤسسات والجمعيات اليهودية في وسائل الاعلام الفرنسية التي تعاطى بعضها بطريقة مغرضة مع زيارة الاسد.

وصباح امس حصل حادث خلال الاستقبال الرسمي الذي نظمه رئيس بلدية باريس الاشتراكي برتراند دولانويه، فما كاد هذا الاخير ينتهي من القاء كلمته، وقبل ان يباشر الاسد بدوره في القاء خطابه، وقف احد ممثلي المجلس البلدي الباريسي ورفع يافطة صفراء عليها «الاسد معاد للسامية»، في حين اندفع جهاز البروتوكول والحرس البلدي لانتزاعها منه واخراجه من القاعة، ثم راح شخص آخر من المجلس البلدي، الذي خصصت له المقاعد الامامية لجهة اليسار، باطلاق صيحات معادية للاسد ولسورية. واخيرا تم اخراجهما من قاعة الاعياد. ولم يفقد الرئيس السوري هدوءه لا بل عندما استأنف تلاوة خطابه قال «ان ما حصل دليل على تسامحنا».

وكان بعض السوريين الموجودين في القاعة قد بدأوا بالهتاف: بالروح بالدم نفديك يا بشار»، وقد طلب منهم الاسد شخصيا التوقف.

ويعكس هذا الحادث «التعبئة» داخل المجلس البلدي الباريسي، حيث عارض ستة من رؤساء الدوائر البلدية زيارة الاسد، بينهم خمسة اشتراكيين. وغاب عن الاحتفال العديد من اعضاء المجلس البلدي من احزاب اليمين واليسار.

وبمواجهة الضغوط التي تعرض لها دولانويه وتلافيا لانعكاساتها السياسية، عمد رئيس البلدية الى القاء خطاب اتسم بالتشدد والحدة في النبرة، فمن جهة، وفي حديثه عن الارهاب، لم يشر صراحة الا الى التفجير الاخير الذي حصل في تل أبيب، على مدخل مرقص ووصف «الموت والحقد والاستعمار والارهاب» بأنها «نفي للقيم التاريخية» التي استوحاها الشعبان اللبناني والسوري.

وقد حفل اليوم الثاني من زيارة الدولة للرئيس الاسد بطغيان الشأن الاقتصادي على المحادثات، وقد تم توقيع اتفاق بين ميشال سابين، وزير الوظيفة العامة والاصلاح الاداري وحسن ريشه وزير التعليم العالي السوري للتعاون على انشاء معهد عال للادارة في سورية.

وعلمت «الشرق الأوسط» ان الرئيس السوري تقدم بطلبات محددة من فرنسا، منها المساعدة على تأهيل الكوادر التي تحتاجها حركة التحديث. وهذا الاتفاق هو الثاني الذي يوقع بعد الاتفاق السياحي الذي وقع اول من امس. وينتظر اليوم ان يوقع الاتفاق الثالث والاخير الذي يتناول التعاون الجامعي والعلمي والتكنولوجي.

واستهل الرئيس الاسد نهاره باستقبال وفد من ارباب العمل الفرنسيين في مقر اقامته في قصر ماريني. كذلك نظمت غرفة التجارة الفرنسية ـ العربية، بعد ظهر امس، لقاء بين رجال الاعمال السوريين الذين يرافقون الرئيس الاسد ونظرائهم الفرنسيين.

وامس لم تغب الاجتماعات الثقافية عن الرئيس الاسد الذي زار عصرا معهد العالم العربي، حيث استقبله رئيسه كميل كابانا ومديره العام ناصر الانصاري. ومساء، وفي بادرة غير معتادة اجتمع الرئيس السوري مع رئيس واعضاء لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الفرنسي ثم مع رئيس الجمعية الوطنية ريمون فورني. وقد وصل خارج قاعة الجمعية الوطنية تجمع دعت اليه احزاب لبنانية معارضة للمطالبة بخروج القوات السورية من لبنان.

واليوم يعقد الاسد مؤتمرا صحافيا قبيل الظهر ويغادر فرنسا عائدا الى دمشق الساعة الرابعة عشرة.