مؤلف كتاب المغرب في عهد الحسن الثاني يكشف أن قتل بن بركة لم يكن مقصودا

قال لـ«الشرق الأوسط» إن مصدريه محاميان فرنسيان دافعا عن الديلمي

TT

أثارت المعلومات الجديدة التي كشف عنها مؤلف كتاب «المغرب في عهد الملك الحسن الثاني» حول قضية المهدي بن بركة، الكثير من التساؤلات بالنسبة لما تضمنته من تأكيدات منسوبة الى «مصادر موثوقة» اعتمد عليها مؤلف الكتاب ستيفن هيوز الصحافي البريطاني الذي عمل مراسلا في المغرب لوكالة «رويترز» منذ نهاية الخمسينات، وقوله ان الزعيم اليساري المغربي المهدي بن بركة الذي فر من بلاده الى فرنسا واختفى عام 1965، تعرض للضرب حتى الموت في فرنسا بحضور مسؤولين مغاربة بارزين.

وللتأكد من حيثيات المعلومات الواردة في كتابه الذي صدر بالانجليزية في لندن، اتصلت «الشرق الأوسط» بالصحافي البالغ من العمر 77 سنة والذي ما زال يقيم في الرباط وسألته أولا عن كتابه الجديد فقال «انه كتاب صادر أصلا بالانجليزية، وهو الآن قيد الترجمة الى الفرنسية وسيصدر عن دار للنشر متخصصة في شؤون الشرق الاوسط وافريقيا».

* لم يسبق لي أن قرأت الكتاب، لكن حسبما أوردته وكالة «رويترز» فأنت لا تأتي بجديد في هذا الموضوع عندما تقول ان الجنرال أوفقير هو الذي قتل بن بركة، مادام ان المحاكم الفرنسية وجهت له نفس التهمة ورفض المثول امامها؟

ـ بالنسبة لي فهذه اول مرة يتم فيها سرد الوقائع كما حدثت، لأنني حصلت عليها من مصادر جد موثوقة.

* لكنك لم تورد مصادرك؟

ـ لأنني أريد حمايتها (يضحك) لكنني سأكشف لك عنها لأن الامر يتعلق بالمحاميين الفرنسيين اللذين توليا الدفاع عن احمد الدليمي (ضابط مغربي كبير متهم في القضية).

* مادام المتهمون في عداد الموتى فلماذا لا تذكرهم إذن؟

ـ لأنني عندما كنت بصدد الكتابة كانوا ما زالوا على قيد الحياة، فقد استغرقت كتابتي لهذا المؤلف أربع سنوات، وكان من بين فصوله الاولى فصل يتناول قضية بن بركة، لذلك تجنبت ذكر أسماء مصادري، لكن الآن يمكن ان أفصح عن اسميهما وهما تسيبي بنينكود وروني كلوريو، وهما محاميان فرنسيان كبيران كان يدافعان عن الدليمي، فهما من سرد لي ما وقع.

* هل يمكن ان نصف اغتيال بن بركة بعدما كشفت عنه من معلومات بما انه قتل بحضور مسؤولين مغاربة كبار بأنه «جريمة دولة»؟

ـ لا، لم يكن قصدهم قتله، وما وقع هو التالي: تم ترتيب موعد للمهدي بن بركة في الفيلا التي قتل فيها، وقيل له انه سيقابل شخصيات مغربية مهمة، واعتقد هو في البداية ان الأمر يتعلق بالأمير مولاي علي الذي كان يشغل آنذاك منصب سفير المغرب في باريس، ولكنه فوجئ عندما وصل الى مكان الموعد بوجود اثنين من كبار أعدائه، وهما الجنرال محمد أوفقير وضابط كبير في الجيش هو احمد الدليمي، فأصيب بن بركة بالفزع. وعندما حاول الهرب اعترضه جورج بوشسيش، الشخص الثالث الذي كان في رفقة المسؤولين المغربيين، وهو رجل طويل القامة وضخم الجثة يزن حوالي مائة كيلوغرام. ولمنع بن بركة من الهرب ضربه بلكمات قوية، وبما ان الأخير كان ضعيف البنية، كانت تلك الضربات قاضية وحدث الموت إذن امام أعين المسؤولين المغربيين.

* هل يتعلق الأمر اذن بحادث قتل عرضي، أي غير مقصود؟

ـ بالفعل، لم يكن المقصود قتل بن بركة، وقد أصيب الجميع بالهلع، وعملوا كل شيء من أجل إخفاء ما وقع، والفرنسيون بالمقابل حين عرفوا بما حدث حاولوا معرفة الحقيقة، ومن هنا تداخلت الخيوط وتعقدت القضية، وحتى حين عقدت محكمة للنظر في القضية ظلت الحقيقة مجهولة.

* وهل تعرف اين جرى اخفاء الجثة؟

ـ قيل لي إبانها إن الجثة دفنت قرب ضفاف نهر السين في باريس.

* متى حصلت على هذه المعلومات وما هي مصادرك؟

- إبان المحاكمة الثانية للدليمي.

* في أية سنة بالضبط؟

ـ يجب أن أعود الى وثائقي لأتأكد بالضبط من التاريخ، لكن ذلك حصل أثناء المحاكمة الثانية.

* في سنوات الستينات؟

ـ نعم في سنوات الستينات.

* أين كنت تعمل في تلك الفترة؟

ـ كنت مراسلا لرويترز في المغرب، وقد ذهبت الى باريس لمتابعة أطوار المحاكمة، وخلال تلك الفترة تعرفت على المحاميين الفرنسيين. وعند نهاية المحاكمة دعواني الى بيت أحدهما بمناسبة حفل استقبال، وخلال ذلك الحفل أسرا لي ولزميل أميركي بالوقائع كما جرت.

* وهل كانت تتوفر لديهما أدلة على ما يقولانه؟

ـ نعم كانت لديهما الادلة الكاملة، وعندما أسرا لنا بما لديهما من معلومات، قلنا لهما انا وزميلي الاميركي ان تلك المعلومات تصلح لمقال مهم، فحذرانا في اللحظة ذاتها من مغبة نشر تلك المعلومات لما لها من خطورة.

* وما هو مصدر الخطر من وراء نشر تلك المعلومات في تلك اللحظة؟

ـ لم تكن المخابرات الفرنسية آنذاك لتسمح لنا بنشر ما توفر من معلومات حول القضية.

* لماذا تأخرت في نشر كتابك كل هذه الفترة؟

ـ لأن الامر يتعلق بكتاب يتناول حقبة تاريخية تبدأ من عام 1952، ونفي السلطان محمد الخامس عام 1953، وعودته، وفترة ملكه وبداية عهد الملك الحسن الثاني، وفي هذا الكتاب أستعرض الاحداث الكبرى التي عاشها المغرب خلال نصف القرن الماضي، وتنتهي احداث الكتاب مع موت الحسن الثاني وتولي محمد السادس الملك. فهذه هي نهاية التاريخ بالنسبة لكتابي هذا. لقد حاولت ان أكون محايدا وموضوعيا قدر الامكان في تناول احداث المغرب بدون الدخول في الجدل العقيم، ومن دون اصدار احكام، لأن ما قمت به هو تسجيل لما عشته وشاهدته من احداث.