مدينة مدريد تمنح الأمير سلمان لقب «زائر ممتاز»

أمير الرياض: للعرب والإسبان حضارة مشتركة قدمت الكثير من الخير إلى العالم

TT

واصل الامير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض أمس برنامج زيارته الرسمية لاسبانيا بدعوة من الملك خوان كارلوس الذي أقام مع الملكة صوفيا للضيف السعودي مساء أول من أمس مأدبة عشاء تكريمية.

وبدأ الامير سلمان أمس برنامجه بزيارة بلدية مدريد، وترأس مستقبليه لدى وصوله الى مبنى البلدية، عمدة مدينة مدريد خوسيه ماريا الباريت ديل المننانو وأعضاء المجلس البلدي وكبار المسؤولين في البلدية. وبدأ حفل خطابي أعلن فيه عمدة مدينة مدريد أن المجلس البلدي قرر بالاجماع منح لقب «زائر ممتاز» للامير سلمان بن عبد العزيز وتقديم الميدالية والشهادة الدالة على هذا النوط، حيث اعتمد عمدة مدينة مدريد كأمين عام للمجلس ذلك.

وقال عمدة مدريد في كلمة بهذه المناسبة «انه شرف عظيم لبلدية مدريد وشرف لي شخصيا أن أستقبل الامير سلمان بن عبد العزيز الذي يمثل في هذه الزيارة السعودية والشعب السعودي». وأضاف «أن السعودية واسبانيا تربطهما علاقات ممتازة، على الرغم من أن الزيارات الرسمية على المستوى الرفيع ليست كثيرة، الامر الذي يجعل من هذه الزيارة الكريمة فرصة هامة جدا». وأكد عمدة مدريد أن السعودية وإسبانيا وقعت على عاتقهما من وجهة النظر التاريخية مسؤولية عظيمة في أن تكون بينهما علاقات تعاون قوية، وثمن دور العرب في اسبانيا وقال «ان الوجود العربي شمل جميع أنحاء شبه جزيرة ايبيريا وقد مكث هذا الوجود حوالي ثمانية قرون تقريبا وظل تأثيره متصلا بنا الى الابد، مكونا جزءا من جوهر كل ما هو إسباني». ومضى يقول «إن وصول العرب وبقاءهم نتج عنه التقاء شعوب وحضارات مستمرة حتى الآن ومن الممكن مشاهدة ذلك في الطراز المعماري الذي شمل أنظمة الري وبناء القنوات المائية على مزارعنا، اضافة الى الاطعمة والمأكولات». وأضاف في كلمته «إن علامتنا التي نرفعها أمام العالم هي لغتنا، فاللغة الاسبانية لا يوجد بها بعض الكلمات العربية فقط مثل كلمة «الكادي» التي تأتي من كلمة القاضي في اللغة العربية وانما بقيت بعض الحروف المميزة مثل حرف «خ» وهو ما يميز اللغة الاسبانية عن بقية لغات العالم».

وأشار الى أن مدينة مدريد ليست بعيدة عن هذا الحضور العربي الشامل في اسبانيا ذلك لان نفس كلمة مدريد جاءت من الكلمة العربية (مجريط) والتي أسسها الامير محمد الاول القرطبي عام 820م وكذلك وجود المباني من الطراز العربي في هذا الميدان الذي يقع فيه مبنى البلدية. ومضى عمدة مدريد يقول «اذا كنت قد أشرت إلى الجذور العربية لمدريد، فيجب علي أن اقول انه خلال 227 عاما من الوجود العربي فان هذه المدينة تحولت من مجرد قلعة الى مدينة مسورة لها اعتبارها البارز في تلك الازمنة، كما وصلت الى ان تكون مركزا ثقافيا هاما لكل اسبانيا المسلمة التي ظهرت فيها المدارس التي كانت تعلم الرياضيات وعلوم الفلك». واختتم كلمته بالقول «لكل هذه الاسباب وأسباب أخرى كثيرة من الصعب سردها والتعبير عنها فى هذه الكلمة القصيرة نود أن نعلن عن حب أهل مدريد للشعب السعودي ولحكومته ولشخصكم الكريم ونعبر عن ذلك بتقديم شهادة الزائر المميز لمدينة مدريد لسموكم الكريم». وارتجل الامير سلمان بن عبد العزيز كلمة قال فيها «سعادة عمدة مدينة مدريد أيها الاعضاء الكرام.. أشكركم على اعطائي هذه المرتبة العليا في بلدكم، وانا فخور بذلك لما ترمز اليه هذه المرتبة من علاقات ممتازة بين بلدينا وعاصمتينا، إن العلاقات بين السعودية واسبانيا عريقة وقديمة ويهمنا جدا أن تستمر وتنمو في كل المجالات، وآمل أن تكون زيارتي هذه عاملاً من عوامل توثيق العلاقات بين بلدينا وبين عاصمتينا وأنا أرحب بالاصدقاء الاسبان في السعودية في أي وقت، خصوصا سعادة العمدة ومن يراه من الاعضاء حتى نحظى به ضيفا كريما في بلدنا».

وأضاف «أيها الحضور الكرام.. لا شك ان العلاقات التاريخية الوثيقة واللصيقة بين بلدينا هي علاقات تاريخية أعطت ثمارا ناضجة للعالم، ولقد مزجت الحضارة الاسلامية العربية بين حضارات شعوب الشرق وشعوب آسيا وأفريقيا وأتت بها الى هذه البلاد، ولقد نتج عن امتزاج الحضارات الشرقية والافريقية مع الحضارة في هذه البلاد فائدة كبرى للعالم كله». ومضى يقول «ولو رجعنا الى الابحاث التاريخية الموثقة لوجدنا أن من هذه البلاد شبه جزيرة ايبيريا صدّر لاوروبا وللعالم أجمع العلوم من كل الانواع ومختلف الفنون والتي لا يزال العالم حتى الآن يسترشد بها مثل العلوم الثقافية والطبية والفلكية وكل أنواع الثقافات والعلوم التي تخدم البشرية». واضاف الامير سلمان «نشعر أن تاريخنا مشترك وأن ما يراه الزائر لاسبانيا من الحضارة العربية الاسلامية والتي لا تزال تزار من كل السياح، ويجد السائح والزائر العربي لهذه البلاد انه قريب وقريب جدا من هذا الشعب، وأن ما يدعو للاعجاب هو اعتزاز اسبانيا بهذه الحضارة».

وقال الامير سلمان في كلمته «أيها الاصدقاء.. إن العالم كله تربة واحدة وأن قدم الايجابيات استفاد منها وأن قدم السلبيات تضرر منها، ونحمد الله أن حضارتنا المشتركة قدمت الكثير من الخير للعالم، وفي الختام أشكر سعادة العمدة لدعوته هذا اليوم وأشكره لتكريمة لي على هذه الصفة».

ثم سجل الامير سلمان كلمة في سجل الزيارات عبر فيها عن شكره للعاهل الاسباني الملك خوان كارلوس للحفاوة وحسن الاستقبال اللذين لقيهما والوفد المرافق، كما شكر عمدة مدينة مدريد على تكريمه ومرافقيه.

وفي وقت لاحق، زار الامير سلمان بن عبد العزيز متحف البرادو، وهو اهم متحف اسباني، وكان في استقباله لدى وصوله الى مقر المتحف كبير محافظي المتحف والمسؤولون فيه، وتجول الامير في أنحاء المتحف واطلع على ما يضمه من لوحات تاريخية قام برسمها كبار الرسامين في أوروبا ولا سيما في اسبانيا. ورافق الامير سلمان في الزيارتين الامير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز أمين عام الهيئة العليا للسياحة، والامير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، والامير تركي بن سلمان بن عبد العزيز، كما رافقه اعضاء الوفد الرسمي المرافق والقائم بأعمال سفارة السعودية السفير عبد الاله مهنا العبدلي.

وكان العاهل الاسباني الملك خوان كارلوس والملكة صوفيا أقاما مساء أول من أمس حفل عشاء تكريما للامير سلمان في قصر الشرف بمدريد. وفور وصوله الى قصر الشرف كان في استقبال الأمير سلمان العاهل الاسباني والملكة صوفيا وولي عهد اسبانيا. والقى العاهل الاسباني في هذه المناسبة كلمة قال فيها: «انه لمن دواعي الغبطة والسرور ان استقبلكم اليوم بهذا القصر الملكي بمدريد واوليكم فائق الحفاوة انتم الامير والوفد الرفيع المرافق لك كصديق كبير لاسبانيا بصفتكم اميرا لمنطقة الرياض ونجل الملك عبد العزيز آل سعود موحد المملكة العربية السعودية ومؤسس دولتها الحديثة واخا لخادم الحرمين الشريفين جلالة الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود ارجو من سموكم ان تنقلوا لجلالته اسمى معاني وعبارات المحبة والاخوة». ان الصداقة الحميمة التي تربط بين عائلتينا ليست سوى صورة صادقة تعكس العلاقة المميزة التي تربط بين شعبينا وبلدينا وهي العلاقة التي تستمد جذورها من التاريخ. ان اسبانيا على مر القرون ملتقى للثقافات والديانات، حيث كان للحضارة العربية الاسلامية فيها اثار مستديمة انطلاقا من تألق الامثلة العمرانية للمسجد الجامع بقرطبة ومدينة الزهراء او قصور الحمراء بغرناطة ومرورا بتلك الثروة اللغوية الهائلة التي اثرت لغتنا ووصولا الى تلك الاعمال الخاصة بالبحث العلمي والفلسفي التي سمحت بصيانة وحماية الارث الكلاسيكي، انها اذن مغامرة المعرفة والفكر والحضارة التي طبعت الى الابد مستقبل وتاريخ شعبينا. الا ان التبادل بين بلدينا لا ينتهي بزوال تلك الحقبة الماضية التي بقدر ما تحفزنا وتستلهمنا فانها تنير الدرب امامنا. سمو الامير اسمحوا لي ان ابلغكم عن مدى الاهتمام الذي توليه اسبانيا للمرحلة الصعبة التي تعرفها العملية السلمية بمنطقة الشرق الاوسط اذ انه وبعد حوالي ثمانية اشهر من العنف يبدو اننا اليوم امام بصيص امل. انني على يقين من ان السعودية واسبانيا بامكانهما ان تلعبا دورا متناميا للاسهام في التوصل الى سلام عادل وشامل ودائم تصبو اليه شعوب المنطقة كافة.

وبالاضافة الى ذلك فان العلاقات القائمة بين الاتحاد الاوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي تنم عن رؤى وآفاق مشجعة. واذ لم تبق سوى ستة اشهر على تسلم اسبانيا الرئاسة الدورية للاتحاد الاوروبي فكثيرة هي المجالات التي تضع امامنا فرصة تعزيز وتكثيف التعاون والعلاقات القائمة بيننا». بعد ذلك القى الامير سلمان كلمة شكر فيها الملك خوان كارلوس على كلماته الطيبة، متمنيا أن يكون ذلك اللقاء دليلا على ما اتسمت به «علاقات بلدينا وشعبينا دوما من صداقة قوية وتعاون بناء كانت دائما مثلا يحتذى لما يجب ان تكون عليه معاني التقدير والاحترام بين الدول والشعوب والثقافات». وأضاف الأمير سلمان «اذا كانت هذه هي طبيعة الصلة بين بلدينا وشعبينا فانها لم تأت الا نتاجا لما يتصف به الشعبان من سمات اخلاقية تمازجت فيها فضائل من حسن النوايا وكريم الاهداف وما يجمعنا به التاريخ من ارث ثقافي وحضاري يشكل قنوات التقاء بيننا تدفعنا لان نكون اكثر استفادة من الوسائط العلمية اقتصاديا وعلميا والتي سهلت التقاء الاقطاب المتباعدين، فكيف بنا ونحن الاقرب الى بعضنا البعض بفعل مؤثرات ذلك الارث التاريخي».

وفي وقت لاحق اقام رئيس حكومة منطقة مدريد البرتو رويس جايا ردون ظهر امس حفل غداء تكريما للأمير سلمان. وألقى رئيس حكومة منطقة مدريد كلمة خلال الحفل الذي حضره الوفد المرافق للأمير سلمان وأعضاء حكومة منطقة مدريد نوه فيها بدور المملكة العربية السعودية الرائد في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، مشيرا الى ان دورها يماثل دور اسبانيا في الاطار الاوروبي. وقال: اننا نظر الى المملكة العربية السعودية ودورها الايجابي في عملية الشرق الأوسط بكل تقدير واحترام. واصفا المملكة العربية السعودية بأنها دولة مهمة في عملية السلام في الشرق الأوسط كما هو الحال بالنسبة لاسبانيا التي تقوم وفي اطار الاتحاد الاوروبي بجهود للوصول الى سلام دائم وشامل في المنطقة.

واضاف رئيس حكومة منطقة مدريد: ان العلاقات الاقتصادية والتجارية والمالية بين البلدين قوية جدا ونأمل ان يتعزز هذا الدور اكثر واكثر في المستقبل بين البلدين. وأشار الى ان هناك علاقة متميزة بين اقليم مدريد والمملكة العربية السعودية، مؤكدا ان مدريد ستعمل بكل ما في وسعها لتعزيز هذه العلاقة في كافة المجالات. واوضح ان مدريد تستقطب 73 في المائة من الاستثمارات الاجنبية في اسبانيا، مشيرا الى ما تتمتع به من خدمات وبنية تحتية قوية. وقال: ستلمسون أهمية مدريد للاستثمارات وللتنمية، مكررا ترحيبه بأمير منطقة الرياض ومعربا عن أمله ان تكون هذه الزيارة سببا لتعزيز العلاقات مع السعودية والعالم العربي. ثم ارتجل الأمير سلمان كلمة قال فيها: «اشكركم على دعوتكم الى هذا اليوم وجمعي بهذه النخبة الممتازة، وانا مسرور جدا ان اكون في مدينة مدريد هذه الايام بدعوة كريمة من جلالة الملك خوان كارلوس والتي اتاحت لي الاجتماع برجال اسبانيا وابناء مدريد بالذات. ان هذه العاصمة لهذه الدولة الصديقة تمثل لنا الشيء الكثير في معاني الصداقة والتعاون بين بلدينا. والرياض اليوم تشعر انها مدريد ونأمل ان شاء الله في القريب ان تزورونا في الرياض حتى تروا معالم النهضة في المملكة كما رأيناها في مدريد.

ان الصداقة بين بلدينا شيء نعتز به ونحافظ عليه ونأمل ان يزداد التعاون بين البلدين في كل المجالات، والفرص متاحة هنا وهناك للتعاون والتاريخ المشترك والمصالح المشتركة تجمعنا، وكما تقوم اسبانيا بدورها في اوروبا كذلك تقوم المملكة بدورها في العالم العربي والاسلامي. والمملكة فيها بيت الله وهو قبلة المسلمين جميعا وهي في جزيرة العرب وعاصمة العرب، ولا شك ان ما نراه في هذه البلاد من آثار عربية اسلامية اسبانية هي عنوان للصداقة وعنوان للتاريخ المشترك. ان المملكة العربية السعودية وهي تقوم بدورها لاحلال السلام في المنطقة وفي العالم كله، انطلاقا من مسؤوليتها الدينية والتاريخية، تأمل من جميع اصدقائها ان يعاونوها في هذا الدور.

ونأمل ان يكون التعاون الاسباني ـ السعودي في كل المجالات وخصوصا السياسية وحل المعضلات في العالم هو لخير البشرية. اشكركم باسمي وباسم زملائي المرافقين لي على هذه الدعوة». وفي نهاية الحفل تم تبادل الهدايا التذكارية بهذه المناسبة. كما سجل الأمير سلمان كلمة في سجل الزيارات اعرب فيها عن شكره للملك خوان كارلوس ولرئيس حكومة منطقة مدريد على هذه الدعوة كما عبر عن سعادته لزيارة مدريد.