بعض مستوطنات الضفة الغربية تتحول مدن أشباح وسكانها يرحلون خوفا من تفاعلات الانتفاضة

TT

تبدو مستوطنة حوميش الصغيرة الواقعة على تل شمال الضفة الغربية كمدينة اشباح، فالزائر للمستوطنة يمر عبر نقطة تفتيش عسكرية عند مدخلها ليجد الشوارع خالية من السيارات، وملاعب الاطفال صامتة، والاعشاب مهملة يصل طولها الى اعلى الركبة حتى تكاد تخفي مداخل المنازل.

قبل الانتفاضة الفلسطينية كانت 60 اسرة تعيش في هذه المستوطنة وانخفض العدد اليوم الى 37 فقط، ويفكر العديد منها بالرحيل عنها. ومع استمرار المعارك منذ 9 اشهر وتصميم الفلسطينيين على الاستمرار في شن هجمات على المستوطنين تشعر الحكومة الاسرائيلية بالقلق من احتمال تزايد عمليات «الرحيل».

وبالرغم من عدم توفر احصائيات، فان استطلاعا لاتجاهات المستوطنين نشرت نتائجه اخيرا في صحيفة «يديعوت احرنوت» يؤكد مخاوف الحكومة. فمن بين 500 مستوطن استطلعت آراؤهم قال 19 في المائة انهم سيغادرون الضفة اذا امكنهم ذلك. وتعكس الرغبة المتزايدة للرحيل عن المستوطنات كيف تغير الوجود اليهودي في الضفة الغربية عبر السنوات مع وصول عددهم الى 200 الف موزعين على 140 مستوطنة وسط مليوني فلسطيني.

وخلال جولة الاسبوع الحالي للمنطقة استمع الجنرال شاؤول موفاز رئيس اركان الجيش الاسرائيلي الى قادة المستوطنين المحليين الذين اعربوا عن خشيتهم من استعداد العديد منهم في شمال الضفة للمغادرة هذا الصيف.

وذكر اموس هارل المراسل العسكري في صحيفة «هآرتس» الاسرائيلية ان «مأزق اتخاذ قرار البقاء والرحيل سيصل الى ذروته بالنسبة لعدد من الاسر مع نهاية العام الدراسي. وستظهر الهجرة بشكل واضح بصفة رئيسية في المستوطنات العلمانية.. ولكن ليس هناك فقط».

وذكر هارل انه في محاولة لوقف الهجرة يغرق الجيش المنطقة بقوات من الوحدات الخاصة، ويقدم المزيد من الحماية للمستوطنين، ويوفر لهم الدروع المضادة للرصاص والحافلات المصفحة لتنقلاتهم.

يذكر انه بعدما استولت اسرائيل على الضفة عام 1967، كان معظم الذين انتقلوا للعيش في الضفة من المتدينين فاطلقوا على المنطقة اسم يهودا والسامرا واعتبروها جزءا لا يتجزأ من ارض اسرائيل. ولكن في العقدين الماضيين تغير الوضع، اذ انتقل اليها آلاف من العلمانيين بحثا عن حياة افضل وارخص من الحياة في المدن الاسرائيلية المزدحمة وذات التكلفة المرتفعة.

وتعتبر الصحف الاسرائيلية تلك المجموعة «نقطة الضعف» في المستوطنات، فهؤلاء اشخاص ليسوا على استعداد للاستمرار في حضور جنازات الجيران الذين قتلوا خلال رحلات الذهاب او الاياب من العمل، ويشعرون بالقرف من ارتداء السترات والخوذات الواقية خلال تنقلهم اليومي.

ويشير يوسي توب (38 سنة) الى انه «قبل ان يسوء الامر هنا، كانت الحياة، مثل الولايات المتحدة». واضاف توب الذي انتقل الى حوميش قبل خمس سنوات ويعيش هناك مع زوجته واطفاله الخمسة «كان المناخ نقيا والمشاهد جميلة، وكانت هادئة، وكنا نذهب الى القرية (الفلسطينية) المجاورة للتسوق».

اما اليوم فالقرية مفروض عليها حظر التجول بعدما قتل اثنان من ابناء حوميش في اقل من اسبوع على الطريق الذي يصل القرية بالمستوطنة.

ويصر توب وزوجته الخائفة على ضرورة المغادرة. ويقول انه يود ترك المستوطنة بصفة مؤقتة، ربما الى مستوطنة اخرى اكثر امنا، وقريبا من الحدود مع اسرائيل. ويجادل الزوجان عما يجب القيام به.

من جانبها تؤكد مارسيل سيتبون، وهي مطلقة وام لخمسة اطفال، انها ستترك المستوطنة. وتقول انه بعد 13 سنة في حوميش، لم تعد راغبة في تعريض اطفالها للخطر اكثر من ذلك.

وتقول مارسيل انها تحب هذه المستوطنة، التي اقيمت عام 1980. «لقد جئت هنا ليس من اجل اسباب اقتصادية ولكن من اجل المبدأ، لانني اعتقد ان هذه هي بلادي، وان هناك دولة واحدة لليهود. واطفالي يحبون حوميش للغاية، ولكن اخشى جدا عليهم».

وتضيف انه ايام الدراسة، يذهب اطفالها في رحلة تستغرق 90 دقيقة في حافلة مدرعة يصحبها سيارات جيب عسكرية للمدرسة الواقعة في مستوطنة الفى منشيه، على بعد 15 ميلا جنوب غرب «حوميش». وتتصل عبر الهاتف المحمول كل عدة دقائق للتأكد من عدم وقوع اي مشكلة على الطريق. وعندما تذهب مع جاراتها الى محل البقالة، يرقدن على ارضية الحافلة المدرعة. ويضطر صاحب المحل الوحيد في حوميش الى القيام برحلات يومية خارج المستوطنة لشراء الامدادات من الحليب والخبز والبيض وغيرها من المواد الاساسية لان الشاحنات ترفض الحضور للمستوطنة.

وتؤكد مارسيل انها اتخذت قرارها بعدما قتل جاراها داني يهودا واليا كريفيتز في حادثتي اطلاق نار على الطريق الى حوميش . وهي الان تبحث عن مكان لاستئجاره داخل اسرائيل وشركة نقل شجاعة بدرجة كافية لنقل ممتلكاتها.

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»