الأسد: قد أزور بيروت بمناسبة القمة الفرنكوفونية ونحن منفتحون على كل تنسيق مع الفلسطينيين

الرئيس شيراك زار الرئيس السوري في مقر إقامته قبل مغادرته لباريس

TT

نفى الرئيس السوري بشار الأسد في باريس امس وجود اية اتصالات ووساطات بين سورية واسرائيل، كما استبعد حصول اجتماع قريب بينه وبين الرئيس الاميركي جورج بوش او قيامه بزيارة الى الولايات المتحدة الاميركية.

وأكد الأسد ان سورية تعترف رسمياً بأن مزارع شبعا لبنانية وبأنه سيزور العاصمة اللبنانية دون ان يستبعد اتمام هذه الزيارة الى بيروت إبان قمة الفرنكوفونية التي ستلتئم في شهر اكتوبر (تشرين الأول) المقبل في لبنان. ونقل الأسد قلق المسؤولين الفرنسيين على الاقتصاد اللبناني. واذ دعا الأسد مجدداً الى دور فرنسي وأوروبي فاعل في الشرق الأوسط، رفض اعطاء حكم على سياسة الادارة الاميركية الجديدة معتبراً ان هذه الادارة «لا تشارك فعلياً في عملية السلام». واعلن الأسد ان الصحافي السوري نزار نيوف حرّ في تحركاته وبوسعه مغادرة سورية متى شاء، مذكراً انه اذا كانت الاولوية في عملية الاصلاح للاقتصاد، فهذا لا يعني تناسي القطاعات الاخرى.

جاءت تصريحات الرئيس السوري في اطار مؤتمر صحافي عقده امس في مقر اقامته الرسمي في قصر ماريني وحضرته الصحافة الفرنسية والعربية والاجنبية ورافقه بعض اللغط بسبب عدم تمكن عدد من الصحافيين من الدخول اليه.

وفي لفتة ذات ابعاد سياسية واضحة، قام الرئيس الفرنسي جاك شيراك بزيارة الأسد ظهر امس في مقر اقامته الرسمي الذي لا يبعد سوى امتار عن قصر الاليزيه. وفسّرت الاوساط الفرنسية هذه اللفتة بانها استهدفت ازالة الانطباع السيئ الذي تكون قد سببته المظاهرات الاحتجاجية والأحداث التي افتعلتها الجمعيات اليهودية والأوساط السياسية والاعلامية الداعمة لها في فرنسا. ومنذ يوم الاثنين، اي اليوم الاول للزيارة، علم ان شيراك والأسد سيلتقيان مرة ثانية. ومن جهته، اجرى نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام محادثات مع رئيسة حزب التجمع من اجل الجمهورية ميشال أليو ـ ماري ومع المسؤول عن العلاقات الخارجية في الحزب الاشتراكي هنري ناليه وكذلك مع الوزير السابق هيرفيه دو شاريت، احد المسؤولين في تجمع اتحاد الديمقراطية الفرنسية.

وفي مؤتمره الصحافي، وصف الأسد زيارة الدولة الاولى التي قام بها الى فرنسا بأنها «ناجحة بكل المقاييس، اذ اتاحت الفرصة محادثات سياسية، اقتصادية، ثقافية، وأدت الى توقيع العديد من الاتفاقيات، في مجالات النقل والتعليم العالي والتأهيل الاداري والبحث العلمي والتكنولوجيا والسياحة وخلافها. وحرص الأسد على التأكيد على «وجود توافق حول اغلب المواضيع المطروحة» بخصوص مسألة السلام مما يعني ضمناً ان مقاربة الطرفين حول بعض النقاط ليست بالضرورة واحدة. ودافع الأسد عن ضرورة دور فرنسي وأوروبي في الشرق الأوسط. ووصف دور اوروبا بأنه «دور مكمّْل ومساعد وليس مناقضاً للدور الاميركي او يحل محله».

وفي ردّه على سؤال لـ«الشرق الأوسط» قال الرئيس السوري: «علينا ان ننتظر حتى نقيّم السياسة الاميركية في المنطقة واعتبر ان تحرك واشنطن «لم يبدأ بشكل واضح». وعاد الأسد مجدداً للقول ان شارون «يدفع المنطقة باتجاه الحرب وسورية لا تريد الحرب وكذلك الدول العربية التي تعمل بالاتجاه المعاكس». وشدد الرئيس السوري على ان الأداء الاسرائيلي «حتى هذه اللحظة، ما زال في اتجاه دفع المنطقة الى الحرب».

ولكن في حال انهيار وقف النار الفلسطيني ـ الاسرائيلي وتدهور الاوضاع في الاراضي المحتلة، ما الذي سيكون عليه موقف سورية وهل ستتيح للمنظمات الفلسطينية الموجودة في سورية او لحزب الله اللبناني القيام بعمليات ضد اسرائيل؟

على هذا السؤال المباشر تحاشى الرئيس السوري الاجابة المباشرة. غير انه اكد بداية ان «هذه المنظمات هي التي تحدد موقفها وليست سورية» مضيفاً ان السؤال يجب ان «يوجه الى المنظمات وهي ليست تابعة لسورية». واذ اعتبر الاسد ان دخول اسرائيل الى الاراضي الفلسطينية المستقلة لا يعني بشكل رسمي انهاء عملية السلام وكل ما له علاقة بالسلام، حرص الرئيس السوري على القول ان سورية «تلتزم بالاتفاقات الدولية التي وقعتها» وان «اي شيء سيحصل في المستقبل سيأخذ في الاعتبار هذه الاتفاقيات».

وفُهم من كلام الرئيس السوري بأن دمشق ملتزمة بالحفاظ على الهدوء وفق اتفاق فك الاشتباك الموقع مع اسرائيل.

وحرص الرئيس السوري كذلك على نفي ان تكون محادثاته مع شيراك وجوسبان قد تطرقت لمسألة مزارع شبعا. واغتنم الأسد وجوده في باريس ليؤكد ان مزارع شبعا لبنانية وقال: «نحن اعلنا بشكل رسمي ان مزارع شبعا لبنانية». ويبدو ان الرئيس السوري يرفض صلاحية الامم المتحدة في تحديد هوية شبعا اذ وصف دور المنظمة الدولية بأنه «مستودع للاتفاق النهائي» بين الدولتين المعنيتين اي لبنان وسورية اللتين يعود لهما حق تحديد الجهة التي تنتمي اليها مزارع شبعا. والمعروف ان هذه النقطة كانت احد مواضيع الخلاف بين سورية وفرنسا (والأمم المتحدة) التي تعتبر ان شبعا لا يشملها القرار 425. ومنذ فترة، دأبت المصادر الفرنسية على القول انه اذا كانت سورية تعتبر حقيقة ان مزارع شبعا لبنانية، فعليها وعلى لبنان ايداع الأمم المتحدة اتفاق حدود بهذا المعنى وعدم الاكتفاء برسالة الى المنظمة الدولية. ورد الأسد على هذه الحجة بقوله انه «في المستقبل (اي بعد تحرير مزارع شبعا) وبعد تحديد الحدود، ستقوم الدولتان بتسجيل ذلك لدى الأمم المتحدة».

وتناول الرئيس السوري علاقة دمشق برئيس السلطة الفلسطينية مذكراً انه دعا ياسر عرفات الى زيارة دمشق وأنه تم الاتفاق على ارسال وفد فلسطيني الى العاصمة السورية لتحضير الزيارة. واضاف الأسد: «مضت عدة اشهر وما زلنا ننتظر، لا نعلم ان كانت لديهم (اي الفلسطينيين) ظروف معينة لكننا منفتحون على كل تعاون وتنسيق مع الفلسطينيين ومع اي طرف عربي».

وعاد الرئيس السوري الى ما اعلنه اول من امس امام لجنة الشؤون الخارجية الفرنسية حول الانسحاب السوري من لبنان وحول عودة هذا الامر الى العسكريين في سورية ولبنان. وقال الأسد: «كنت اتكلم عن تحديد زمن (اعادة الانتشار) والطريقة. ولكن العسكريين يخضعون لمؤسسات اخرى وللقرار السياسي وهم ليسوا مؤسسة منفصلة» مضيفاً انه لم يكن «يتحدث عن مبدأ الانتشار او القرار» الذي يعود بطبيعة الحال الى السلطة السياسية.

ولكن لماذا لم يزر الأسد حتى الآن لبنان علماً انه قام بعدة زيارات عربية؟

على هذا السؤال، اجاب الرئيس السوري بأن زيارة لبنان «مطروحة بكل تأكيد ولا توجد مشكلة بيني وبين الرئيس لحود وسيتم تحديد موعد الزيارة لاحقاً». وعما اذا كانت القمة الفرنكوفونية في بيروت، في شهر اكتوبر (تشرين الاول) المقبل فرصة لاتمام هذه الزيارة، تحاشى الرئيس السوري الاجابة المباشرة، من غير ان ينفي مثل هذا الاحتمال واكتفى بالقول انه «من المحتمل ان تحضرها سورية».

ورغم انها «غير منتسبة الى المنظمة الفرنكوفونية، لكنها لا تعتبر نفسها بعيدة عنها».

وكان لبنان قد استشار فرنسا في امكانية توجيه دعوات لرؤساء او مسؤولين عرباً لحضور قمة بيروت رغم عدم انتساب دولهم الى المنظمة الفرنكوفونية. وتقول السلطات اللبنانية انها حتى الآن لم تتخذ بعد قراراً بذلك.

وتناول الرئيس السوري مطولاً عملية الاصلاح والتحديث التي يقوم بها في سورية وما يسعى اليه من اجل جذب الاستثمارات الاجنبية الى الاقتصاد السوري، نافياً الرأي الشائع عن ان الاصلاحات توقفت او تباطأت. وسئل الرئيس السوري عن الصحافي السوري نزار نيوف فأكد ان هذا الاخير «غير ممنوع من السفر» وان هناك اذناً يسمح له بالخروج من سورية اذا رغب في ذلك. ورفض الرئيس السوري الخوض في جدل حول موقف «الحرس القديم» في التغيير والتحديث في سورية ليخلص الى التأكيد ان «من هو مع التطوير، فانه يعمل لمصلحة الوطن ومن هو ضد التطوير فانه يعمل لمصلحته الشخصية».

ومن جهة اخرى، اكد الأسد انه سيزور المانيا الشهر المقبل وان ليونيل جوسبان قبل دعوته لزيارة سورية، على ان يحدد موعدها لاحقاً.