مزارعو البقاع يعودون إلى الحشيشة ويتصدون لقرار الحكومة بإتلاف الموسم

نواب المنطقة حائرون و«حزب الله» الخاسر الأكبر

TT

ليس غريباً او مستغرباً ان يعود اهالي منطقة البقاع اللبناني الى زراعة الحشيشة المخدرة، بعدما امتنعوا عنها بالترغيب والترهيب في العام 1993. ففي منطقة يبلغ سعر المتر المربع في بعض اراضيها اقل من سعر متر السجاد الصناعي(الموكيت) في منزل اسرة متوسطة الحال في بيروت، لن يصعب ان تجد من هو مستعد للتضحية بحياته لمنع اي كان من اتلاف محصول الحشيشة الذي يأمل منه اطعام عياله وكسوتهم وتدفئتهم في فصل الشتاء البارد، بعدما دفع الكساد ببعض اهالي بعلبك الى عرض اراضيهم على اطراف المدينة للبيع بثلاثة دولارات للمتر المربع دون وجود من يشتري.

وتعاني منطقة بعلبك ـ الهرمل في البقاع من ازمة اقتصادية واجتماعية حادة تتفاقم وتزداد ضراوة مذ تخلت المنطقة عن زراعة الحشيشة والافيون بناء لقرار حكومي عام 1993 و«وعود» من المنظمات الدولية بتأمين الزراعات البديلة وتقديم المساعدات المادية والعينية الى المزارعين للمساهمة في اعانتهم على التحول الى الزراعات المشروعة. لكن الوعود لم تتحقق حتى اليوم ما فاقم الازمة التي ظهرت واضحة في العام 1997 عندما انحاز قسم كبير من البقاعيين الى حركة «ثورة الجياع» التي اعلنها الامين العام السابق لـ«حزب الله» الشيخ صبحي الطفيلي، على رغم الاشكالات التي رافقت اهدافه السياسية. وبالتزامن مع حركة «ثورة الجياع» بدأ أهالي البقاع يهددون بالعودة الى الزراعات المحظورة. وتردد كثيراً ان زراعة المخدرات عادت يومها الى الجبال والمناطق الجردية، لكن الكلام في هذا الاطار بقي في اطار «سمعت» وليس «رأيت». وفي العام الماضي نزلت الزراعة بخجل الى السهل. اما هذا العام فقد انتشرت على نطاق واسع. وبات بإمكان اي كان ملاحظة الحشيشة وهي تنمو بين المزروعات الاخرى من دون من يردع او يمنع.

ويقول «ابو اكرم» الذي كان يحرس حقله في منطقة على الطرف الغربي لسهل البقاع انه لن يسمح لاحد بالنيل من لقمة عياله. ويضيف محتداً: «فليعطونا البدائل ونحن جاهزون (للتخلي عن زراعة الحشيشة) لأننا لسنا هواة خروج على القانون. لكني لن اقبل استمرار الضيقة على صدور عيالنا».

وهذا الواقع العام جعل وزراء المنطقة ونوابها وفعالياتها في حيرة من امرهم، فتأييد هذه الزراعة قرار لا يحتملون عواقبه، ورفضها يعني «مشاركتهم في قرار حرمان المنطقة» كما قال احد نوابها لـ«الشرق الاوسط». ومن هنا جاءت مواقف لنواب بعلبك ـ الهرمل وفعالياتها بالتصعيد في وجه الحكومة في محاولة للحصول على مشاريع للمنطقة تنعش اوضاعها وتخفف البطالة فيها، لكن الظروف الصعبة للدولة حالت بينهم وبين مرادهم.

اما «حزب الله» فهو الخاسر الاكبر، سواء لجهة القبول بالزراعة مع ما يعنيه من خسارة كبيرة لرصيده في المقاومة، او لجهة الوقوف في وجه التيار العام الناقم على سياسة الدولة الاقتصادية حيال المنطقة المصابة بداء الحرمان منذ الاستقلال.

وتقع منطقة بعلبك ـ الهرمل في الجهة الشمالية لوادي البقاع. وترتفع عن سطح البحر 1050 متراً وتبعد عن بيروت مسافة تزيد على المائة كيلومتر. لكن من يذهب اليها يدرك البون الشاسع الذي يفصل بين هذه المنطقة والعاصمة اللبنانية، اذ ان الدورة الاقتصادية للمنطقة معطلة، والمشاريع الانتاجية مفقودة والبطالة مستشرية والاسواق خالية وحركة النزوح الى المدينة في ذروتها.

وتعتمد المنطقة بشكل اساسي على الزراعة نظراً للاراضي السهلية الخصبة التي يتميز بها الوادي الذي كان يطلق عليه قديماً اسم «اهراءات روما» لما يحتويه من خيرات زراعية كبيرة. كما ان وجود احد اهم المعالم الاثرية في بعلبك، رفع من قيمة المنطقة سياحياً وجعل الزوار ـ في السابق ـ يتوافدون اليها لرؤية قلعة بعلبك التي تعد من عجائب الانجازات البشرية.

لكن السياحة في بعلبك انعدمت خلال الحرب الاهلية وفترة ما بعد الاجتياح الاسرائيلي للبنان خصوصاً، وعلى رغم عودة الامن الى المنطقة، الا ان السياح لم يعودوا اليها بالشكل المطلوب.

ويعزو اهالي المنطقة ذلك الى تقصير الاجهزة الرسمية في تشجيع السياحة فيها، اذ ان قلعة بعلبك التي كانت تستقبل الزوار بمعدل 800 زائر يومياً، تبدو مقفرة وخالية في معظم الايام. والزوار الذين يأتونها يمرون مرور الكرام فلا تستفيد منهم المدينة التي لا تضم الا فندقاً واحداً جاهزاً حالياً لاستقبال النزلاء.