ألبان البلقان يشعرون أن الغرب استغفلهم لحساب السلاف

TT

هذا العرض الدموي المتمثل في الحرب الاهلية، و«التطهير العرقي»، الذي يدور في البلقان، يصل الآن الى منعطف جديد تقف فيه مقدونيا على حافة الحرب الاهلية الشاملة. فبعد عشر سنوات من انهيار يوغوسلافيا، وبعد مسلسل للعنف الممتد، يمسك السلاف والألبان برقاب بعضهم البعض في رقصة الموت التي لا تنتهي.

الدبلوماسيون الغربيون يحاولون انقاذ مقدونيا، ولكن آراءهم مختلفة تماماً عما كانت عليه عندما تدخل «الناتو» لحماية الألبان في كوسوفو المجاورة.

السكرتير العام للناتو، جورج روبرتسون، يقول عن الفرق الألبانية المقاتلة في مقدونيا انهم «عصابات مسلحة». كما ان الدبلوماسيين الغربيين يؤيدون الحكومة المقدونية ذات الأغلبية السلافية المسيحية، مع الضغط عليها لاتخاذ مواقف اكثر اعتدالاً.

ومن الجانب الآخر فان يوغوسلافيا، وبالخطوات التي اتخذتها لتسليم ميلوشيفيتش لمحكمة مجرمي الحرب بلاهاي، قد وقفت بالفعل على اعتاب «الرضا الغربي». خاصة انها تخلت عن احلام «صربيا العظمى».

في نفس الوقت فان التوجهات الغربية نحو الألبان قد تغيرت. ويقول تيم جودا، وهو مؤلف كتابين عن البلقان: «هناك شعور بالخذلان الكبير وسط الحكومات الغربية ترتب على افعال الألبان، ويشعر هؤلاء بدورهم انهم استغفلوا».

الضحايا السابقون في كوسوفو اصبح ينظر اليهم كمعتدين في مقدونيا. هذا مع ان الألبان، الذين سبق لبعضهم ان قاتل في كوسوفو، يشعرون انهم يخدمون الآن نفس الهدف الذي ظلوا يخدمونه طوال السنين: اي حماية شعبهم ضد القهر السلافي.

يقول دانيال سيرور، المحلل بمعهد الولايات المتحدة للسلام بواشنطن: «الوضع مختلف حالياً.. في كوسوفو كانت الولايات المتحدة تتعامل مع «جيش التحرير» باعتباره قوتها الأرضية، اذ كان يقاتل حكومة كانت الولايات المتحدة تكن لها العداء، اما في مقدونيا، حيث نؤيد الحكومة فان الألبان اصبحوا شوكة في الجنب».

المشاكل التي تعرضت لها الأمم المتحدة خلال السنتين الماضيتين وهي تدير اقليم كوسوفو عبأت الأجانب ضد الألبان الذين يسيطرون على الاقليم تحت الاشراف الدولي.

وتقول تقارير منظمة التعاون والأمن في اوروبا ان الصرب الذين بقوا بالاقليم بعد مجيء قوات الناتو، تعرضوا «لحملة قاسية من العنف». وأشار التقرير الى «حملة منظمة لارهاب الاقليات القومية».

وقتل عدة مئات من الصرب خلال السنتين الماضيتين، ولم يجرؤ اي من اولئك الذين هربوا (170 الفاً تقريباً) على العودة.

ويقول دبلوماسي غربي ببلغراد: «لم يتوقع احد ان تصبح كوسوفو مصدراً للتوتر في جنوب البلقان، وتوقع الغرب تعاوناً كبيراً مع قادة «جيش تحرير كوسوفو» السابقين، ولكن الألبان خانوا هذه الأمانة، وقد كان ذلك خذلاناً كبيراً».

التغلب على هذا الشعور بالاحباط ليس امراً سهلاً بالنسبة لزعماء الألبان، خاصة في واشنطن. يقول ألير زيركا، رئيس المجلس الألباني ـ الاميركي: «يسمع الناس عن متطرفين ألبان بمقدونيا، وهذا يجعلهم يظنون ان الألبان كلهم ليسوا اخياراً، ويلزمنا جهد كبير لتوضيح ان الألبان ليسوا جميعاً من المتطرفين».

وتحاول يوغوسلافيا، من جانبها، تتويج عودتها الى حضن المجتمع الدولي بعقد مؤتمر للمانحين اليوم (الجمعة)، حيث تسعى الحكومة للحصول على 1.2 مليار دولار كاعانات واستثمارات، ومناقشة اعادة جدولة 12 ملياراً من الدولارات من ديونها.

اضافة الى الاجراءات التي اتخذت لتسليم الرئيس السابق لمحكمة لاهاي، قام الحكام الجدد بعدة خطوات لتثبيت مواقعهم منها:

* سيطرتهم الناعمة على «تمرد ألباني» بوادي بريسيفو بجنوب الصرب.

* توقيع اتفاق حدود مع مقدونيا.

* اقتسام ممتلكات يوغوسلافيا السابقة، بين الجمهوريات المستقلة.

* مواجهة العواقب المرعبة لأفعال الحكومة السابقة.

وتقوم القنوات التلفزيونية الحرة التي نشأت مؤخراً بنقل صور القبور الجماعية التي كان يدفن فيها الألبان بعد نقلهم من كوسوفو.

منذ سقوط ميلوشيفيتش رفعت كل العقوبات على يوغوسلافيا، واعيدت عضوية كل المنظمات الدولية للبلاد. وقال دبلوماسي غربي: «منذ الخامس من اكتوبر (تشرين الاول) الماضي صارت يوغوسلافيا جزءا من الحل، ولم تعد هي المشكلة».

ولا ينطبق هذا على ابناء عمومتهم بمقدونيا، فالدول الغربية التي تؤيد مزيداً من الحقوق للألبان لم تجد من الحكومة هناك الاستجابة المطلوبة.

وقال روبرتسون «ان حلف الناتو لن يتواطأ في تقسيم البلاد على أساس عرقي، مما يمكن ان يؤدي بها الى كارثة».

ولكن الدبلوماسيين الأوروبيين انتقدوا كذلك السياسيين الألبان لأنهم يتقدمون بمطالب الحد الأقصى، مثل ممارسة حق الفيتو على أهم قرارات الحكومة المقدونية.

وبينما يعرب الدبلوماسيون الغربيون عن ارتياحهم لدفن حلم «صربيا العظمى»، فانهم يخشون مواجهة الحلم المقابل بانشاء «ألبانيا العظمى».

يقول براكا جروباستش، المحلل السياسي، ببلغراد: «أتى الألبان أفعالاً متطرفة بكوسوفو، فبدلاً من وضع ارجلهم على الكوابح وفهم تغييرات المزاج الدولي، رأى الكثيرون منهم ان هناك فرصة سانحة لاقامة مشروع وطني، وهذا سيجعل الاضطرابات معلماً من معالم الاقليم لعدة سنوات، مما يعني ان صداع قوات السلام الأوروبية لم ينته بعد».

* «كريستيان ساينس مونيتور» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»