عزيز صلاح حامل حزام الكاراتيه اعتقلته إسرائيل باعتباره صاحب اليدين الملطختين بالدم وقريته تنفي

TT

احرز عزيز صلاح البالغ 20 عاما الحزام البني في الكراتيه. وربما كانت معاناته من الفأفأة في الكلام وراء ميله الى الخجل. ولا تعلو جدران غرفته الارضية الصغيرة الخالية من الاثاث سوى صورتين احداهما لبطل الكاراتيه بروسلي وثانيتهما للممثل الشهير ارنولد شوارزنجر.

حسب السلطات الاسرائيلية فان صلاح كان من المشاركين في ابشع اعمال العنف التي جرت خلال الاشهر التسعة الاخيرة بين الفلسطينيين والاسرائيليين. وعندما هجمت حشود فلسطينية جنديين اسرائيليين واختطفتهما في 12 اكتوبر (تشرين الاول) في مدينة رام الله، يقول الاسرائيليون ان صلاح هو الذي طل من شباك قسم الشرطة حيث جرى قتل الاسرائيليين رافعا يديه المغمستين بالدماء وسط الهتافات التي تعالت من اسفل.

وكانت كاميرا فيديو التقطت صورة شاب شعره اسود اشعث مادا يديه اللتين تغطيهما الدماء وبثتها نشرات الاخبار وتصدرت الصفحات الاولى للجرائد في كل ارجاء العالم. واطلقت تلك الحادثة اوسع عمليات المطاردة من جانب الاستخبارات الاسرائيلية التي قادت حتى الآن الى اعتقال 15 فلسطينيا، بينهم صلاح، يشتبه في اختطافهم الجنديين وقتلهما.

وكانت السلطات الاسرائيلية قد اعلنت قبل اسبوعين عن اعتقال صلاح واعترافه، في التحقيق، بان تلك الصورة هي صورته. وترمي تلك السلطات من وراء اعلانها توجيه رسالة مفادها ان ذراع اسرائيل طويلة وتصل الى اي شخص واينما يكون تورط في عمليات قتل اسرائيليين. في الجهة المقابلة، وفي قرية صلاح بالضفة الغربية الكائنة الى الشمال الشرقي من رام الله فان للناس رسالة اخرى. فعائلته تصر على اعتقاله بالخطأ رغم اقرارهم بانه كان من ضمن المحتشدين لحظة اختطاف الجنديين وقتلهما. اما جيرانه فانهم غير متأكدين ان كان هو نفس الشخص ام لا. وكلهم يجمعون على انهم يودون ان يتفهم العالم انه حتى لو كان صلاح هو من فعلها، وحتى لو انه جلس فوق احد الجنديين وخنقه بيديه كما يزعم الاسرائيليون، فهناك سبب وراء ذلك.

ويوضح طاهر، 26 عاما، شقيق عزيز قائلا «لا اعتقد انه شخص قادر على قتل انسان بتلك الصورة... ولكنه كان وقت كانت مشاعر الناس فيه تغلي من الغضب، وفجأة ابصروا امامهم الجنديين. وانا لا اعني باني اوافق على ما حصل، بل اني لا احاول تبريره، ولكن الاجواء كانت مشحونة بالكراهية الى ابعد حد».

ويحاول الفلسطينيون والاسرائيليون تقديم صورة خاصة بكل منهما للاجواء الغاضبة المشحونة منذ اندلاع الانتفاضة الاخيرة. فعلى الجانب الفلسطيني هناك صورة الطفل محمد الدرة، 12 عاما، الذي كان يختبئ خائفا خلف ابيه قبل ثوان من اطلاق الاسرائيليين النار عليه وقتله في 30 سبتمبر (ايلول) الماضي. اما على الجانب الاسرائيلي فهناك حادثة اختطاف الجنديين الاسرائيليين وقتلهما خنقا.

وكان الجنديان قد عبرا الى الاراضي الفلسطينية بالخطأ فالقي القبض عليهما ونقلا الى قسم للشرطة. على ان ذلك جرى خلال اسوأ توقيت ممكن، فخلال الاسبوع نفسه قتل عشرات الفلسطينيين، معظمهم شبان من راجمي الحجارة، على يد القوات الاسرائيلية. وفي اليوم السابق، عثر على جثة سائق فلسطيني مصابة بحروق بشعة وبجروح عميقة في الوجه والجسم. واعلنت السلطات الاسرائيلية وقتها ان الفلسطيني مات متأثرا بجراحه بعد وقوع حادث طريق، واكد تشريح للجثة اجراه خبراء اجانب مستقلون التصريحات الاسرائيلية. غير ان الاشاعات التي سرت بين الفلسطينيين هي ان السائق راح ضحية للمستوطنين في الضفة الغربية الذين عذبوه وقتلوه.

وبينما كان المتظاهرون الفلسطينيون يشتبكون مع القوات الاسرائيلية حول مدينة رام الله، وصلت انباء اعتقال جنديين اسرائيليين على انهما من القوات المستعربة التي تعمل متخفية على هيئة العرب وهما في مهمة لاختطاف او قتل عسكريين فلسطينيين. وفي الواقع كان الجنديان من قوات الاحتياط الاسرائيلية، الا ان الجماهير الغاضبة التي اندفعت نحو قسم الشرطة حيث كان الجنديان لم تكن في مزاج تبصر الحقائق، واقتحموا القسم الى الطابق العلوي، وهناك تعرض الجنديان للضرب والرفس والطعن حتى الموت، والقيت جثة احدهما من الطابق العلوي الى الارض.

وبعد ساعات قليلة ردت المروحيات الاسرائيلية بقصفها قسم الشرطة بالصواريخ. وحتى اعتقاله في الشهر الماضي، كان صلاح صاحب وجه مجهول وسط الحشود التي احاطت بقسم الشرطة. وكان قد انهى تعليمه المدرسي قبل سنوات ليعمل في تنجيد المفروشات الرخيصة في ورشة صغيرة برام الله. وهو لم يعتقل قط من قبل كما لم يعرف له اي نشاط سياسي، ولكنه شب كأي فلسطيني في ظل الاحتلال الاسرائيلي، وشهد انتشار المستوطنات اليهودية في شرق وغرب قريته دير جرير، واقامة موقع رادار للجيش الاسرائيلي فوق تلة الى الشمال من القرية.

ويقول الاسرائيليون ان صلاح يوم اختطاف الجنديين انضم الى مظاهرة اتجهت صوب موقع للجيش الاسرائيلي. ولكن عندما بلغتها انباء الجنديين تحولت ومعها صلاح الى قسم الشرطة الذي يحتجز فيه الاسرائيليان. وتمضي الرواية الاسرائيلية لما جرى في الزعم بان صلاح اندفع الى الطابق العلوي وخنق احد الجنديين بينما انهمك آخرون في ضرب الجندي الثاني. وعندما انتبه صلاح الى الدماء فوق يديه توجه صوب الشباك واشرع يديه للجماهير التي هتفت بالرضى.

وبعد نشر الصورة في الصحف في اليوم التالي شرع الناس في قرية صلاح بالكلام، وبينما اعتقد بعضهم انها تشبه صلاح، اعرب آخرون عن شكهم في ذلك. على ان احدا من الفلسطينيين في قريته لم يكن مستعدا للحكم عليه بشدة. اذ يقول بسام البالغ 18 عاما ولا يعرف صلاح عن قرب «انه ليس مصاص دماء او مجرماً كما تحاول وسائل الاعلام الاسرائيلية ان تصوره، واعتقد ان اي شخص كان في رام الله ذلك اليوم ربما كان سيفعل ذات الفعل، لقد كان مجرد شخص بين جملة المتظاهرين».

اما افراد عائلته فانهم لا يصدقون ان صلاح فعلها فهو، كما يقولون، شخص هادئ وطيب ورياضي، يعاني من فأفأة شديدة في النطق واحيانا من انقباض في العضلات عند شعوره بالغضب او الاثارة، وعندما كان طفلا كان معرضا للشلل، غير انه لم يكن هناك ما يشير قط الى انه قد يكون شخصا عنيفا.

وقال والده يوسف مصطفى صلاح، 65 عاما، وشخصيته حيوية محببة «لقد اعتقد الاطباء انه ربما يتعرض للوفاة، ولكن الله رحيم، وبعد ان بدأنا بتدليك جسمه بزيت الزيتون استجاب وتحسن».

وبعد 3 اسابيع على مقتل الجنديين الاسرائيليين انتاب القلق الاب يوسف مصطفى من الاشارة الى ان ابنه ربما يكون صاحب الصورة، ولهذا طلب من عزيز ترك قريته الخاضعة للقوات الاسرائيلية والتوجه الى رام الله التي تشرف عليها القوات الفلسطينية ليكون بعيدا عن يد الاسرائيليين.

وتوجه عزيز الى رام الله في نهاية اكتوبر (تشرين الاول) كما يقول والده. ولكن عندما لم يزر الاسرائيليون بيت عزيز في قريته ظن الاب انه ليس هناك خطر على اعتقال عزيز، ولهذا طلب منه في يناير (كانون الثاني) الانتقال مرة اخرى الى قريته دير جرير.

واقام عزيز في قريته عدة اشهر متنقلا بانتظام بين قريته ورام الله للعمل. وعندما كان متجها الى عمله صباح 14 يونيو (حزيران) القي القبض عليه عند نقطة عبور اسرائيلية قرب رام الله.

ولم تصل اخبار تذكر عن عزيز الى عائلته منذ ذلك الحين، اذ سمح له باجراء مكالمة هاتفية واحدة مع الاهل بعد 4 ايام على اعتقاله. كما قابله محام فلسطيني في السجن لمدة قصيرة من الوقت.

وبعد 11 يوما على اعتقال عزيز، نشرت الصحف الاسرائيلية خبر القاء القبض على الشاب الذي قتل احد الجنديين الاسرائيليين واعترافه بذلك. كما نشرت صورتان اولاهما للشاب الذي لوح بيديه اللتين تغطيهما الدماء للجماهير الغاضبة وثانيهما لعزيز وهو يرفع يديه على ذات الهيئة ولكنهما مقيدتان بالسلاسل هذه المرة.

وعلق والده قائلا «لا اعتقد ان ابني شارك في القتل، ولكن لا برهان عندي على ذلك، وربما يكون ساهم بين مجموعة في شيئا ما... وطبعا، اياً كان القتلة ينبغي ان يعاقبوا لانه دون ذلك ستسود الفوضى».

*خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»