الجزائر: عودة المواجهات إلى «القبائل»

وأعيان المنطقة منقسمون إزاء التحاور مع الحكومة

TT

تجددت المواجهات امس في قلب مدينة تيزي وزو، عاصمة القبائل الكبرى، بين الشبان المتظاهرين وقوات مكافحة الشغب. واسفرت الاحداث عن تسجيل عدة اصابات متفاوتة، وولدت عودة الاضطرابات الى المنطقة، بعد هدوء نسبي لحوالي اسبوعين، تخوفا لدى بعض الاهالي من انزلاق الوضع بشكل يصعب التحكم فيه ويزيد من عزلة المنطقة.

وفي نفس الوقت الذي كانت فيه طائرة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة تغادر مطار الجزائر الى العاصمة الزامبية لوساكا، حيث تفتتح اليوم اشغال القمة الافريقية، كان تجار وسط مدينة تيزي وزو يسارعون الى اغلاق محلاتهم والهروب من جحيم الغازات المسيلة للدموع التي ظنوا انهم استنشقوها بما فيه الكفاية طيلة شهرين متتابعين. وحسب شهود عيان، اتصلت بهم «الشرق الأوسط» هاتفيا، فان «الشرارة انطلقت بالقرب من مركز تابع للدرك الوطني، عندما خرج بعض افراده لطرد شبان اصطفوا على الرصيف المقابل عارضين سلعا للبيع». ومع رفض هؤلاء الشباب اخلاء الرصيف لجأ الدركيون الى استعمال القوة، وكان ذلك كافيا لتحريك «تضامن» شبان آخرين، كانوا يراقبون عن بعد ما يصفونه بـ«تعسف قوات الدرك»، ليشرعوا في الدفاع عن اصدقائهم ورشق رجال الدرك بالحجارة. وبسرعة تحولت واجهة ثكنة الدرك الى مسرح لأعمال العنف، بين الدرك والشباب الغاضب، ثم بين شرطة مكافحة الشغب التي حضرت لتحل محل الدركيين الذين التحقوا بثكنتهم ونفس المجموعات من الشباب، واستمرت المواجهات وازدادت تصعيدا بصورة خاصة في شارعي عبّان رمضان واحمد لعمالي اللذين امتلأت سماؤهما بدخان العجلات المحروقة ممزوجا بغازات قوات الامن.

وكانت عشية اول من امس عرفت احداثا مماثلة بدأت بنفس السيناريو، لكن بدرجة اقل حدة، وكان ذلك مقتصرا على وسط مدينة تيزي وزو من دون باقي القرى والمدن المجاورة لها. وولد تجدد الاضطرابات تخوفا لدى اهالي المنطقة، وبخاصة لدى التجار الذين بدأوا يشتكون من آثار ما يشبه «الحصار» المفروض عليهم، ووقوعهم تحت رحمة تطور الاحداث. ولعل اكثر التجار تخوفا من تواصل احداث العنف في المنطقة هم اصحاب الفنادق والمحلات التي يقتصر نشاطها على فترة الصيف، بسبب انتقال كثير من الجزائريين وحتى المغتربين من ابناء منطقة القبائل اليها، وهي في الغالب المدن الساحلية كتيغزيرت وأزفون بتيزي وزو واغلب مدن ولاية بجاية، واشارت بعض المصادر الى انه تم التطرق الى هذه المسألة خلال اجتماع ممثلي قرى ومدن ولاية تيزي وزو في مدينة ازفون. وقد انتهى الاجتماع في حدود الساعة الرابعة من فجر امس، وكان قد بدأ يوم الجمعة، من اجل مناقشة خطة عمل الاعيان ازاء تطورات الاحداث وعلى ضوء منع الحكومة مسيرة الخميس الماضي. ولم يتوصل الاجتماع الى اتفاق على مجمل المسائل، بل فقط على التأكيد على الطابع السلمي للحركة الاحتجاجية وتجديد التمسك بلائحة المطالب المتفق عليها يوم 14 يونيو (حزيران) الماضي، والتي رفضت السلطات تسلمها. وتضيف نفس المصادر ان سبب تأخر الاجتماع الى ساعة متأخرة يعود الى خلاف بين ممثلي مختلف قرى تيزي وزو حول فتح «مفاوضات او حوار مع السلطة ام لا». وقد برز اتجاهان متناقضان، الاول مع التحاور مع ممثلي الحكومة، والثاني الاصرار على رفض اي تحاور مع السلطة قبل ان تشرع في تنفيذ مطالب ممثلي منطقة القبائل المتضمنة في لائحة 11 يونيو الماضي.

وفي ولاية البويرة الواقعة على حدود منطقة القبائل، يواصل ثلاثة شبان اضرابا عن الطعام منذ يوم الجمعة الماضي، مصرين على انهم لن ينهوه الى حين اطلاق سراح 10 من زملائهم ما يزالون معتقلين، بسبب مشاركتهم في اعمال تخريب شهدتها الولاية قبل اسابيع، وكان شاب رابع مضربا معهم، لكن الاطباء اجبروه على انهاء احتجاجه بسبب تدهور حالته الصحية.

الى ذلك، افادت مصادر متطابقة من ولاية تبسة (630 كلم شرق العاصمة) ان البحث لا يزال مستمرا عن عضو مجلس الامة (الغرفة البرلمانية الثانية) محد بوديار المختطف، منذ ليلة الاربعاء الماضي، من قبل مجموعة مسلحة مع رفيق له يدعى موسى مصباح وهو من رجال الاعمال المعروفين في المنطقة. وقد انتقلت امس مجموعة من اعضاء البرلمان الى تبسة لمواساة عائلة زميلهم ومحاولة المساهمة في العثور على اي اثر للمختطفين. ولا يزال مصيرهما، الى حد الآن، مجهولا، حسب ما اكدت ذات المصادر في اتصال مع «الشرق الأوسط».