عملاء المخابرات الإسرائيلية يستدرجون كوادر الانتفاضة إلى كمائن ينصبها «الشاباك»

TT

كان سعدي العشي (50 سنة) متوجها الى مستشفى العيون في مدينة غزة لاجراء بعض فحوصات طبية عندما رن هاتفه المحمول. فأبلغه من كان على الطرف الثاني وهو شخص يعرفه تمام المعرفة، ان عليه ان يتجه في غضون الساعة الى مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، حيث ان هناك عرضا لتوريد قضبان اسمنتية لبناية قيد البناء. لم يتردد العشي الذي يملك مصنعا لسكب الحديد، في قبول هذا العرض الذي لم يكن يحلم بتلقيه، في هذه الظروف، مثل هذا العرض.

الغى العشي الذي يعيل اسرة تضم اثني عشرا فردا، موعده في المستشفى وقرر التوجه الى الجنوب، واخبر افراد عائلته بأنه متوجه للعمل في الجنوب.

في الطريق الى خان يونس واصل الشخص الذي اتصل به بخصوص عرض العمل، الاتصال به على فترات متقطعة، مستعجلا اياه. وطلب منه تحديد نوعية السيارة التي يستقلها حتى يتم اسقباله من قبل القائمين على العمل. اخبره العشي بكل ما طلب منه وأخذ في كل اتصال يحدد له المنطقة التي وصل اليها.

وفجأة وعندما كانت سيارة الاجرة التي كانت تقل العشي تهم بتجاوز الحاجز العسكري الاسرائيلي المقام الى الجنوب من مستوطنة كفار دروم وسط القطاع، انقض جنود الاحتلال عليها وطالبوا جميع الركاب بتقديم بطاقات الهوية. وتعالت اصوات الجنود بشكل هستيري عندما علموا ان العشي من بين الركاب. فأنزلوه من السيارة واقتادوه الى داخل المستوطنة. وبعد ذلك الى سجن المجدل داخل اسرائيل.

وتؤكد عائلة العشي ان ما تعرض له رب الاسرة كان ليس الا عملية استدراج مدبرة ساهم فيها بشكل اساسي احد العملاء الذين يعرفون العشي. فالمخابرات الاسرائيلية التي تدعي انها متاكدة من ان مصنع العشي يقوم بتصنيع قذائف الهاون قررت اعتقاله بغرض الكشف عن هوية الجهات التي يتعامل معها.

ولأن العشي يسكن داخل مدينة غزة فلم يكن بالامكان اعتقاله الا باستدراجه الى منطقة تخضع للسيطرة الامنية الاسرائيلية وهناك يتم اعتقاله.

واصبح دور عملاء المخابرات الاسرئيلية (الشاباك) من الفلسطينيين في استدراج كوادر انتفاضة الاقصى، واضحا ومركزيا سواء في الضفة الغربية او في القطاع. وقد جرى اعتقال العديد من الفلسطينيين الذين يقطنون مناطق نفوذ السلطة الفلسطينية المصنفة «أ» اثر استدراج عملاء (الشاباك) لهم الى مصائد تنصبها المخابرات الاسرائيلية. واذا كان العميل الذي استدرج العشي مجهولا الا للعشي نفسه، فانه في كثير من الحالات فان الذي يقوم بعملية الاستدراج هم عملاء على علاقة مباشرة بالضحية وعائلته، وقد يكون قريبا او صديقا او جارا.

فمثلا لم يدر بخلد خليل جمعة (27 سنة) احد كوادر حركة «فتح» في رام الله، ان يعرض عليه احد جيرانه التنزه والتسوق في الجنوب من مدينة البيرة، وكان في الحقيقة استدراجا الى كمين نصبته له المخابرات الاسرائيلية، فقد عرض هذا الجار «العميل» على خليل ان يصحبه معه بالسيارة الى مجمع تجاري يقع في الطريق الجنوبي لمدينة البيرة بغرض التسوق، وافق خليل على العرض، وقبل الوصول الى المجمع التجاري انقضت على السيارة مجموعة من جنود الاحتلال وخطفه ونقله على جناح السرعة الى مستوطنة بساغوت المجاورة.

بالطبع فان هذا الجار لم يرجع الى الحي، وعلم انه قد انتقل للعيش الى داخل الخط الاخضر بعد ان اوقع جمعة في مصيدة مدبرة من قبل المخابرات الاسرائيلية العامة.

وتكررت المكيدة في مدينة الخليل، وعلى الاخص في الجزء الذي يخضع لنفوذ السلطة الفلسطينية المعروف بـ«H». وتؤكد المصادر الفلسطينية ان العديد من نشطاء الانتفاضة في هذه المنطقة اعتقلوا بعد ان وقعوا في فخ العملاء.

غير انه لا يكتب دوما النجاح لهذه العمليات. فقد فشلت في مدينة الخليل عندما اقترب شخص من احد كوادر حركة حماس في المدينة، وهو يعمل ميكانيكي سيارات، قبل شهرين، طالبا منه مرافقته لالقاء نظرة على سيارته التي تعطلت في منطقة قريبة من خط التماس الذي يفصل بين مناطق نفوذ السلطة ومناطق نفوذ اسرائيل. وثارت شكوك هذا الكادر وتبين في ما بعد ان صاحب السيارة لم يكن سوى فلسطيني معروف بارتباطه للمخابرات الاسرائيلية في منطقة مجاورة.