بوتين وزيمين يوقعان معاهدة «الشراكة الاستراتيجية» ويحاولان عدم إثارة بوش

روسيا والصين تريدان أن تكونا صديقتين إلى الأبد

TT

بعد انقطاع دام اكثر من عشرين عاما عادت بكين وموسكو الى تكريس علاقات الصداقة والتعاون وحسن الجوار بين البلدين في معاهدة وقعت في الكرملين امس في اطار الزيارة التي بدأها اول من امس الرئيس الصيني جيان زيمين الى روسيا. وقد اجتمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع جيان زيمين صباح امس في القاعة الخضراء بقصر الكرملين مع بعض مساعديهما لبحث العلاقات الثنائية والقضايا الدولية، كما اعرب زيمين عن شكره لتأييد روسيا منح بكين حق استضافة اولمبياد عام 2008.

وتأتي زيارة الرئيس الصيني الى العاصمة الروسية في ظروف احتدام العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة بسبب اصرار واشنطن على المضي قدما في نشر نظامها الصاروخي المضاد للصواريخ مما يعني خروجها من معاهدة «ايه بي ام» الموقعة عام 1972 بهذا الشأن. وتعتبر المصادر الدبلوماسية توقيع معاهدة الصداقة والتعاون الروسية ـ الصينية مؤشرا على بدء مرحلة جديدة في العلاقات بين البلدين وتحديد آفاقها في الاعوام العشرين المقبلة، وقال ايجور ايفانوف وزير الخارجية الروسية في حديث مع وكالة «نوفوستي»: ان توقيع هذه المعاهدة يمثل مرحلة انعطاف في الطريق الطويل والشاق والمتوتر احيانا في العلاقات مع الصين، ومؤشرا واضحا يحدد سبل تطوير علاقات الصداقة بين بلدينا وشعبينا وتوسيع العلاقات في كافة المجالات ومنها على الصعيد الدولي. وابرز ايفانوف بصورة خاصة البند المتعلق بتسوية مشاكل الحدود بين البلدين والتي كانت دوما مصدرا للتوتر وكادت تتسبب احيانا في نشوب حرب بين البلدين. وحسب قول ايفانوف فان هذه المشكلة التي كانت من تركة القرن العشرين وقبله، عكرت الاجواء في العلاقات بين البلدين. وقد اتفق الجانبان الان على «طي صفحة» الماضي والتطلع الى المستقبل «وتسوية مشكلة الحدود نهائيا».

ويشير المراقبون الى ان المبادرة لتوقيع المعاهدة المذكورة قد صدرت عن بكين، علما ان روسيا لم ترتبط بأية دولة بهذا النوع من المعاهدات التي تنقل العلاقات الروسية ـ الصينية الى نوعية جديدة هي «الشراكة الاستراتيجية». ولكن هذا لا يعني اقامة تحالف عسكري ـ سياسي على غرار حلف شمال الاطلسي مثلا. وقال الكسندر لوسيكوف نائب وزير الخارجية الروسي ان بلاده تعارض اقامة اية احلاف عسكرية وسياسية.

وقالت وكالة «ايتار تاس» الروسية ان الزعيمين زيمين وبوتين اكدا تمسكهما بمعاهدة «ايه بي. ام» التي تسعى واشنطن للتخلي عنها.

وافادت صحيفة «كوميرسانت» نقلا عن مصدر رفيع المقام في الكرملين قوله «يجب ان تكون روسيا والصين صديقتين الى الابد وليستا عدوتين ابدا. وقد دفعنا الدماء ثمنا لهذه الحقيقة، ويجب ان نعمل كل ما في وسعنا من اجل عدم العودة الى المواجهة مرة اخرى». وفي الاعوام الاخيرة ازيلت خطوة فخطوة منغصات كثيرة في الطريق نحو تطبيع العلاقات. وقد انجزت بنسبة 98 في المائة اعمال ترسيم الحدود، واعدت الاتفاقيات بشأن تقليص التسلح وتدابير الثقة في المناطق الحدودية وكذلك حول عدم الاعتداء.

ويؤكد الدبلوماسيون الروس والصينيون ان العلاقات بين البلدين قد بلغت اقصى ذروة في تاريخها بتوقيع المعاهدة التي تم الاتفاق بصدد عقدها قبل عام حين زار الرئيس بوتين بكين. وجدير بالذكر ان المعاهدة المؤلفة من 20 مادة تخلو من اية اشارة الى قضايا الامن والدفاع. اما ذكر التعاون العسكري ـ التكنيكي فيرد بصورة عابرة، باعتبار ان روسيا تنظر الى صفقات السلاح الان نظرة براغماتية، اي تعتبرها صفقات تجارية لا ترتبط بأية دوافع سياسية وايديولوجية.

من جانب اخر وقعت في اطار زيارة الرئيس الصيني وثيقة اخرى توضح مواقف البلدين في قضايا الاستقرار الاستراتيجي هي «بيان موسكو المشترك». ويشار في البيان الى القضايا التي تثير قلق موسكو وبكين في الوقت الحاضر وفي مقدمتها الخطة الاميركية لنشر نظامها الدفاعي المضاد للصواريخ ودور مجلس الامن الدولي والبلقان والعراق. ويشير الدبلوماسيون الى ان مواقف الجانبين من هذه القضايا متطابقة او متقاربة جدا. والملاحظ ان الزعيمين الروسي والصيني لا يريدان استخدام «قمة موسكو» اثناء اصدار البيانات تفاديا لاثارة واشنطن بالرغم من معارضتهما للخطة الاميركية الصاروخية. ويعتقد المراقبون في موسكو ان العالم يشهد قيام تشكيلة جيوبوليتيكية ثلاثية تضم الولايات المتحدة وروسيا والصين، علما ان الاخيرتين تمثلان عامل كبح للاولى.

ويحاول الاميركيون والصينيون على حد سواء نقل نفوذهم الى الساحة الروسية ويبدو ان الصينيين يحققون نجاحا كبيرا في ذلك لانهم يتعاملون مع روسيا بروح براجماتية دون ان يحاولوا فرض شيء عليها.

اما الاميركيون فيريدون ان يفرضوا عليها نمط حياتهم وقوانينهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

وقد احتلت قضايا الاقتصاد مكانة الصدارة في المباحثات الروسية ـ الصينية.

ويشمل برنامج زيارة الرئيس الصيني الى روسيا لقاء الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين، والقاء خطاب في جامعة موسكو عن مسيرة الصين الحديثة، وفي يوم الثلاثاء سيتوجه الى مدينة فولجاجراد (ستالينجراد) سابقا حيث سيشاهد المعالم التاريخية لاكبر معركة في الحرب العالمية الثانية. وبعد ذلك سيواصل زيمين جولته في كومنولث الدول المستقلة حيث سيزور اوكرانيا وبيلوروسيا ومولدافيا.