البرلمان اللبناني يطوي فضيحة التنصت الهاتفي والحكومة ترفض أي إنفاق يزيد المديونية العامة

TT

ابلغت الحكومة اللبنانية مجلس النواب انها لم تتوصل الى «ادلة كافية» في قضية التنصت على المكالمات الهاتفية للمسؤولين والسياسيين التي اثيرت في مستهل جلسة المناقشة العامة للموازنة في يونيو (حزيران) الماضي. وقال وزير العدل سمير الجسر، الذي كان رئيس الحكومة رفيق الحريري كلفه آنذاك تحريك النيابة العامة لكشف تفاصيل القضية التي قيل انها طاولته ورئيس مجلس النواب نبيه بري، وتوجهت فيها اصابع الاتهام نحو الاجهزة الامنية، «ان المعلومات التي اذاعها النائب باسم السبع بخصوص التنصت اتت اليه عبر البريد».

وبدا واضحاً في الجلسة التي عقدها مجلس النواب امس لمناقشة مشاريع واقتراحات قوانين، ان الاتجاه السائد هو طي الموضوع، رغم ان النائب السبع كرر اتهاماته، مؤكداً وجود «معلومات موثوقة» لديه عن استمرار التنصت حتى الساعة.

وفي جانب آخر من الجلسة، برز اعتراض حكومي لافت على الاقتراحات النيابية التي تستوجب صرف اموال وحتى لبعض المشاريع الواردة من الحكومة والتي تم تعطيلها واحداً تلو الآخر بحجج مختلفة. لكن بقي العنوان واحداً. وهو ما عبر عنه الرئيس الحريري بالقول انها مشاريع «انفاق هائل يؤثر في عجز الموازنة والمديونية العامة». وكذلك فعل وزير المال فؤاد السنيورة الذي برر رفض احد مشاريع القوانين بالقول للنواب ان البلاد لا تحتمل المزيد من الانفاق. وختم بعدما شرح موقفه، قائلاً: «القرار النهائي لديكم. انتم خذوا القرار وانتم تحملوا المسؤولية». الامر الذي دفع رئيس البرلمان في نهاية المطاف الى القول: «نحن حريصون على الاقتصاد بقدر حرصكم، كما اننا حريصون على الانعاش الاقتصادي ايضاً»، في اشارة الى اقتراح قانون معجل كان على جدول اعمال الجلسة بتوزيع مبلغ 1500 مليار ليرة لبنانية (مليار دولار) على البلديات. وهو ما اعلن الحريري رفضه له على رغم تأكيد وزير الداخلية السابق ميشال المر ان الهدف من المشروع انعاش الوضع الاقتصادي بضخ اموال في البلديات لاطلاق المشاريع وتوفير فرص العمل.

وكانت الجلسة المخصصة لمناقشة 23 مشروعاً واقتراحاً بدأت امس بكلام نيابي في اطار ما يسمى «الاوراق الواردة» استهلها النائب مخايل ضاهر الذي سأل عن مصير التحقيقات في قضية التخابر الدولي غير المشروع. وطلب من وزير الاتصالات جان لوي قرداحي تزويد المجلس بكل الاسماء والتفاصيل وتحديد المسؤول عن القرصنة.

واستغرب النائب نقولا فتوش «زج النيابة العامة التمييزية في قضية التخلف عن دفع فواتير الكهرباء، فيما هذا من اختصاص المحاكم المدنية»، مشيراً الى انه «مقابل شعار: الجيش هو الحل (اطلقه قائد الجيش السابق العماد ميشال عون خلال «حرب التحرير» التي شنها ضد القوات السورية عام 1989) هناك الآن من يروج لـ: النيابة العامة هي الحل».

وطالب النائب علي الخليل الحكومة بالقيام باتصالات فورية للتأكيد على الموقف اللبناني من بعض النقاط الخطيرة التي تضمنها تقرير الامين العام للامم المتحدة كوفي انان الى مجلس الامن حول الوضع في جنوب لبنان. وحذر من تلميح انان الى «تعديل في دور هذه القوات»، مؤكداً على لبنانية مزارع شبعا المحتلة. واعلن رفضه لما اثاره انان حول تسليم شريط الفيديو (صوّره احد رجال الوحدة الهندية غداة عملية اسر الجنود الاسرائيليين الثلاثة اواخر العام الماضي) لاسرائيل.

واثار النائب وجيه البعيريني قضية المشاكل الاجتماعية والاقتصادية في الشمال ومنطقة عكار.

واعتبر النائب نسيب لحود ان المعالجات الاقتصادية «لا تزال متأخرة والوضع خطير»، آملاً ان «تعي السلطة ان الحل ليس بتجميد الوضع والمعالجات الآنية». وحذر من «غياب سيادة القانون وتلكؤ المسؤولين عن تطبيقه»، مشيراً الى انه لو التزم كل مسؤول موجبات هذا القانون لما انفجرت اي من الازمات العديدة كقضية التنصت والتخابر الدولي غير المشروع والتمنع عن دفع فواتير الكهرباء وعودة الزراعات الممنوعة.

وحذر النائب محمد عبد اللطيف كبارة من «انفجار التحركات المطلبية». وتحدث عن «جزر البؤس» في مناطق الشمال، مشدداً على ضرورة تحرك الدولة السريع لمعالجة الوضع تجنباً لتكرار حوادث العنف التي شهدتها بعض هذه المناطق الاسبوع الماضي.اما النائب ابراهيم بيان فانتقد بشدة قرار الحكومة افتتاح فروع لكازينو لبنان في المناطق، مشدداً على ان «مناطقنا ليست بحاجة الى ترفيه بل الى انماء». وتمنت النائبة نايلة معوض ان «تأتي التعيينات الادارية الجديدة وفقاً للكفاءات، لا ان تكون المحاصصة حاضرة فيها مجدداً». وشدد النائب جهاد الصمد على ضرورة تمتين الوحدة الوطنية لمواجهة الصعوبات والتحديات الخطيرة التي تمر فيها المنطقة.

وقال النائب بطرس حرب: «ان النواب الذين يتكلمون في بداية كل جلسة انما يتحدثون عن مشاكل الناس وهمومهم»، مطالباً الحكومة بالرد على هذه المداخلات. وقد وافقه الرئيس بري الرأي. ولاحظ حرب ان التجاذب السياسي في البلد «يتعدى الاصول». واشار الى الكلام عن وجود اجهزة تعمل لاسقاط الحكومة، مطالباً بكشفها «اذا كان الكلام صحيحاً او الكف عن طرح مثل هذا الكلام». واعتبر ان «الناس والبلاد تدفع ثمن هذا الصراع داخل السلطة الواحدة».

وحذر النائب عبد اللطيف الزين من ان «هناك من يريد ان يطيح ما هو قائم في البلد»، مشيراً الى مسلسل الفضائح المثارة من التنصت الى التخابر الدولي الى غيرها. وحذر النائب أكرم شهيب بدوره من «سياسة برمجة الفضائح»، معتبراً ان «هذه السياسة لا تريد خيراً بالبلاد». وطالب النائب جورج قصارجي بـ«وقف التعديات على الحريات العامة»، مشيراً الى «عجز الحكومة عن معالجة قضية شركة طيران الشرق الأوسط والتخابر غير المشروع والهاتف النقال وغيرها»، داعياً الحكومة الى «الذهاب غير مأسوف عليها».

وسأل النائب ياسين جابر عن سبب استهدافه وبعض السياسيين في قضية الممتنعين عن دفع فواتير الكهرباء، ودعا الى التشدد في تفعيل القوانين التي تحمي النائب وتفعِّل حصانته. ولفت النائب جورج نجم الحكومة الى «واجباتها في المناطق التي تحررت حديثاً من الاحتلال الاسرائيلي في الجنوب».

وفي نهاية الحديث بالاوراق الواردة طلب الرئيس بري من وزير العدل سمير الجسر تقديم توضيحات حول قضية التنصت، فأعلن الوزير «عدم توافر ادلة كافية حول الموضوع خصوصاً ان ما اورده النائب السبع في الجلسة الشهيرة هو ما ورد الى بريده فقط». وقال: «طلبنا الى المدعي العام التحقيق مع رؤساء سنترالات الهاتف لمعرفة من يدخل اليها».

وتدخل النائب السبع قائلاً: «التنصت لا يزال قائماً حتى اللحظة رغم الضجة التي اثيرت حوله»، مشيراً الى معلومات موثوقة لديه حول الموضوع.

وطلب بري من الوزير قرداحي توضيحات حول ما تم تنفيذه لقمع التخابر الدولي غير المشروع، فاعلن الاخير ان «النيابة العامة تدخلت، وانه تم توقيف بعض المتورطين ومصادرة معدات»، مشيراً الى «تحسن في حركة الاتصالات بمعدل مليون ونصف مليون دولار الشهر الفائت بعد الاجراءات التي اتخذناها».

وقد أقر المجلس 10 مشاريع واقتراحات قوانين. وارجأ بحث مشروعين الى اليوم. واعاد ثلاثة مشاريع الى اللجان النيابية لدرسها مجدداً. وبقي على جدول اعماله 8 مشاريع واقتراحات سيدرسها اليوم بدلاً من مساء امس، بعدما اعلن بري رفعه الجلسة حتى صباح اليوم «رغماً عني»، كما قال بعد الحاح النواب عليه.