النزاع الإيراني ـ الأذربيجاني في بحر قزوين له جذور تاريخية وقوى دولىة تدفع باتجاه تفجيره

TT

أمير طاهري تحركت سفينة حربية ايرانية الى المياه الاذربيجانية لارغام سفينة اذربيجانية مماثلة على الانسحاب، بينما طاردت طائرات حربية ايرانية سفينتي تنقيب عن النفط تابعتين لشركة النفط البريطانية (بريتش بتروليوم) فهل هذا يعني ان ايران واذربيجان تتجهان نحو مواجهة عسكرية؟

لم يعد هذا التساؤل محل نظر الاكاديميين والمراقبين، اذ تدخل نيك بروني السفير البريطاني في طهران على الفور لتهدئة الوضع باعلانه ان لندن سحبت السفينتين وانها لن تقوم بأي عمل قد يضر بالمصالح الايرانية في منطقة بحر قزوين. وكانت طهران حذرت من انها قد تضطر الى استخدام القوة لوقف عمليات استخراج النفط من المياه الاذربيجانية في بحر قزوين في رسالة بعث بها المرشد الاعلى علي خامنئي الى الرئيس الاذربيجاني حيدر علييف السبت الماضي. وحملها الى العاصمة الاذربيجانية، باكو، حسن روحاني الامين العام لمجلس الامن القومي الايراني.

وحسب المصادر الايرانية والاذربيجانية فان لقاء روحاني وعلييف كان عاصفا، وكاد الاثنان ان يصرخا على بعضهما البعض لولا مسارعة مساعدي كل منهما الى تهدئة الوضع. واتهم روحاني علييف بتحويل اذربيجان الى «قاعدة للصهيونية والامبريالية» بينما رد علييف بطلب العودة الى ايران و«اعلام رجال الدين فيها اننا لن نسمح ابدا باقامة دولة ثيوقراطية في اذربيجان». وكان خامنئي طلب من علييف ثلاثة امور، اولها اغلاق السفارة الاسرائيلية في باكو لابداء التضامن مع الانتفاضة الفلسطينية، وثانيها اصدار امر بتأجيل انشطة التنقيب عن النفط في الاجزاء المختلف عليها في بحر قزوين الى حين توصل الدول المطلة عليه الى اتفاق لاقتسامه بينها، وثالثها تأجيل قرار مد خط انابيب لتصدير النفط الاذربيجاني الى اوروبا الى ما بعد عقد قمة زعماء الدول المطلة على بحر قزوين المزمع عقدها في العام المقبل.

غير ان علييف الذي كان جنرالا في الاستخبارات الروسية السابقة (كي.جي.بي) رفض المطالب الثلاثة. وبدل الانصياع، ناشد ايران وقف تسليحها ودعمها لارمينيا التي تحتل نحو 25 في المائة من الاراضي الاذربيجانية منذ عام 1991. وتناقلت الصحف الاذربيجانية مقاطع مما قاله علييف الى الوفد الايراني من ان باكو تعتبر علاقاتها مع الولايات المتحدة وتركيا واسرائيل «استراتيجية» وانها «ضرورية للمصالح القومية الاذربيجانية». اما وزير الخارجية الاذربيجاني ولايت قيوليف فقال امس ان «ايران تزعم الدفاع عن الاسلام بينما هي تسلح ارمينيا، الدولة النصرانية، ضد شعب اذربيجان الشيعي المسلم، وليس من حق احد ان يعلمنا كيف نكون مسلمين».

من ناحية نظرية، ينبغي ان تكون العلاقات التي تربط بين ايران واذربيجان وثيقة للغاية، فما يعتبر ان اذربيجان كانت جزءا من ايران حتى عام 1830 عندما تخلت طهران عنها لموسكو بعد حربين روسيتين ـ ايرانيتين. كما ان اكثر من 90 في المائة من الشعب الاذربيجاني، اي نحو 7.5 مليون نسمة، هم من الشيعة المتشبعين بثقافة وتقاليد ايرانية. فضلا عن ذلك فان ايران نفسها موطن لقرابة 20 مليونا من الاذربيجانيين.

رغم ذلك فان العلاقات بين طهران وباكو تردت من السيئ الى الاسوأ منذ استقلال اذربيجان بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991. وعمدت الحكومات المتعاقبة في باكو الى عقد تحالفات مع الولايات المتحدة وتركيا واسرائيل. وردت ايران على ذلك بعقد تحالف مع روسيا لمواجهة النفوذ الاميركي عبر القوقاز. ويعلق في هذا السياق جواد صالحي الباحث الايراني المتخصص في شؤون المنطقة «ساعدت طهران ارمينيا في اجتياح الاراضي الاذربيجانية والابقاء عليها لاسباب سياسية خالصة. وتوضح التجربة ان القيادة الايرانية على استعداد للتغاضي عن الاعتبارات الدينية عندما يتعلق الامر بالمصالح الاستراتىجية».

وتدهورت الاوضاع اكثر مما هي عليه بعد فتح اذربيجان حقولها النفطية التي يعتقد ان فيها من الاحتياطات ما يقارب في قيمته 30 مليار دولار حسب اسعار النفط الراهنة امام المستثمرين الاميركيين والاوروبيين والاتراك وحرمان ايران خصوصا من اي نصيب. اما ما اعتبر حلا وسطا بمنح شركة النفط الايرانية حصة تصل الى 5 في المائة من نفط حقل «شرق آراس» الاذربيجاني فألغي في عام 1998 تحت ضغوطات اميركية.

منذ ذلك الحين والدولتان الجارتان على خلاف حول وضعية بحر قزوين، فايران تحاجج بأن قزوين وبما انه بحيرة ينبغي اعتباره بحرا مغلقا تنحصر ملكيته بالدول المطلة عليه، اي ايران واذربيجان وروسيا وكازاخستان وتركمانستان، كما تقترح ايران ان تقتسم تلك الدول قزوين بينها لتحصل كل منها على 20 في المائة منه. في المقابل ترى اذربيجان ان بحر قزوين كبير الى حد كاف لاعتباره مياها دولية. ولهذا ينبغي ان يكون لكل دولة مطلة عليه مياها اقليمية بحسب قانون البحار المعمول به في العالم. وحسب الرؤية الاذربيجانية، المدعومة اميركيا وتركيا، فان ايران لن تحصل الا على 11 في المائة من مياه بحر قزوين بينما تحصل كل من كازاخستان واذربيجان على ما يقرب من 30 في المائة منه.

واعلنت تركمانستان انها تقف الى صف ايران بينما توافق كازاخستان على الرؤية الاذربيجانية. اما روسيا فانها تلعب على الحبلين، فهي عندما حصلت على وعود بنصيب من نفط هذا البحر ومد خط انابيب عبر اراضيها وقفت الى جانب اذربيجان، ومن ورائها الولايات المتحدة، ولكن عندما بدت تلك الوعود غير مضمونة دعمت روسيا الموقف الايراني.

علاوة على ذلك، زادت باكو من غضب طهران عندما مضت في مد انبوب لنقل النفط عبر جورجيا وتركيا بدل ايران التي تعتبر طريقا اقصر وارخص الى اسواق النفط العالمية. وافادت تقارير امس ان ايران استدعت سفيرها من باكو لاجراء «مزيد من المشاورات» وحركت مزيدا من قواتها على طول الحدود البرية مع اذربيجان في منطقة اسطرا.

واخيرا، فان استعراض القوة الذي قامت به ايران هذا الاسبوع مهم لسبب آخر، فبموجب معاهدة وقعت مع روسيا في القرن التاسع عشر وجددت في عام 1921 بعد وصول البلاشفة الى السلطة في موسكو وافقت ايران على عدم انشاء وجود عسكري لها في بحر قزوين. اما الآن فبات معروفا جراء هذه الحادثة ان ايران الغت هذه المعاهدة وانشأت وجودا عسكريا لها في هذا البحر المغلق.